عبد الحليم حمود
* البرتغالي أنطونيو: كاريكاتورات في خدمة فلسطين
ولد رسام الكاريكاتور البرتغالي أنطونيو موريرا سنة 1953 ثم كانت خطواته الأولى كرسَّام كاريكاتور سنة 1974 على صفحات صحيفة "لاريبوبليكا" وسريعاً ذاع صيته ليلتحق بجريدة "اكسبريسو" في العاصمة لشبونة والمستمر فيها حتى الآن.
نال أنطونيو العديد من الجوائز العالمية، ووصل إلى مرحلة متقدمة من الشهرة والحضور في العالم جراء اهتمامه الشديد بتقنية الرسم، ومحافظته على القواعد الأكاديمية من حيث النور والظل والكتلة والفراغ والأبعاد، إنما مع مبالغة شديدة تشبه سوريالية "سلفادور دالي" في تذويب الوجوه والأجساد والعناصر مع مقدرة كبيرة على التحكم بالملامح. وهو لا يعتمد التلغيز في رسومه بل يتابع الأحداث السياسية بدقة ويعكس رؤيته دون تورية فتراه يرسم السياسيين كما هم: شارون، عرفات، شيراك، لوبان، لولا داسيلفا، بوش، بوتين وغيرهم، وطريقته في قراءة الوجوه وتنفيذها تخوله تزعُّمَ حركة "البورتريه الكاريكاتوري" في العالم إلى جانب كبار كالبرازيلي "لوريدانو" والنمساوي "سوكول" والفرنسي "مولاتييه" والمصري "جورج البهجوري".
تهتم رسومات أنطونيو بشكل خاص بالصراع العربي الإسرائيلي، الذي أولاه الأولوية المطلقة منذ أن أخذت رسوماته طريقها إلى الصحافة اليومية وهو يعلّق على هذا قائلاً: "أظن أن ما تطرحه رسوماتي، هو الظلم اللاحق بالقضية العربية، خصوصاً من الجانب الأميركي الذي، وبدل أن يكون الحكم العادل لحل القضية، التزم الجانب "الإسرائيلي"، موفراً له كل أنواع المساعدات المالية والعسكرية والدعم السياسي المطلق، على الرغم من أن "إسرائيل" هي الجانب المعتدي دائماً... وهذا ما ذكَّرني بالحرب بين الهنود الحمر والكاوبوي الأميركي".
في رسومه وكلماته نلمس عند أنطونيو النضج الشديد في ترجمة الوقائع دون الوقوع في مطبات الإعلام الغربي الموجَّه، بل أكثر من ذلك نراه، مساهماً في تعرية هذا الإعلام وتلك السياسات، ولذلك علينا الاهتمام بتلك الأسماء الحاضرة في المنابر العالمية لأنها تخدم قضايانا أكثر بكثير من الأصوات العربية التي يعد موقفها من الصراع مع الصهاينة من تحصيل الحاصل.
* مدينة تلمسان: عبقرية فن العمارة الإسلامية
تُعدّ مدينة تلمسان من أجمل مدن الشمال الأفريقي الغربي موقعاً، ومن أحسنها مناخاً، فقد بنيت في سفح جبل وترتفع عن سطح البحر 830م، وفي العهد الروماني حملت اسم "بوماريا" بمعنى الحدائق، وهي المكسوة بغابات الصنوبر التي تعتبر محمية طبيعية لأجناس عديدة ونادرة من الطيور.
من سوء حظ هذه المدينة الجزائرية أن معالمها قد اندثرت ولم يبقَ منها إلا القليل "كالجامع الكبير" و"جامع سيدي أبي مدين" و"جامع سيدي الحلوي" و"جامع سيدي إبراهيم المصمودي" علماً أن مدينة تلمسان كانت تعرف ب "المدينة ذات عشرات المآذن". يُعدّ "الجامع الكبير" تحفة لا مثيل لها وقد أجمع الرحالة والمتجولون ممن شاهدوا هذا الجامع أنهم لم ولن يروا له مثيلاً. فزخرفته تضاهي زخرفة مسجد قرطبة... وهي بأشكال الورود، ومراوح النخيل التي تشكل لوحة أنيقة ومتقنة الانسجام في خطوطها، وللمسجد ثمانية أبواب ويشتمل على قاعة الصلاة وصحن وفناء وثلاثة عشر رواقاً، أوسعها الرواق الأوسط وهو من أجمل ما في هذه القاعة لما يحتوي عليه من النقوش الحبيسة المحفورة والبارزة، التي زُخرف بها إطار المحراب والقبَّتان الوسطى والأمامية.
وبالنسبة إلى مسجد "سيدي أبي الحسن" فيعد أجمل بناء فني في العهد القديم كله. ويدل بناؤه وزخارفه ونقوشه على أنه كان خاصاً بالأمراء وأرباب الدولة، ولا غرابة أن نجده اليوم متحفاً للمدينة الذي تُجمع به الآثار الفنية الملتقطة بتلمسان، علماً أن قاعة المتحف قد حوِّلت ومع الأسف الشديد في زمن الاستعمار الفرنسي إلى مخزن للنبيذ ثم إلى مخزن للعلف!! ومن معالم تلمسان الهامَّة ضريح العلاّمة الصوفي أبي مدين المولود بأشبيلية عام 1126، وهناك أيضاً صرح "الْمَشْوَر" الذي لم يبقَ منه سوى أسواره الشامخة و"المشور" كلمة مشتقة من الشورى وهو المكان الذي كان يتشاور فيه السلطان "يغمراسن" مؤسس الدولة الزيانية مع وزرائه.
في تلمسان ثمة عظمة وضخامة ورونق يُخترن في فن عمارتها وزخرفتها وأضرحتها وقد شهد بذلك بعض المستشرقين بقولهم: "يحق لنا أن نعجب بالبراعة الفائقة التي أبداها الفنانون الذين أعطوا لعملِ ظاهرةِ الضعف والوهن تلك القوة التي قاومت الأجيال والأحقاب منذ عدة قرون"!