السيّد علي عبّاس الموسوي
في معركة الحقّ مع الباطل تتّخذ الحرب أشكالاً متعدّدة.
ولا يتوانى أهل الباطل عن استخدام ما يتوافر لهم في مواجهة الحق. لا يردعهم في ذلك
رادع؛ لأنّ الباطل يتمسّك بكلّ وسيلة فلا يرى بدّاً من حقّ يقف به أمام أيّ تصرف لا
يقبله عقل ولا إنسان.
وتشكّل حرب الافتراء والاتّهام الأداة القديمة والمتجدّدة دائماً في مواجهة الحقّ
وأهله، فهذه آيات الله البيّنات في كتابه تحدّثنا عن أخبار أنبياء الله ورسله عليهم
السلام وكيف أُلصقت بهم اتّهامات وافتراءات لأجل تحطيم شخصيّتهم في أعين الناس
للوصول إلى خلق حالة خوف لدى ضعاف النفوس من اتّباعهم والإيمان بهم.
وتتدرّج حرب الافتراء على مستويين: فتارةً على مستوى أنواع الافتراء، فتبدأ
بالاتّهامات البسيطة التي تقبل التصديق لدى الناس -بظنّهم- كاتهام النبي صلى الله
عليه وآله وسلم بأنه شاعر أو به جُنّة، ثم تترقى لاتّهاماتٍ قد مهّدت لها اتّهامات
سابقة فأسقطت شيئاً من المهابة في نفوس الناس -بزعمهم-، وأخرى على مستوى الأشخاص،
فالاتّهام تارة يكون للأتباع ثم للخواصّ ثم للشخصيّة الأساس في التكوين الاجتماعيّ
المستهدف.
لم يقتصر أمر أهل الشرك والضلال في اتهامهم على رمي أصحاب النبي صلى الله عليه وآله
وسلم بأنّهم من أراذل الناس أو من المستضعفين، بل تعدّوا ذلك إلى وصف النبي صلى
الله عليه وآله وسلم بما لا يليق، وتدنّى الأمر بهم إلى وصف الذات الإلهية بصفات
بشريّة كاللهو واللعب والعبث.
وهذا ما عايشه الأئمة من أهل بيت العصمة والطهارة في مواجهة أعدائهم. وإسقاط تلك
المهابة التي كانت في نفوس الناس لهم شكّلت الدائرة الأكثر استهدافاً من قبل
الظالمين.
وفي المقابل، لا يمكن لأهل الحقّ الاعتماد في مواجهة ذلك على الأسلوب نفسه؛ لأنّ
مشروعيّة الغايات لا تبرّر استخدام أسلوب الافتراء والكذب والدجل، بل إنّ قيمة
الصدق والالتزام بالخلق الإنساني لا يمكن أن تطغى عليها أي مصلحة؛ لأنّ الإنسان
الرساليّ يهدف إلى إحياء القيم في النفوس فكيف يكون له ذلك عبر تحطيمها؟
فاجتناب أهل الحقّ استخدام هذه الأساليب ليس قصوراً منهم، بل بإرادة وتصميم تفرضهما
تلك الرؤية التي يؤمنون بها وأنهم لا يتوسّلون لأجل الوصول إلى أهدافهم بأيّ وسيلة؛
بل لا بدّ أن يكون وصولهم إلى الحقّ بالحقّ لا بالباطل.
ولذا، فالصورة قد تبدو أحياناً أنّ الهزيمة تلحق بأهل الحقّ وأنّ أهل الباطل
يسجّلون انتصاراتهم في ميدان الحرب الإعلاميّة، ولكن هذه هي صورة قصيري النظر
والذين لا يدركون أبعد من زمان معركة، ولا ينظرون إلى زمان حرب مستمرة، والمنتصر
فيها هو من يفوز أخيراً.
وإذا كان حبل الكذب قصيراً في المثل الرائج بين الناس، فإنّ معركة الإعلام الكاذب
تخدم لفترة بسيطة، ولا بدّ أن تنكشف تلك الحيل التي ينتهي أمدها ولا يعود أمام أهل
الباطل من سبيل سوى التوسّل بأدوات أخرى؛ وبهذا يكون وجود الباطل وجوداً متزلزلاً
معرضاً للانهيار في كلّ لحظة وآن، ولذا يصف القرآن الكريم تلك المعركة بين الحقّ
والباطل بصورة الحجر الذي يقع على رأس الإنسان فيصيبه في دماغه. ولأنّ هذه الإصابة
في مقتل سوف يكون في تلك الضربة ذهاب الباطل:
﴿لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْوًا
لَّاتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّا إِن كُنَّا فَاعِلِينَ * بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ
عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا
تَصِفُونَ﴾ (الأنبياء: 17-18).
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.