ايفا علوية ناصر الدين
سجّلت المجالس الحسينية على مدى السنوات الماضية انتشاراً
واسعاً ترافق مع التفاعل المتزايد والإقبال الملحوظ من قبل الجماهير المشاركة في
إحياء مراسم عاشوراء وإقامة مجالس عزاء الإمام الحسين عليه السلام. وقد شكّل هذا
الانتشار مثاراً للاهتمام في تطوير الخطاب الحسيني على جميع المستويات التي تتعلق
بالمضمون والتنظيم، لما لهذا الخطاب من أثر كبير في توجيه الناس وبث الوعي الفكري
والأخلاقي والجهادي في نفوسهم.
وبالإضافة إلى الانجازات التي تمّت في سبيل تحقيق
هذا الهدف، والسعي المتواصل لاستكمال تحقيق جميع الأهداف المنشودة، كان هناك تجربة
جديرة بالاهتمام شاركت في إقامتها جمعية كشافة الإمام المهدي عجل الله فرجه في
العام الفائت، وهي إحياء ذكرى عاشوراء عبر سلسلة من الأنشطة المميزة للأطفال
والناشئة بمختلف أعمارهم ومستوياتهم تحت شعار عاشوراء مدرسة الأجيال. وهذا المشروع
الذي تطلبت إقامته اعتماد أساليب ومحاور خاصة، كان له مجموعة من الأهداف
يلخّصها
المفوض العام لجمعية كشافة الإمام المهدي عجل الله فرجه الشيخ نزيه فياض:
-
إحياء واقعة الطف في نفوس الأطفال والناشئة.
-
توضيح وقائع ومبادئ وقيم وأهداف عاشوراء لهذه الفئة بطريقة مبسطة.
-
توطيد علاقة الأطفال بأهل البيت عليهم السلام.
-
ربط واقعنا بكربلاء وتعزيز العلاقة بالإمام المهدي عجل الله فرجه.
-
زيادة المعرفة الدينية والثقافة الإيمانية بشكل عام عند الأطفال والناشئة.
-
تربية الأجيال على مفاهيم التضحية والفداء والايثار والجهاد في سبيل اللَّه.
* الأنشطة والمظاهر العاشورائية:
وقد خضع هذا المشروع لسياسات مدروسة من ضمنها "اعتماد طرق التقديم الملائمة لفهم
وإدراك هذه الفئة، والأساليب المحببة لديهم من خلال صياغة المادة العاشورائية بما
يتناسب مع مستواهم والتركيز على سن بعض السنن الحسنة والمحمودة". وقد تضمنت محاور
المشروع الأنشطة والمظاهر العاشورائية التي جرى العمل من خلالها ومنها:
1 - المجالس الحسينية التي أقيمت على مدار الأيام الثلاثة عشر من شهر محرم الحرام،
وقد خاطب برنامجها الأطفال والناشئة من عمر (8 - 12) سنة مع السماح لجميع الأطفال
من عمر 6 8 سنوات بالحضور حيث أدرجت لهم نشاطات خاصة بهم ونشاطات خاصة بالفتية من
عمر 12 سنة وما فوق. وقد تضمن برنامج المجالس بالإضافة إلى قراءة القرآن ومجالس
العزاء التي تعتمد البساطة وعدم الإطالة في أشعارها، واللطمة الحسينية، ودعاء
الحجة، قصصاً عاشورائية تحكي أحداث واقعة كربلاء في حلقات متسلسلة، بأسلوب حواري
يتم استخراج قيمة أخلاقية منها، ويحث الأطفال على تطبيقها، وكذلك مسابقات يومية
تحتوي أسئلة حول كربلاء وعاشوراء، والمعارف الدينية بشكل عام، بالإضافة إلى الثقافة
العامة مع توزيع الجوائز والحلوى. وقد بلغ عدد المجالس في مفوضيات الجمعية: جبل
عامل، البقاع، بيروت، الشمال وجبل لبنان 2889 مجلساً.
2 - مسيرة النصرة (تحت شعار لبيك يا حسين) وتمثل هذه المسيرة استجابة من الأطفال
والناشئة لنداء الإمام الحسين عليه السلام يوم العاشر من محرم (هل من ناصر ينصرنا)
ووفاء وولاء له وقد نُظمت 253 مسيرة موزعة على جميع المناطق والقطاعات.
3 - المسرحية العاشورائية التي تقرّب واقعة كربلاء إلى أذهان الأطفال والناشئة
وترسخها في نفوسهم باعتبارها تراعي مستوى إدراكهم وفهمهم وقد تم عرض مسرحية "واقعة
الطف" و"آه يا حسين".
4 - مائدة الحسين التي يتم ربطها بذكرى عاشوراء بجعلها عن أرواح الإمام الحسين عليه
السلام وأهل بيته وأصحابه. وترافق هذه الأنشطة المظاهر العاشورائية من مظاهر الحزن
وارتداء اللباس الأسود ورفع اليافطات والأعلام السوداء، والابتعاد عن مجالس الفرح
تأسياً بالأئمة عليهم السلام والبكاء والتباكي على مصاب الإمام الحسين عليه السلام
وأهل بيته.
* المؤتمر العاشورائي: مجالس الأطفال
نظراً لأهمية مجالس الأطفال، وتأكيداً على ضرورة الاستمرار بإقامة هذه المجالس، مع
الاهتمام بتطويرها، عُقد بدعوة من معهد سيد الشهداء للتبليغ والمنبر الحسيني،
المؤتمر الثقافي العاشورائي التخصصي تحت عنوان "مجالس الأطفال والناشئة" وذلك بحضور
حشد من الشخصيات العلمائية والثقافية والباحثين والمختصين. وقد أكدّ المشاركون فيه
على "أن مجالس عاشوراء للأطفال والناشئة فكرة جيدة وضرورية لإشعارهم بأنهم معنيون،
ولما لها من تأثير على أفكارهم وسلوكهم". وتحدث مدير معهد سيد الشهداء السيد علي
حجازي عن الهدف الذي لأجله عُقد هذا المؤتمر وهو "رسم الهيكلية الخاصة لمجالس
الأطفال والناشئة، بما يرفع ثقافة الطفل إلى مستوى الثقافة العليا بما تؤمنه
عاشوراء". وبالنسبة إلى الأمور التي يمكن اعتبارها مؤثرة في تحقيق أهداف مجالس عزاء
الأطفال، فقد ركز سماحة الشيخ نعيم قاسم على: "التوازن في أسلوب العرض، التركيز
على السرد القصصي، إيصال المستمع إلى العبرة في كل مجلس، تحديد الأفكار المراد
إيصالها للمستمع، ملازمة استدرار الدمع لكل مجلس، كشف المعالم التفصيلية في
الشخصيات القدوة".
وفي خصوص المادة التي يراد تقديمها للأطفال، اعتبر الدكتور
عبد المجيد زراقط أستاذ الأدب العربي، أنه يمكن تقديم الحدث التاريخي والأدب القصصي
في نفس الوقت، شرط معرفة طبيعة كل منهما وخصائصه، وشروط كتابته، أما الكاتب فيجب أن
يمتلك "معرفة تربوية نفسية اجتماعية بالمتلقي مع التأكيد على البحث عن أصحاب
المواهب الحقيقية وأتاحة الفرصة لها للكتابة". وتحدثت الدكتورة إيمان بقاعي
الأخصائية في أدب الأطفال حول الشكل الفني لقصة الأطفال في عاشوراء ودعت إلى انتقاء
موضوعات مناسبة للطفل وأكدت على أن يربط الكاتب الأحداث "بشكل متسلسل يحقق
الجاذبية" أما الأسلوب "فمن الضروري أن يكون سهلاً معتدلاً" وأن يكون الخيال
"إيجابياً لا يحول بين الطفل وواقعه المعاش".
وأشار الشيخ علي سليم إلى أن ذهنية الطفل بدءاً من السنة الثالثة تصبح قابلة
لتلقينه بعض المعلومات، فيمر بست مراتب تتفاوت فيها مستويات النمو العقلي، وكل
مرتبة تحتاج إلى أسلوب خاص، واعتبر أن الخطيب ينبغي أن يتمتع "بصوت حزين ومعرفة
دقيقة بأحوال الأطفال ولغة سهلة ودراية بأساليب التربية والتعليم والتأديب
والتفهيم. وتعرضت الكاتبة أمل طنانة لبعض القيم التي يُراد إيصالها من واقعة
عاشوراء "كالإيمان بالعدل الإلهي، تقدير قيمة الشهادة، الصدق، إذكاء روح رفض الظلم،
تقوية القدرات اللغوية، ربط الماضي والحاضر عند الصغار وشحن الخيال بالصور لأنه
مصدر الإبداع".
وخلص الشيخ فضل مخدر إلى أنه لم يعثر على دراسة أو تجربة في موضوع
الشعر العاشورائي عند الأطفال معتبراً أن أهميته "تنبع من أهمية تأثيره في الطفل
وهذا ما يستدعي العمل الجاد على إيجاد مدرسة شعرية تعنى بالشعر الإسلامي بشكل عام
وبالأطفال وعاشوراء بشكل خاص" وأشار إلى بعض خصائص الشعر الطفولي وتأثيراته. وتناول
السيد حسين حجازي في ورقته البحثية الكلام حول أطفال كربلاء، دراسة توثيقية وخلص في
الدراسة إلى أن عدد الأطفال في كربلاء بلغ 22 طفلاً وروى بعض الحوادث النموذجية
المفعمة بالقيم والمعاني والعبر والمفاهيم الرسالية التي قدمها هؤلاء الأطفال.
* التوصيات:
نتج عن هذا المؤتمر جملة من التوصيات والمقترحات التي ذكرها مسؤول الوحدة الثقافية
الشيخ أكرم بركات في البيان الختامي للمؤتمر وهي:
أولاً: إعداد متون خاصة بمجالس العزاء الحسيني
للأطفال والناشئة تراعي على مستوى المضمون قواعد التحقيق بما يتلاءم مع استيعاب سن
الطفولة، وعلى مستوى الشكل الفني تراعي البناء والحبكة بإحكام يحقق الجاذبية
للقارىء والسامع وعلى مستوى الأسلوب يراعى السهولة باعتدال.
ثانياً: تحديد القيم التي يراد إكسابها للطفل
والناشىء من خلال مجالس العزاء.
ثالثاً: تفعيل كتابة الشعر الحسيني الخاص
بالأطفال والناشئة عبر تشجيع الشعراء على ذلك من خلال عقد منتديات شعرية خاصة.
وإطلاق مسابقات بأفضل قصيدة حول الشعر الحسيني الخاص بالأطفال وقد أطلقنا مسابقة
شعرية لأفضل قصيدة حسينية موجهة للأطفال والناشئة على أن لا تقل عن عشرين بيتاً
بجائزة مقدارها مليون ليرة للفائز الأول ونصف مليون ليرة للفائز الثاني.
رابعاً: إعداد خطباء حسينيين (أي قراء عزاء)
يتقنون المناسب مضموناً وأسلوباً للعزاء الخاص بالأطفال. والعمل كذلك على إعداد
قراء عزاء من الناشئة للهدف نفسه.
خامساً: إعداد كتاب توثيقي لأطفال كربلاء
يساعد على تقديم الطفل الكربلائي كمثل أعلى ونموذج يحتذي به لأطفالنا وناشئتنا.
سادساً: إعداد كتاب يحتوي على مجموعة من العبر
المتضمنة لقيم الإنسان لا سيما الطفولة في كربلاء لترسم قيم الحاضر والمستقبل
لأطفالنا وناشئتنا، وهذا يساعد في تركيب مجلس العزاء الحسيني الخاص بهم ويساعد في
تحقيق الأهداف المرجوة.
سابعاً: دراسة الطريقة الأمثل لتنظيم مجالس
الأطفال والناشئة، مستفيدين من التجارب الهامة في كشافة الإمام المهدي عجل الله
فرجه ومدارس الإمام المهدي عجل الله فرجه التابعة لمؤسسة التربية والتعليم وكذلك
باقي التجارب في هذا المضمار.
ثامناً: دراسة أساليب أخرى إضافة إلى المجلس
الحسيني المتعارف كالمسرح وغيره لتساهم في تقديم قيم كربلاء للأطفال والناشئة
بالأسلوب المناسب مع الحفاظ على قدسية المضمون.