نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

فقه الولي: تقليد الأعلم‏

الشيخ أكرم بركات


كان الكلام في الحلقة السابقة يدور حول تقليد الأعلم، وقد ذكرنا فيها دليلاً يوجّه الإنسان غير المجتهد نحو تقليد الأعلم دون غيره ونتابع في هذه الحلقة الموضوع بذكر دليل آخر على تقليد الأعلم‏

* العقلاء يتوجهون نحو الأعلم‏
حينما يواجه غير المجتهد السؤال الآنف: هل يجب تقليد الأعلم بين المجتهدين أو يجوز تقليد غير الأعلم منهم؟ فإنه يُلاحظ في حياة العقلاء وسيرهم الاجتماعي ما يرشده نحو تحديد الجواب. فالعقلاء حينما يواجهون مشكلة تحتاج إلى حل من أحدهم، ويكون أصحاب الحل متعدّدين ومختلفين في كفاءاتهم وبينهم من هو معروف بأكفئيته وأعلميته فإنهم يتوجهون إليه بلا تردد وكمثال على ذلك، لو أصيب إنسان بمشكلة مرضية في قلبه، واحتاج إلى عملية جراحية لقلبه، فإنه حينما يجد عشرة أطباء في جراحة القلب يستطيع أن يجري العملية الجراحية عند أي منهم في الوقت الذي يريده ومن دون تفاوت في أجرة العمل لكنه يعلم أن واحداً منهم هو أعلمهم وأكفأهم وأكثرهم خبرة فإنه من دون تردّد يتوجه نحو هذا الطبيب الأعلم دون غيره. وهكذا الحال في سائر شؤون العقلاء وأمورهم فإنهم حينما يعرفون الأعلم بين أصحاب الاختصاص فإنهم يتوجهون نحوه دون غيره.  هذا البناء العقلائي والسيرة القائمة بينهم يعتبره الفقهاء دليلاً يتمسكون به لإثبات الأحكام الشرعية وذلك بضم أمر آخر إليها هو إمضاء المعصوم لها الذي يفهم من عدم تدخّله لرفض هذه السيرة، فلو كان المعصوم لا يرضى بسير العقلاء وتوجههم نحو الأعلم مثلاً لتدخل مبيناً الصواب، ولكنه لم يتدخل فنعلم إمضاءه لهذا البناء العقلائي ورضاه عنه وإلى دلالة بناء العقلاء وسيرتهم على وجوب تقليد الأعلم يرشد الولي الإمام الخامنئي دام ظله حينما سئل عن دليله على الوجوب الاحتياطي في تقليد الأعلم فيجيب: "وأما الدليل عليه فهو بناء العقلاء"(1).

* الخلاصة
حينما يواجه غير المجتهد هذا السؤال: هل يجب تقليد المجتهد الأعلم أم يجوز تقليد غيره من المجتهدين؟ فكيف يصل إلى الجواب الصحيح الشافي؟

الاحتمال صح أو خطأ السبب
1 الرجوع إلى القرآن خطأ عدم الكفاءة في تحديد معنى الآيات
2 الرجوع إلى الروايات خطأ عدم الكفاءة في معرفة صحة صدورها وتحديد دلالتها
3 الرجوع إلى المجتهد خطأ لأنه إن لم يكن أعلم فكيف يصح الاعتماد عليه
4 مراجعة العقل الداعي إلى تقليد الأعلم صح لأنه مقتضى الاحتياط وبه يتيقن من براءة ذمته
5 مراجعة سيرة العقلاء الداعية إلى تقليد الأعلم صح ما ورد في الاحتمال الرابع

* النتيجة
السبيل الوحيد والموضوعي لعلم المكلف غير المجتهد ولا المحتاط ببراءة ذمته في تطبيق الأحكام الإلهية هو تقليد المجتهد الأعلم. كيف نتعرّف على الأعلم؟ بعد أن يتوصل غير المجتهد من المكلفين إلى وجوب تقليد الأعلم فإنه سيسأل عن الوسيلة التي من خلالها يتعرف عليه، وهنا يجد أمامه الوسائل التالية التي دوّنها الفقهاء في كتبهم بعد أن استفادوها من الأدلة المعتمدة:

الوسيلة الأولى: الاختبار الشخصي
ويتحقق بأن يقوم المكلف بالحضور عند المجتهدين الواقعين في دائرة الأعلمية لاستماع استدلالاتهم ومبانيهم العلمية وردهم للإشكالات الواردة أو الاطلاع على كتبهم العلمية وأبحاثهم لتحديد الأعلم بينهم. ولا يخفى أن الذي يستطيع القيام بهذا الاختبار هو العالم الواصل إلى مرحلة علمية متقدمة يستطيع من خلالها تحديد الأعلم بين المجتهدين، أما المكلف العامي غير العالم فإنه يفتقد هذه الوسيلة فلا بد له من وسيلة أخرى فلنتابع.

* الوسيلة الثانية: ما يفيد العلم‏
فمن الواضح أن وصول المكلف إلى مرحلة العلم والقطع واليقين بأن فلاناً هو أعلم يشكل وسيلة تبرى‏ء ذمته أمام اللّه تعالى، لكن الكلام هو في الطريق التي توصل الإنسان إلى مثل هذا العلم بعد أن قَصُر عن الوسيلة الأولى (الاختبار الشخصي) والطريق الذي طرحه الفقهاء في هذا المضمار هو الشياع والمقصود به أن ينتشر في الأوساط العلمية أو في الأوساط العامة أعلمية فلان فإن أفاد هذا الشياع علماً عند المطلع عليه يكون قد حصل على الوسيلة المبرئة للذمة.

* الشياع الموهِم‏
ونؤكد هنا أن الشياع بنفسه ليس وسيلة صحيحة لإبراء الذمة بل يكون وسيلة كذلك إن أفاد العلم واليقين ويتضح الأمر حينما ندرس كيفية نشوء الشياع، فقد ينشأ الشياع من حملة إعلامية لم تنطلق من أسس علمية صحيحة، فالإعلام قد يؤثر في صناعة شياع بقضية غير واقعية ويكون للإعلام دور في ايهام الناس بواقعيتها ونتيجة ذلك قد يتشكل الشياع الموهم بصدق القضية بينما تكون الحقيقة على خلافها ولا يوجد مانع في أن تكون هذه القضية هي اجتهاد عالم أو أعلميته، من هنا فإن الشياع الذي يُعتمد عليه كوسيلة لإثبات الأعلمية هو ما أفاد اليقين والقطع بها لا مطلق الشياع كيفما يتحقق.

* هل الاطمئنان بالأعلمية طريق لإبراء الذمة؟
لاحظنا في الحديث السابق أن ما يفيد العلم يصح الاعتماد عليه في التعرف على الأعلم من المجتهدين، فهل أن ما يفيد الاطمئنان يصح الاعتماد عليه كذلك؟ لا بد أولاً من معرفة معنى الاطمئنان، ثم معرفة كيفية تحققه، ومن ثم نجيب على السؤال السابق. وهذا ما نبحثه في الحلقة القادمة بإذن اللّه فانتظر!


(1) أجوبة الاستفتاءات ج‏1 ص‏6.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع