نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

حماة الإسلام: الشيخ مرتضى الأنصاري

لقد كانت الحوزات العلمية الإسلامية وخاصّة الشيعية أهم القواعد الإسلامية عبر التاريخ التي ربّت "حماة الإسلام" وسوف تبقى. وإذا كان الإمام الخميني قدس سره يقول:"لو لم يكن أولئك العلماء لما كان لدينا اليوم أيّ اطلاع على الإسلام" فإنّه يتحدّث بعمق عن واقع يدلّ عليه النظر غلى التاريخ وحالات العلماء العظام الذين قاموا بنقل التعاليم الإسلامية والدفاع عنها وتهذيبها من كلّ دخيل وقدموا لذلك كل ما لديهم في سبيل إعلاء كلمة الله على الأرض. مجلة بقية الله تفتح صفحاتها للحديث عنهم عرفاناً للجميل وتعريفاً له.

لم يكن الشيخ الأنصاري وحيد عصره في مقام التحقيق والدراسة وحل مشكلات الفقه والأصول فحسب، بل يندر أن نجد له مثيلاً عبر التاريخ.
يقول العلامة النوري في مستدرك الوسائل:
"يكفي جابر بن عبد الله الأنصاري فخراً أنّ الله تعالى من عليه أن جعل رجلاً من صلبه ينصر الدين، ولم يصل أحد من العلماء الماضين إلى مرتبته في العلم والتحقيق والتدقيق وفي الورع والعبادة والكياسة، بل إنّه لن يصل أحد من بعده إلى ذلك".

وفي مدحه يقول الأستاذ الشهيد مرتضى مطهري:
"لقد لقب الشيخ الأنصاري الفقهاء والمجتهدين وكان من أولئك الأشخاص الذين يندر أن نجد مثلهم في الدقة وعمق النظر، وصاحب ابتكارات لا سابقة لها".

ومن ألقابه المعروفة "المؤسّس" نظراً لأنّه كان أحد أعظم المؤسّسين لعلم الفقه والأصول في تجديده وابتكاراته.
وعندما يقال "الشيخ" فذلك إشارة إلى الشيخ الأنصاري.
لم يحظ الشيخ باحترام وتقدير تلامذته فحسب وإنما تعداه إلى أساتذته الذين لم يخفوا إعجابهم الكبير به.
فهذا صاحب الجواهر رحمه الله الذي كان مرجعاً دينياً لعامة الشيعة في زمانه، وفي سنة 1266 عندما شعر باقتراب أجله دعا جميع علماء النجف الأشرف ومجتهديه. وبعد الاجتماع لم يجد صاحب الجواهر الشيخ الأنصاري بينهم فأرسل إليه. وعندما بحثوا عنه وجدوه في حرم أمير المؤمنين عليه السلام مستقبلاً القبلة وهو يسأل الله شفاء صاحب الجواهر.

لما وصل طلب منه أن يجلس إلى جانبه ثمّ أخذ بيده ووضعها على صدره وقال: "الآن طاب لي الموت" ثمّ التفت إلى الحاضرين وقال: "هذا مرجعكم من بعدي".

* أخلاقه وسيرته
لم يكن الشيخ الأنصاري سبّاقاً في مضمار العلم وحده وإنما حاز شرف العمل أيضاً. فقد كان مواظباً على حلّ مشاكل الناس وتقصّي أحوال الطلاب والتشجيع وتقصّي أحوال الطلاب والتشجيع على العلم ونشر الدين. ومما يروى عنه أنّه كان يرفض استقبال الحقوق المالية التي تأتيه من المدن الأخرى إذا كان فيها طلاب علم أو علماء.
ينقل صاحب كتاب "حياة الشيخ الأنصاري" أنّ شخصاً جاءه في أحد الأيام وقال له: إنّ الطالب الفلاني يشرب الشاي (وكان الشاي في ذلك الزمان يعد من الأمور الكمالية) وكان يريد بهذا الكلام أن يسقطه في عن الشيخ. فقال الأنصاري: - رحمك الله – إنّك أخبرتني بهذا الأمر حتّى أزيد له من حقوقه المالية ليدرس براحة.

