مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

شعراء الحسين‏ عليه السلام


السيد محمد قدسي‏


الشعر هو النافذة المطلّة على الدمعة والإبتسامة، تبحر على أجنحة الحرف، تمخر عباب الخيال لتستقر سحراً وشوقاً وندى يُزيِّن وجود القضية، ويوصلها إلى كل قلب بلا استئذان.


* مكانة الشعر
الشعر هو وسيلة تعبير عن مشاعر الناس والتجسيد لأفكارهم. ولقد اهتمَّ العرب به اهتماماً بالغاً، جاء في كتاب العمدة عن ابن رشيق "كانت القبيلة من العرب إذا نبغ فيها شاعر، أتتها القبائل فهنأتها، ووضعت الأطعمة واجتمعت النساء يلعبن بالمزاهر...". وجاء في طبقات الشعر، عن ابن سلام "وكان الشعر في الجاهلية عند العرب ديوان علمهم ومنتهى حكمِهم، به يأخذون وإليه يصيرون". وكانوا إذا تقاعس الناس عن القتال ندبوا إليهم شاعراً يلقي فيهم الحماس فيسيرون إلى المعركة إنَّ أهمية الشعر نابعة من شدَّة تأثيره على النفوس والمجتمعات.

* الإسلام والشعر
أخرج في الدر المنثور عن النبي صلى الله عليه وآله "إنَّ من الشعر حكماً وإنَّ من البيان سحراً"(1) ونقل بلفظ (لحكمةً). وكان صلى الله عليه وآله يقول لحسان بن ثابت "اهج المشركين فإنَّ جبرائيل معك" ومن خلال ما تقدم وغيره الكثير يتبين أنَّ الإسلام أولى الشعر والشعراء أهمية كبرى وجعل لهم وله شأناً خاصاً. وظل الشعراء في صدر الإسلام يطرقون فنون الشعر العربي من حكمة ورثاء وهجاء وغزل وغيرها، لكنه تطور بظهور نور الإسلام وقيمه السامية لأنَّ الشعر والشاعر ابن بيئته، يعبِّر عنها ويحاكيها.

* الشعر العاشورائي‏

لقد شجَّع أهل بيت النبوَّة عليهم السلام على نظم الشعر فيهم وفي قضية عاشوراء والحسين عليه السلام خاصة، لما للشعر من أثر تخليدي وإحيائي لهذه القضية. ولذلك ورد عنهم "من قال فينا بيتاً من الشعر بنى اللَّه له بيتاً في الجنة". وكان الأئمة عليه السلام يحثون ويرغّبون على قول الشعر في الحسين عليه السلام فقد ورد أن الإمام علي ابن موسى الرضا عليه السلام عندما طلب من الشاعر دعبل الخزاعي أن يقرأ عليه مرثيته في سيد الشهداء عليه السلام ضرب حجاباً في الغرفة دعا النساء ليستمعن. وكانوا عليهم السلام يجمعون الشعراء من أصحابهم في العاشر من محرم في كل عام، ويطلبون منهم قراءة أشعارهم بالسبط الشهيد عليه السلام. وفي هذا الدعاء دلالة كافية على تقدير الإمام عليه السلام لهذا العمل. ولقد نشأ الشعر العاشورائي المجسِّد لهذه الملحمة الإلهية في يوم وقوعها، حيث أنشد الإمام عليه السلام نفسه شعراً وكذلك الشهداء الآخرون حين بروزهم إلى الميدان. وفي الحقيقة نحن نعترف بأننا لا يمكننا إحصاء كل مصنفات الشعر الحسيني منذ استشهاد الإمام عليه السلام في محرم سنة (61) للهجرة حتى يومنا هذا. فإنَّ ما أتلف على يدِ أعداء قضية الحسين عليه السلام من الأمويين والعباسيين، وما خربه التتار في المكتبة الإسلامية كثير ولا نعرف له حجماً.

* شعراء الحسين عليه السلام

ونحن سنورد نزراً من شعر سيد الشهداء عليه السلام وشعرائه الذين حفظوا معالم هذه الواقعة في قالب من النغم الموسيقي والكلمة المتزنة وأوصلوا قيم الإمام عليه السلام بمدادهم إلينا ومن هؤلاء الشعراء بدءاً من القرن الهجري الأول: أبو الأسود الدؤلي عوف الأزدي المغيرة بن نوفل الكميت الأسدي السيد الحميري خالد بن معدان الطائي دعبل الخزاعي علي بن أصدق الحائري أبو فراس الحمداني الصاحب بن عبَّاد الشريف الرضي الشريف المرتضى أبو العلاء المعري السيد جواد مرتضى السيد حيدر الحلي السيد مهدي الطالقاني السيد علي الحلي الشيخ مرتضى كاشف الغطاء السيد حسن بحر العلوم السيد خضر القزويني السيد جواد القزويني الشيخ أحمد البلادي السيد أحمد الهندي السيد عباس شبر وغيرهم الآلاف من المجيدين الذين يحتاج إحصاء قصائدهم إلى مئات المجلدات. فإنَّ شاعراً واحداً هو الشيخ أحمد البلادي من شعراء القرن الثاني عشر الهجري نظم ألف قصيدة في رثاء السبط عليه السلام ودوَّنها في مجلدين كبيرين، مضافاً إلى عشرات المصنَّفات والدواوين، وسوف نقف عند بعض هؤلاء الشعراء ونستعرض شيئاً من شعرهم منهم:

1 - أبو الأسود الدؤلي ظالم بن عمرو
، توفي عام 69هـ. وهو ممن أسلم في عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وكان علوياً، وهو من الفقهاء والشعراء والمحدثين والفرسان والنحويين. ومن شعره في الإمام عليه السلام:

يا ناعي الدين الذي ينعى التقى‏

قم فانعه والبيت ذا الأستار

أبني علي آل بيت محمد

بالطف تقتلهم جفاة نزار


2 - الكميت: أبو المستهل الكميت بن زيد الأسدي، توفي عام 126هـ. وقد قيل فيه بأنه أشهر الأولين والآخرين وله الكثير من القصائد في مدح أهل بيت النبوة عليهم السلام. ويقول راثياً سيد الشهداء عليه السلام:

قتيلٌ بجنبِ الطف من آل هاشم‏

فيا لكَ لحماً ليس عنه مذبَّب

ومتعفر الخدين مِنْ آل هاشم‏

ألا حبَّذا ذاكَ الحبينَ المشرَّب‏


3 - السيد الحميري:
هو إسماعيل بن محمد المتوفى سنة 173هـ. ذكر في تذكرة ابن المعتز أنه كان للسيد أربع بنات كل واحدةٍ منهن تحفظ أربعمائة قصيدة من قصائده. وقد نظم الكثير منها في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام ورثاء أبي عبد اللَّه الحسين عليه السلام، ومن ذلك قوله:

أُمرر على جَدَثِ الحسين‏

وقل لأعظمه الزكية

ما لذَّ عيشٌ بعد رضك‏

بالجيادِ الأعوجيه‏

قبر تضمنِ طيّباً

آباؤه خيرِ البرية

فإذا مررتَ بقبره‏

فأطلْ به وقفَ المطيَّة

وابكِ المطهَّر للمطهِّر

والمطهَّرة الزكية

كبكاءِ مُعْولة غدتْ‏

يوماً بواحدها المنيَّة


4 - دعبل بن علي الخزاعي
، شاعر مفلَّق، مخلص في ولائه لأهل البيت عليه السلام، مكثر من نظم الشعر برغم ضياع قسم كبير من شعره. ومن أروع شعره تائيته التي يخاطب فيها الصديقة الزهراء عليها السلام بقوله:

أفاطم لو خلت الحسين مجدلاً

وقد مات عطشاناً بشط فرات‏

إذاً للطمت الخدَّ فاطم عنده‏

وأجريت دمع العين في الوجنات‏


وقوله في سيد الشهداء عليه السلام:

 فلقد بكته في السماء ملائك‏

زهر كرام راكعون وسُجَّد


إلى أن يقول:

أنسيت إذ صارت إليه كتائب‏

فيها ابن سعد والطغاة الجحَّد

لم يحفظوا حق النبي محمد

إذ جرَّعوه حرارة ما تبرد

قتلوا الحسين فأثكلوه بسبطه‏

فالثكل من بعد الحسين مبرَّد

كيف القرار وفي السبايا زينب‏

تدعو بفرط حرارة: يا أحمد

هذا حسين بالسيوف مبضَّع‏

متلطخ بدمائه مستشهد

عارٍ بلا ثوب صريع في الثرى‏

بين الحوافر والسنابك يقصد


5 - الشريف الرضي أبو الحسن محمد بن الطاهر ذي المنقبتين.
نظم الشعر في سنِّ الطفولة فأجاد وحلَّق وأكثر في رثاء جده الحسين عليه السلام ومنها قصيدته المشهورة:

كربلا لا زلت كرباً وبلا

ما لقي عندك آل المصطفى‏

كم على تربك لمَّا صُرِّعوا

من دم سال ومن دمع جرى‏

لم يذوقوا الماء حتى اجتمعوا

بحذى السيف على ورد الردى‏

يا رسول اللَّه لو عاينتهم‏

وهم ما بين قتل وسبا

لرأت عيناك منهم منظراً

للحشا شجوا وللعين قذى‏


ويقول فيها مخاطباً جدَّه الشهيد عليه السلام وهو بالحائر الحسيني الشريف:

يا صريعاً قوَّض الدهر به‏

عمد الدين وأعلام الهدى‏

قتلوه بعد علم منهم

أنه خامس أصحاب الكسا


6 - الشريف المرتضى:
ذو المجدين علي بن الحسين مفخرة العصور ومعجزة الدهور، إمام الفقه، ومؤسس أصوله وأستاذ الكلام ونابغة الشعر، يلقب بعلم الهدى والأجل الطاهر، ولقب بعلم الهدى تبعاً لتلقيب أمير المؤمنين عليه السلام له بذلك. وهو من أعلام القرن الرابع الهجري. وقد أكثر في رثاء جده الحسين عليه السلام ومما قاله من روائعه:

ألا إنَّ يوم الطف أدمى محاجراً

وأدوى قلوباً ما لهن دواء


ومن قصيدة أخرى يقول:

أيا يوم عاشوراء كم من فجيعة

على الغرّ آل اللَّه كنت نزولا

دخلت على أبياتهم بمصابهم‏

ألا بئسما ذاك الدخول دخولا

يذادون عن ماء الفرات وقد سقوا

الشهادة من ماء الفرات بديلا

رموا بالردى من حيث لا يحذرونه‏

وغروا وكم غرَّ الغفول غفولا


ويقول في الإمام عليه السلام:

 قتيلاً وجدنا بعده دين أحمد

فقيداً وعز المسلمين قتيلا


7 - السيد حيدر الحلي:
من أعلام القرن الثاني عشر الهجري، وهو غنيٌّ عن التعريف، فشعره ملأ الخافقن في رثاء جده سيد الشهداء عليه السلام وحاز قصب السبق في هذا المجال. يميّز رثاءه للسبط الشهيد عليه السلام أنه ينظمه بنفس الموتور، الذي اقضَّت الرزية مضجعه حتى أدخل على فن الرثاء أسلوباً بديعاً مبتكراً لم يسبقه أحد عليه. استمع إليه.. حين يقول:

عجباً للعيون لم تفد بيضاً

لمصاب تحمرُّ فيه الدموع‏

وأسى شابت النفوس شعاعا

وهو للحشر في القلوب رضيع‏

فأبى أن يعيش إلا عزيزاً

أو تجلى الكفاح وهو صريع‏

فتلقى الجموع فرداً ولكن‏

كل عضو في الروع منه جموع‏


وقال يرثي سيد الشهداء عليه السلام ويستنهض الحجَّة صاحب الزمان عليه السلام:

اللَّه يا حامي الشريعة

أتقر وهي كذا مروعة

بك تستغيث وقلبها

لك عن جوى يشكو صدوعه‏

فانهض فما أبقى التصبُّر

غير أحشاء جزوعة

ماذا يهيجك إن صبرت‏

لوقعة الطف الفجيعة

أترى تجيى‏ء فاجعة

بأمض من تلك الفجيعة

حيث الحسين على الثرى‏

خيل العدى طحنت ضلوعه‏

قتلته آل أميَّة

ظامٍ إلى جنب الشريعة

ورضيعه بدم الوريد

مخضَّب فاطلب رضيعه‏


ومن روائع ما استنهض به صاحب الأمر عجل الله فرجه لأخذ ثأر جده الحسين عليه السلام:

من حامل لولي الأمر مأكلةً

تُطوى على نفثاتٍ كلها ضرمُ‏

يا ابن الألى يُقعدون الموت إن نهضت‏

بهم لدى الروع في وجه الضبا الهممُ‏

ما خلتُ تقعدُ حتى تُستثارُ لهمُ‏

وأنتَ أنت وهم فما جنوه همُ‏

لم تُبْقِ أسيافهم منكم على ابن تقى

فكيفَ تبقى عليهم لا أبا لهمُ‏

فلا وصفحكَ إن القوم ما صفحوا

ولا وحلمك إنَّ القوم ما حلموا

فحمل أمك قدْماً أسقطوا حَنَقاً

وطفلَ جدك في سهم الردى فطموا


8 - الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء،
من بيئة طافحة بالعلم والعلماء، وهو أديب وشاعر مجيد. توفي سنة 1373 هجرية من شعره العاشورائي:

رزاياكم يا آلَ بيتِ محمد

أغصَّ لذكراهنَّ بالمنهلِ العذبِ‏

عمى لعيونٍ لا تفيضِ دموعها

عليكم وقد فاضت دماكم على الترب‏

أأنساكم هُوْيَ القلوبِ على ظمىً

تُذادون ذودَ الخمس عن سايغ الشرب‏

أأنسى بأطراف الرماحِ رؤوسكم‏

تطلّع كالاقمار في النجم الاشهب؟!

أأنسى دماءً قد سفكن وأدمعاً

سَكِنْنَ وأحراراً هُتْكِنَ من الحجب‏

أأنسى بيوتاً قد نُهيْنَ ونسوةً

سُلِبْنَ وأكباداً أذينَ من الرعب‏


هذا وإن هناك المئات من الشعراء المجيدين الذين أبدعوا في رثاء سيد الشهداء عليه السلام لم يتسع المجال إلا لذكر من تقدم منهم.


(1) الميزان في تفسير القرآن، ج‏15، البحار، ج‏79، ص‏290.
أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع