موسى حسين صفوان
مقدمة: شيء جميل أن تتحرك مشاعر وأقلام المثقفين الغربيين بإتجاه القضايا العربية والإسلامية، وقضايا المستضعفين بوجه عام... فبعد الحادي عشر من أيلول، دخل العالم في مرحلة جديدة، أريد لها أن تكون بداية حرب الحضارة الغربية لهذا القرن فيما أطلق عليه صراع الحضارات...
وإذا كان المؤشر يميل نحو الصراع بشكل واضح، وبتأثير السياسات الغربية الاستفزازية، فإن المئات من المثقفين الغربيين في أميركا وأوروبا بدأوا منذ حين بالتوجه نحو المنطقة فيما يبدو أنه حملة ثقافية تحمل في جعبتها بعض عناصر الحوار وعناصر أخرى ما تزال موضع التساؤل. فمنذ حين، توجه بضعة عشرات من المثقفين الأميركيين بما أطلق عليه رسالة أو دعوة حضارية نحو المثقفين الشرقيين وبالأخص المسلمين، وقد حملت بنود رسالتهم العديدة مواضيع أساسية منها:
1 - الاحترام المجمل للحضارة الإسلامية (المسالمة).
2 - تأييد حرب الولايات المتحدة ضد الإرهاب (رغم الاعتراف بأخطاء الممارسات السياسية الغربية ضد شعوب المنطقة).
3 - تأييد إسرائيل وعدم الاعتراف بحقوق الشعوب المظلومة والإغضاء عن الأسباب السياسية والاجتماعية والسيكولوجية للإرهاب والتي تتحمل الولايات المتحدة الجزء الأكبر من أوزارها..
واليوم، وبعد أن وصلت الحالة في فلسطين إلى ما وصلت إليه من المجازر والإرهاب الذي يحظى بالرضا والمباركة والدعم والتأييد الأميركي، والسكوت واللامبالاة الغربية بوجه عام... تحركت مجموعة من المثقفين الأوروبيين والعالميين الأعضاء في "البرلمان الدولي للكتاب" فأطلقوا نداءً من أجل السلام في فلسطين في اليوم السادس من شهر آذار 2002، وقد وقع على ذلك البيان كُتّاب مشهورون من الولايات المتحدة، وفرنسا و... روسيا، وإيران، والصين، وإيطاليا وبريطانيا والمكسيك واليونان والهند وجنوب أفريقيا وغيرها. وفي مقابلة مع "راسل بانكس" رئيس هذا البرلمان الدولي يمكن قراءة العناوين التالية:
1 - قرار الاهتمام بالوضع الإنساني، وعدم تركه للسياسيين، يقول: "لسنا مراقبين لا يعنينا الوضع الإنساني...
2 - رفض وصف سياسة إسرائيل بالعنصرية بذريعة نقص المعرفة... ورداً على سؤال: "هل تشبه سياسة إسرائيل سياسة التمييز العنصري التي كانت تمارسها جنوب أفريقيا.." يقول: "لست الآن على اطلاع كاف لكي أصف سياسة إسرائيل لأقول أنها عنصرية أو كولونيالية، هذه الطريقة بالتحليل غير المماثلة تبدو لي خادعة.
3 - ففي سؤاله عن الإرهاب الفردي وإرهاب الدولة يجيب قائلاً: "الإرهابيون ليسوا محاربين برأيي، كما أنهم ليسوا مناضلين من أجل الحرية...
4 - ويصب جام غضبه على القوميين والكهان والحاخامات والملات والسياسيين، دون تمييز ويحملهم مسؤولية فشل السلام.
5 - وعندما يُسأل عن السلام الدائم في المنطقة يجيب بأنه "لا يتحقق السلام الدائم إلا بالانسحاب من المستعمرات الإسرائيلية لما قبل العام 1967، إلا عبر إقامة دولة فلسطينية، إلا عبر الاعتراف بشرعية دولة إسرائيل من قبل الدول العربية بأسرها.
وخلاصة الأمر... إن هذا المشروع "الثقافي" الجديد، إذا كنا نريد أن نحسن الظن، ونعتقد بصحوة الوعي الإنساني، والعقل المفكر الغربي، والتيار الحداثي بمجمله... فهو مشروع لم ينضج بعد، ولم يصل إلى مرحلة تلامس الحق والحقيقة، بعين حيادية متحررة من اللوثات الثقافية، والمناطقية، والأفكار المسبقة، ولكن المتأمل يشك بإمكانية مثل هذه الثقافة القاصرة على ادراك غايتها، إلا إذا اكتشف هؤلاء المثقفون أخطاءهم، وغيروا بعضاً من مواقفهم. فمتى كانت الشعوب المقهورة، والمصادرة ثرواتها إرهابية؟!! وكيف ينتزع منها حق الدفاع عن النفس والوجود ؟!! وكيف يساوي هذا الفكر الإنساني بين المجرم والضحية؟!! وبين دولة فلسطينية علمانية قائمة على أسس مدنية وخاضعة لقرارات الأمم المتحدة، وبين دولة (إسرائيل) القائمة على مبدأ الشعب المختار، وإلغاء الآخر، والأسطورة التلمودية، وهي المبادئ عينها التي انتقدها ذاك المفكر العلماني وهي سلطة الحاخامات والقوميين، والعنصريين، إن الملالي لم يؤسسوا دولة عنصرية تقوم على مبدأ إلغاء الآخر بل الحاخامات هم الذين فعلوا ذلك، فمن الظلم البالغ وضع إسمهم تعسفاً مع أرباب الفكر العنصري، ومن الظلم أيضاً الإقرار بدولة هؤلاء الحاخامات، وعدم الاعتراف بحق الشعوب المظلومة في مقاومة المشاريع التي ترمي إلى إلغاء وجودها فضلاً عن نهب ثرواتها. فمتى يستيقظ الضمير العالمي المثقف ليقول بصراحة إن المشكلة في فلسطين ليست الأديان فطالما تعايشت، وليس حق الدفاع المشروع الذي يسمونه إرهاباً فهو وليد السياسات الاستكبارية المتعسفة والجائرة...
إنها باختصار العنصرية، والنزعة القائمة على خلفية اسطورية تلمودية، وليس الحل بإقامة دولة عنصرية أو الاعتراف بها، لأن مثل هذه الدولة سوف تبقى الشوكة التي تؤذي خاصرة الضمير الإنساني وتخلق في كل يوم مشاكل جديدة، ومجازر جديدة، ومآسي إنسانية جديدة.