وجاء في "لؤلؤ الصدف": "... كانت أغلب عطايا ذلك المرحوم في السر وكان يخصّص الكثير من الفقراء بمرتبات شهرية أو سنوية يوصلها إليهم في الأسحار والليالي.وعندما توفي علم الناس من كان يهتم بهم".
وذكر أنّ رجلاً مدحه على هذا العمل الإنساني (مساعدة الفقراء) فقال له الشيخ: ليس هذا مدعاة للفخر والكرامة، لأنّ كلّ إنسان مكلف أن يوصل الأمانة إلى أهلها، وليست هذه الحقوق إلاّ أمانة عندنا نوصلها إلى أصحابها.
لقد كانت ملكاته الفاضلة وأخلاقه السامية على درجة لا يمكن وصفها. فعندما كان مرجعاً للأمة وإماماً للجماعة كان يحل مشاكل الناس ويعيش همومهم ويعود مرضاهم ويشيّع جنائزهم. في ذلك الوقت ينقل أحد العلماء أنّه قدِمَ إلى الشيخ وقال له: أنّ السيد الفلاني طالب علم وهو مديون ومسكين لو تتفضلون عليه بشيء. فقال الشيخ: ليس لديّ إلاّ ثمان تومات هي أجرة سنتي صلاة وصيام. فأعطه إيّاها وقل له أن يؤديهما عني. فقال ذلك العالم: ولكنّه رجل محترم ومن العائلات المميزة ولم يفعل هذا الأمر من قبل (صلاة الاستيجار). فسكت الشيخ قليلاً ثم أجاب: "خذ هذه النقود إلى السيد وأنا أؤديها عنه".

وقد ذكر في كتاب "دار السلام": مع أنّه كان يصله كلّ عام أكثر من مئة ألف تومان من الحقوق، فقد توفي، الشيخ الأنصاري وهو لا يملك ديناراً واحداً، وكان في حياته يكتفي بأقل ما يمكن".
وكان يقول: إنّني فرد فقير، وينبغي أن أعيش كالفقراء.

ويروي صاحب كتاب "شخصية الشيخ الأنصاري" أنّ الشيخ عندما أراد تزويج ابنته إلى صهره الشيخ محمد حسن الأنصاري، تقدم الحاج محمد صالح الكبّة (وكيله في بغداد) يطلب منه أن يجيزه في تولّي مصاريف هذا العرس على نفقته، ولكن الشيخ رفض ذلك وزوّج ابنته بجهاز بسيط جداً.

* مسجد الشيخ الأنصاري
لقد بنى الشيخ الأنصاري مسجداً في حياته، وقصة هذا المسجد أنّ رجلاً من الأثرياء الإيرانيين قدم له مبلغاً من المال ليبني بيتاً لنفسه. فاشترى الشيخ أرضاً وبنى فيها مسجداً. وعندما رجع ذلك الثري أحضره الشيخ إلى المسجد وقال له: "هذا هو بيتي الذي بنيته لي".

* مؤلفاته
رغم ما ألّفه الشيخ الأنصاري لم يكن كثيراً إلاّ أنّه فاق آلاف الكتب العلمية قوة وعمقاً. ويكفي أن نلقي نظرة على كتابيه "الرسائل" و "المكاسب لندرك درجة من مقامه العظيم.
ونحن هنا نذكر أسماء بعض مؤلفاته:
1-رسائل الشيخ بعنوان "فرائد الأصول" وفيه أسّس الشيخ علم الأصول.
2-المكاسب أو المتاجر في الفقه.
3-رسالة في الإرث.
4-رسالة في التقية.
5-رسالة في الخلل.
6-الحاشية على استصحاب القوانين.
7-كتاب الرجال.

وغيرها.

توفي العلامة الأكبر بعد عمر قضاه بالعلم والعمل وربى فيه عشرات العلماء الذين سطعوا في سماء العلم والفضيلة منهم الميرزا محمد حسن الشيرازي المشهور بالمجدّد الشيرازي. والميرزا محمد حسن القمّي. وجمال الدين الأفغاني والعلامة النوري والآخوند الخراساني وغيرهم.
وكانت سنة وفاته 1281 هــ ليلة الثامن عشر من جمادى الثانية، ودفن في جوار حرم أمير المؤمنين قرب الشيخ حسين النجف.
رحمه الله ووفقنا للسير على هداه.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع