نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

عقبات في طريق السالك

الشيخ حسن غبريس


إن حركة النفس في السير والسلوك نحو الله تعالى هي حركة واقعية ذات حقيقة، وليست مسألة اعتبارية جعلية لا يترتب عليها سوى آثار الجعل والاعتبار، بل هي تغير حقيقي لواقعية النفس من حيث الوجود قوة وضعفاً، لهذا كان الأمر من الله تعالى بوجوب العمل على تهذيب النفس وحملها على السير نحوه جل ذكره دون انكسار أو توقف يؤدي إلى عجز في إمكانية تقبل الفيض الإلهي وعليه تحرم النفس من هدف وغاية وجودها وتكون أسيرة رخيصة في موضع لا يليق بها ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ التين/4، بل ولا تستطيع الانسجام في بوتقته.

ويشهد لهذا من القرآن الكريم:
قوله تعالى: ﴿فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ الواقعة/88- 94. فإن القرب حقيقة لذات النفس وانتقالها في مراتب الوجود واختلافها في صفات الكمال، ولا يظهر ذلك بوضوح إلا في البرزخ أو القيامة ﴿لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ق/22. وقد أشار الإمام الخميني المقدس إليه بقوله: "فإن له، أي للإنسان. صورة وهيئة وشكلاً ملكوتياً غيبياً وهذه الصورة تابعة لملكات النفس والخلقة الباطنية، وفي عالم ما بعد الموت، سواء في البرزخ أو القيامة إذا كانت خلقة الإنسان في الباطن والملكة والسريرة إنسانية تكون الصورة الملكوتية له صورة إنسانية. وأما إذا لم تكن ملكاته ملكات إنسانية فصورته في عالم ما بعد الموت تكون غير إنسانية" الأربعون حديثاً ص 38. "لن يرى نفسه في ذلك العالم، عالم كشف السرائر إلا حيواناً أو شيطاناً لا تُشمُّ منه رائحة الإنسان والإنسانية أبداً"، الأربعون حديثاً ص 197.

ويشهد له من الروايات: أنه سُئل أمير المؤمنين عليه السلام هل رأيت ربك حين عبدته؟ قال عليه السلام: "ويلك ما كنت أعبد رباً لم أره، قيل وكيف رأيته؟ قال: ويلك لا تدركه العيون في مشاهدة الأبصار ولكن رأته القلوب بحقايق الإيمان". فإن الرؤية واقعية وحقيقية بحقايق الإيمان فهي رؤية النفس لخالقها فكما أن النفس بإمكانها رؤية نفسها وإدراكها من دون الرؤية البصرية وهو يقين لا شك فيه فهو كذلك بالنسبة لله تعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ فصلت/53. ولهذا أشار الإمام الحسين عليه السلام في دعاء عرفه: "أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكون هو المظهر لك". فلا يستدل على وجود النور برؤية ما أظهره النور لبداهة ذلك إلا أن يحجبه عمى أو مانع يمنع المشاهدة وهو مثيل الوجود. ويشهد له من العقل: أن الوجود حقيقة مشككة بمعنى متفاوتة في مراتبها مثله كالنور يختلف شدةً وضعفاً فأعلى مراتب الوجود هو الذات الإلهية المقدسة وأقلها وجود الطبيعة والمادة، والنفس متأرجحة بين ذلك تقدماً وتأخراً ولهذا فإن المطلوب منها الرقي في مراتب وجودها نحو الكمال. وبناء على ما تقدم ينبغي للإنسان أن يعمل على رفع كل عقبة تقف في طريق سلوكه نحو الله وكذا تحصيل وسائل تقدمه إليه تعالى والمجال معقود لبيان عقبات السير إليه عزّ وجلّ وهي كثيرة منها:

* العقبة الأولى: عدم القابلية: بمعنى عدم تلي الفيض وبالتعبير القرآني قساوة القلب. ﴿فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ الزمر/22 ولهذا المانع أو العقبة أسباب كثيرة منها:

1- المعاصي:
إن السبب الأشمل لمنع تلقي الفيض الإلهي ولجعل القلب خَرِبَةً تعيث فيها الشياطينُ فساداً هو الذنب. فقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: "كان أبي يقول: ما من شيء أفسد للقلب من خطيئة: إن القلب يواقع الخطيئة فلا تزال به حتى تغلب عليه فيصير أعلاه أسفله".

2- الشره في الأكل:
خصوصاً الامتلاء وتخير الأطعمة والتلذذ بها فهي تسبب الكسل في تأمين حاجيات البدن فما بالك بحاجيات النفس الروحية إتجاه الله تعالى. فعن أبي بصير قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: "يا أبا محمد إن البطن ليطغى من أكله وأقرب ما يكون العبد من الله إذا خف بطنه، وأبغض ما يكون العبد إلى الله إذا امتلأ بطنه". وعنه أيضاً عليه: "ليس شيء أضر لقلب المؤمن من كثرة الأكل".

3- كثرة الكلام:
إن كثرة الكلام تُشوِّش الفكر وتمنع من التوجه. فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وآله  "لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله، فإن كثر الكلام بغير ذكر الله تقسي القلب، إن أبعد الناس من الله القلب القاس". وعن علي عليه السلام: "إذا تم العقل نقص الكلام".

4- كثرة النوم:
خصوصاً النوم ما بين الطلوعين وعند الغروب ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ ق/29، ﴿وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا الإنسان/25. عن الصادق عليه السلام: "إن الله يُبغض كثرة النوم وكثرة الفراغ". وعنه أيضاً عليه السلام: "كثرة النوم مذهبة للدين والدنيا".

5- الغفلة عن الذكر:
فهو الحجاب الأكبر بين العبد وربه ويقابله حضور القلب ودوام الذكر. فقد ورد في الحديث الشريف عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "أوحى الله عزّ وجلّ إلى موسى عليه السلام يا موسى لا تفرح بكثرة المال ولا تدع ذكري على كل حال فإن كثرة المال تنسي الذنوب وإن ترك ذكري يقسي القلوب".

* العقبة الثانية: التعلقات الدنيوية:

وهذا المانع خطير في القلب والعمل وهو المعبر عنه بلسان الروايات حب الدنيا "حب الدنيا رأس كل خطيئة". فالتعلق بالثروة والمال والجمال والجاه والسلطنة والترف في العيش والحرص عليه يؤدي بداهة إلى موت القلب وعدم إمكانية السير نحو الحق تعالى: ولهذه العقبة أسباب أيضاً نذكر منها.

1- طويل الأمل:
"فإن طول الأمل هذا وامتداد الرجاء وظن طول البقاء والأمل في الحياة ورجاء سعة الوقت يمنع الإنسان من التفكير في المقصد الأساسي الذي هو الآخرة" الإمام الخميني قدس سره الأربعون حديثاً ص 202. فقد ورد في الحديث عن أمير المؤمنين عليه السلام: "أيها الناس إن أخوف ما أخاف عليكم إثنتان اتباع الهوى وطول الأمل أما اتباع الهوى فيصد عن الحق وأما طول الأمل فينسي الآخرة".

2- حب المال والجاه: يصفه الإمام الباقر عليه السلام بقوله: "ما دئبان ضاريان في غنم ليس لها راعٍ هذا في أوله، وهذا في آخره، بأسرع فيها من حب المال والشرف في دين المؤمن".

3- الشرف في العيش: عن الصادق عليه السلام عن أبيه عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله "أربع يمتن القلب الذنب على الذنب، وكثرة مناقشة النساء يعني محادثتهن، ومماراة الأحمق تقول ويقول ولا يرجع إلى خير أبداً، ومجالسة الموتى. فقيل يا رسول الله وما الموتى؟. قال كل غنيِّ مترف". فإن قيد الترف جعل الملاك هو الترف بغض النظر عن نفس المال فقد يكون لا يمكل الكثير لكنه يعيش حياة الترف كمن يحاول إبراز فخامة مسكنه أو ثيابه أو سيارته حتى لو كان ذلك بشق الأنفس.

العقبة الثالثة: حب الذات:
إن من أخطر العقبات حب الذات حيث إنها مصدر المعاصي والطاعات فقد يعصي المرء لرغبة في نفسه أو اعتقاد مصلحته وقد يطيع لرغبة في النجاه بنفسه في الآخرة ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا المعارج/19، الهلع الحرص الشديد وهو من أسباب حب الذات. وتظهر من خلال أمور كثيرة منها:
1- الكبر: يقول الإمام الخميني قدس سره: "للكبر أسباب عديدة ترجع كلها إلى توهم الإنسان الكمال في نفسه مما يبعث على الصحِب الممزوج بحب الذات" الأربعون حديثاً ص 106. وعن الإمام الصادق عليه السلام: "إن في جهنم لوادياً للمتكبرين يقال له سقر شكى إلى الله عزّ وجلّ شدة حره وسأله أن يؤذن له أن يتنفس فتنفس فاحرق جهنم".

2- العجب: "إن صاحب هذا المقام يرى نفسه محبوباً لله تعالى ويرى نفسه في سلك المقربين والسابقين وقد يُبدي التواضع رياءً وهو خلاف ذلك" الأربعون حديثاً ص 85.
وفي الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام عن الرسول صلى الله عليه وآله: "إن موسى عليه السلام فيما ناجى الله به قال: فاخبرني بالذنب الذي إذا أذنبه ابن آدم استحوذت عليه سيطرت عليه قال: إذا أعجبته نفسه واستكثر عمله، وصغر في عينه ذنبه".

* العقبة الرابعة: اتباع الهوى:
﴿
وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ص/26
. وفي الكافي عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "يقول الله عزَّ وجلّ: وعزتي وجلالي وعظمتي وكبريائي ونوري وعلوي وارتفاع مكاني لا يؤثر عبد هواه على هواي إلا شتتُ أمره ولبَّست عليه دنياه وشغلت قلبه بها، ولم أؤته منها إلا ما قدرت له، وعزتي وجلالي وعظمتي ونوري وعلوي وارتفاع مكاني لا يؤثر عبد هواي على هواه إلا استحفظته ملائكتي وكفَّلت السماوات والأرضين رزقه، وكنت له من وراء تجارة كل تاجر وأتته الدنيا وهي راغمة".
فإن اتباع الهوى حالة يخرج فيها الإنسان من عبادة الله إلى عبادة نفسه قال تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ الجاثية/23. وهذه العقبة تظهر في مظاهر عديدة منها الغضب والعصبية والنفاق ولا يسع المجال لذكر تفصيل فيها.

وأخيراً أمام هذا الواقع الأكيد على المرء أن يعمل جاهداً ومجاهداً على رفع لك عقبة من ذلك ليتسنى له الشرع في وسائل السلوك نحو الحق تعالى والتي هي كثرة أهمها: ذكر الله بالمعنى الحقيقي للذكر ويكون باللسان والقلب والعمل وحضور القلب وعدم الغفلة والدعاء الذي هو وسيلة لاستجلاب نظر الله إلى عبده والصلاة والصوم والجهاد الأصغر الذي هو طريق لخدمة العباد أو الشهادة وهما من أهم مقامات القرب من الله عزّ وجلّ والله خير موفق ومعين.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع