مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

كرامات في مسير السبي الزينبي‏


د. حيدر خير الدين‏


بالحقيقة إن شهادة سيد الشهداء عليه السلام قد أبانت عن كرامات عديدة وخوارق عجيبة أعقبت في عوالم الإمكان أموراً عظيمة مبدؤها رحمة إلهية غمرت الإمام الحسين عليه السلام في كنه رعايتها رأساً وجسداً وأطفالاً وسبايا فكانت كل الوقائع بأحداثها المادية تعبّر عن مآثر مجيدة لم تكن لأحدٍ من الناس دونه لمقامه الجليل الذي يغبطه عليه الشهداء والصدّيقون، وما سننقله في هذه العجالة من بعض الكرامات التي نقلها أصحاب المقاتل وأرباب السير والمؤرخون ونقلها الرواة على اختلاف مذاهبهم ما هي إلا دلائل محقة لا تحتمل الشك في طياتها.

فقد أورد ابن حجر في الصواعق(1) أن السماء إحمرّت لقتله وانكسفت الشمس حتى بدت الكواكب، وفي المنتخب أن الحمرة التي تُرى في السما ظهرت يوم قتل الحسين عليه السلام ولم تُرَ قبله أبداً(2)، كما أنه عندما رفعت رأسه عليه السلام على القنا كبَّر الجند الأموي ثلاث تكبيرات فتزلزلت الأرض بهم وأخذت الناس الرجفة ونادى منادٍ في السماء قتل واللَّه الإمام ابن الإمام أخو الإمام أبو الأئمة الحسين عليه السلام(3)، حتى أن أم سلمة زوجة الرسول صلى الله عليه وآله انتبهت إلى قارورة قد تحولت إلى دمٍ وكان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله أسرَّ إليها بها أن عند ذلك يقتل ولده الحسين، ... وكان من أمر "سكينة" أنها تأبطت جسد أبيها قبل أن يرفع رأسه فأخذتها غفوة وإذ بها تسمع صوت أبيها يقول:
 

أو سمعتم بغريب أو شهيدٍ فاندبوني‏

شيعتي ما إن شربتم عذب ماء فأذكروني‏


ولما قتل عليه السلام أقبل الأعداء لسلبه، فأخذ قميصه إسحاق بن حبوة الحضرمي فلبسه فصار أبرص وامتعط شعره، وأخذ سراويله بحر بن كعب التميمي، فصار زمِنا مقعداً من رجليه، وأخذ عمامته أخنس بن مرشد بن علقمة الحضرمي فاعتمّ بها فصار معتوهاً، وأخذ نعليه الأسود بن خالد وخاتمه بجدل بن سليم الكلبي وكان المختار الثقفي قد قطع يديه ورجليه، وأخذ برنسه مالك بن يزيد الكندي وكان من خز، فلم يزل بعد ذلك فقيراً بأسوأ حال مشلول اليدين. أما الرجال العشرة الذين رضوا أضلاع الحسين عليه السلام وطحنوا جنان صدره فقد روى أبو عمر الزاهد أنهم كانوا جميعهم أولاد زنا وأن المختار الثقفي شد أيديهم وأرجلهم بسكك الحديد وأوطأ ظهورهم حتى هلكوا، وكان خولي بن يزيد الأصبحي قد سلب من زينب قناعها وقرطيها من إذنها وهو يبكي فقالت تسلبني وأنت تبكلي فقال أبكي لمصابكم أهل البيت عليهم السلام فقالت له قطع الله يديك ورجليك وأحرقك الله تعالى بنار الدنيا قبل نار الآخرة فما مضت الأيام حتى ظهر المختار وأخذ الرجل قائلاً له: فوالله لأجيبن دعوة الطاهرة المظلومة ثم قدمه وقطع يديه ورجليه وأحرقه بالنار(5).

ومن الكرامات الحاصلة أيضاً بقاء جثث الشهداء ثلاثة أيام على رمضاء الغاضريه وقد صهرتها الشموس وسترتها أذيال الرياح حتى شاهدنها نسوة من بني أسد فرأين الدماء تشجب جراحاتهم كأنهم قتلوا في تلك الساعة فتداخل النساء من ذلك تمام العجب(6)، وكان من الألطاف الإلهية أن رأسه الشريف عندما أخذه خولي بن يزيد الأصبحي إلى قصر ابن زياد وجده مغلقاً فأتى به منزله ووضعه تحت إجَّانة ولما علمت زوجتيه بذلك وبَّختاه كثيراً، ولما خرجتا إلى الإجَّانة رأتا الأنوار مثل العامود تسطع من السماء على الإجَّانة وحوله طيور بيضاء ترفرف حوله(7)، وكان رأسه الشريف كما ذكر أكثر المؤرخين قد وضع في مكان بني فيما بعد مسجد أسموه "الحنَّانة" قيل إنما سمي ذلك لسماع حنين من الرأس الشريف وأنين إلى الصباح(8) ومما قاله زيد بن أرقم أنه مر عليّ به (أي الرأس) وهو على رمح وأنا في غرفة لي فلما حاذاني سمعته يقرأ "أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجباً" فقفّ واللَّه شعري، وناديت رأسك واللَّه يا ابن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وأمرك أعجب وأعجب(9) فلما فرغ القوم من التطواف به في الكوفة ردّوه إلى باب القصر، حتى أن ابن زياد قد دخله خوف كبير عندما وضع بين يديه.

أما الكرامات الحاصلة أثناء رحلة العذاب من الكوفة إلى الشام مروراً بكل المنازل التي حلّوا بها فإنها عديدة وكثيرة لذلك نختصر منها ما أمكن إذ بكته نساء الجن عندما نزلوا وادي النخلة(10) ولما أتوا إلى قريب دعوات نصبوا الرأس الشريف في الرحبة، وهي إلى اليوم لا يجتاز فيها أحد وتقضى حاجته إلى يوم القيامة(11)، ومنع أهل صليتا الماء عن السبايا دون غيرهم فهم إلى الآن في برية معطشة رغم حفرهم للآبار، أما في حلب كذلك فإن رحبة الدلاَّلين إلى اليوم لا تقضى فيها حاجة، وإن الجند وضعوا الرأس على صخرة فقطرت منه قطرة من دم نحره الشريف فصارت تنبع كل سنة في يوم عاشوراء والناس يجتمعون حولها في كل سنة وذلك في مكانين الأول عند جبل قريب من الموصل وأخر في مدينة حلب، حيث قام عبد الملك بن مروان بنقل الحجر الموجود في الموصل فلم يُرى له أثر، فيما الحجر الثاني بقي في حلب وبني فوقه قبة تعرف بمسجد "النقطة"(12).

وفي حلب أيضاً حدثت معجزة نقلها ياقوت الحموي في "معجم البلدان" بالقول "إن في حلب جبلاً اسمه جوشن وهو جبل مطلٌ على حلب في غربيِّها مقابر ومشاهد للشيعة وكان في ذلك الجبل معدن الصفر ومنه يعمل النحاس الأحمر، وفي قبلة الجبل مشهد يسمّى بمشهد السقط، لأنه لما عبروا بسبي الحسين ونسائه كانت زوجة للحسين حاملاً بولد اسمه محسن، وأسقطت هناك وطلب العيال من الصنَّاع في ذلك الجبل خبزاً وماءً وبعض الحوائج فشتموهم ومنعوهم فدعون عليهم ومن ذلك اليوم فقد ذلك المعدن، ومن عمل فيه لا يربح، فدفن السقط هناك وسمي بمشهد السقط(13) أما في قرون حماة وهما جبلان مطلاّن على حماة على قمة أحدهما مقام زين العابدين كان قد تعبّد ليلته هناك أثناء السبي وأترك الشاعر الشهير نوري باشا الكيلاني يصفه بالقول:
 

أعني الحسين وذاك موضع رأسه‏

وبتاج فخري من له ختم العبا

قسماً لحتى الآن مسك عابق‏

لما به قصدوا يزيد شقاها

ومقام زين العابدين الذي غدا

بمكانه فينا يؤجج آها

 

للعابدين مقام زين حلاها(14)


وفي حماة أيضاً مسجد يقال مسجد الحسين أو الحسنين وفيه حجرٌ منصوب في جدار كان مؤرباً فيه موضع عنق رأس أثرَّ فيه وكان عليه دم متجمّد(15)، ولما تحرك الموكب تجاه بعلبك فارين من حمص التجأوا ليلتهم إلى دير جرجيس الراهب، حيث اطَّلع على الصندوق الذي جعل فيه رأس الإمام عليه السلام لأنهم كانوا ينقلونه بالصندوق بين المدن حتى إذا وصلوا إلى الناس شهروه على رمح طويل، فأغرى الجند الأموي بالمال ثم تحادث مع الرأس مطولاً بما يجود به في نفسه لما رأى منه من كرامات محقّقة فكان أن جمع تلامذته وحكى لهم الحكاية وكانوا سبعين رجلاً فضجوا بالبكاء والعويل ورموا العمائم عن رؤوسهم وشقوا زياقهم وجاؤوا إلى سيدنا زين العابدين عليهم السلام وقد قطعوا الزنار وكسروا الناقوس واجتنبوا فعل اليهود والنصارى وأسلموا على يديه(16)، أما الجند الأموي فإنهم عندما جاؤوا ليقتسموا عشرة آلاف درهم التي أعطاها إياهم الراهب وجدوها قد تحولت إلى خزف ومكتوب عليها "وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون" فطرحوها في بردى وهو نهر(17) دمشق، وفي دمشق رمت عجوز رأس الحسين بحجر فأصابه وكانت على روشنة عالية، فإذا بها تتهدم على رؤوس أصحابها(18)، كما أن الأنوار التي تتعاهد أضرحة أهل البيت من السبايا لا تزال تتوالى حتى يومنا هذا وهي التي أرشدت سيف الدولة إلى قبر المحسن، ونقيب السادة إلى ضريح خولة الذي كان جسدها غضّاً طرياً، وإلى العقيلة زينب في داريا وغيرها من الكرامات المحقة التي أصبحت ملاذاً للمؤمنين في الدنيا والآخرة.


(1) ابن حجر العسقلاني "الصواعق المحرقة" ص‏192.
(2) المنتخب، ج‏1، ص‏143.
(3) الزنجاني "وسيلة الدارين"، ص‏327.
(4) أبو مخنف "مقتل الحسين"، ص‏177 و178.
(5) أبو مخنف "مقتل الحسين"، ص‏155 و156.
(6) المازندراني "معالي السبطين"، ص‏530.
(7) المرجع نفسه، ص‏557.
(8) المرجع نفسه، ص‏559.
(9) أبو مخنف "مقتل الحسين"، ص‏175.
(10) الدربندي "إكسير العبادات"، ج‏3، ص‏414.
(11) أبو مخنف "مقتل الحسين" ص‏183، 184.
(12) الزنجاني "معالي السبطين".
(13) ياقوت الحموي "معجم البلدان"، ج‏2، ص‏53.
(14) كامل شحادة "الترب ومقامات الزيارة في حماة"، مجلة الحوليات الأثرية السورية، مجلد 25، ص‏116.
(15) حسن القزويني "رياض الأحزان"، ص‏83.
(16) المازندراني "معالي السبطين"، ص‏603.
(17) الدربندي "إكسير العبادات"، ج‏3، ص‏454.
(18) أبو مخنف "مقتل الحسين"، ص‏197.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع