نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

النساء جهاد خلف المعركة



الشيخ ياسين عيسى‏


* التكليف كرامة إلهية شاملة للرجل والمرأة:
الإنسان الذي حُمِّل الأمانة الربانية ليقوم باختياره بالوظيفة الإلهية التي أوكلت إليه وهي: (عبادة اللَّه والدعوة إلى اللَّه) وهذه الوظيفة يستوي فيها كل من الرجل والمرأة على حد سواء وإن اختلفت الوظائف وتنوعت. وكلٌّ من الرجل والمرأة معنيٌ بقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (الإسراء: 7). وكلاهما مشروع كمال في هذه الحياة الدنيا. وكلاهما مطلوب منه صنع دار القرار في جنة الخلد. وكلاهما سوف يُسأل عن أداء وظيفته بين يدي اللَّه سبحانه.

* التكاليف تستوعب كل جوانب الحياة:
إن الإنسان في هذه الدنيا له تقلباته وأعماله وشؤونه، ولكل عمل حكمه الشرعي سواء كان من الأعمال البسيطة كالنظر أو كان من الأعمال الخطيرة كالجهاد. وأفضل الأعمال هي التي كانت وجهتها رضى اللَّه سبحانه وتعالى. قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (المائدة: 27). قال تعالى: ﴿لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ (النساء: 95).

التكليف يعني القيام بالوظيفة:
إن اللَّه تعالى خلق الناس درجات، لأن هذا هو المناسب لاختبارهم وامتحانهم، ولو شاء لجعل الناس نسخة واحدة متطابقة، ولو شاء لرفع الاختيار وقهرنا على عبادته كما هو كذلك بالنسبة لملائكته. إلا أن اللَّه شاء وقدَّر أن نكون كبشر، في دائرة الاختبار والامتحان، وسوف يُسأل كلٌ منا رجالاً ونساءً عن وظيفته وعن تكليفه في الموقع الذي هو فيه، فسوف يسأل الغني عن ماله فيما أنفقه، والفقير سوف يسأل عن صبره وقناعته. وسوف يُسأل من أُعطي حظاً من المسؤولية عن ولايته وتصرفاته، كما سوف يُسأل المُوَلَّى عليه عن سياسته اتجاه من هو فوقه وهكذا... وعلى كل حال سوف نُسأل جميعاً عن وظائفنا التي هي سبب سعادة الأبد ولا نُسأل عن نتائج الوظيفة، فمثلاً إن المجاهد في سبيل اللَّه سوف يُسأل عن وظيفة الجهاد التي هي إحدى الحسنيين، النصر أو الشهادة، ولا يُسأل عن نتيجة الوظيفة، فإن النتائج سوف تتحقق قهراً، سلباً أو ايجاباً، فمسؤولية المقاتل مثلاً أن يقاتل في سبيل اللَّه ويُحسن أداء الوظيفة بكل أبعادها الروحية والسلوكية سواء هُزم أو انتصر.

* كربلاء كانت الوظيفة الشرعية:
بعد وفاة رسول اللَّه صلى الله عليه وآله تتابعت أحداث بقيت في ذمة الدهر والتاريخ، وأوصلت الأمور إلى مأساة كربلاء ولكن لا مناص، فإن الظروف وكل المعطيات سلبت من إمامنا الحسين عليه السلام أيَّ خيار سوى المواجهة للتيار الأموي الذي خلَّفه معاوية بيد ابنه يزيد عليه اللعنة، وقد صرّح إمامنا الحسين عليه السلام بهذا التكليف والذي لا خيار فيه، فقال: "أمرني رسول اللَّه صلى الله عليه وآله بأمر أنا ماضٍ له". "وخيِّر لي مصرع أنا لاقيه... لا محيص عن يوم خط بالقلم، رضى اللَّه رضانا أهل البيت، نصبر على بلائه ويوفينا أجور الصابرين". "من كان فينا باذلاً مهجته، موطناً على لقاء اللَّه نفسه فليرحل معنا فإني راحل مصبحاً إن شاء اللَّه"... "أتاني رسول اللَّه صلى الله عليه وآله... فقال: يا حسين أخرج فإن اللَّه شاء أن يراك قتيلاً". وعن حمل العيال معه قال عليه السلام: "إن اللَّه شاء أن يراهن سبايا" (راجع مثير الأحزان ص‏31، 32).

فكان لا بد من الشهادة الحسينية والسبي .... لأن الإسلام تهدَّد بالخطر، وأصبح السائس الأول له والجالس على رأس هرمه لا يمتُّ للإسلام بأي صلة، بل أعلن الكفر الصريح قولاً وعملاً، وإذا بُليت الأمة براعٍ مثل يزيد فعلى الإسلام السلام إذا لم يتحرك الحسين عليه السلام وإذا لم ينتفض ابن بنت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله. فكان لا بُدَّ من أن تعبق كربلاء بعطر الشهادة، وتتلون الأرض بالدم القاني الطاهر وتعلو من التلّ الزينبي صرخات (حبيبي يا حسين...) ويكون ذلك دواءً للقلوب التي نامت وغفت على الشهوات، وفي نفس الوقت يكون قد أحرق وهجُ كربلاء القناع الأموي المشوَّه الذي ألبسوه للإسلام، وحتى يتسنى لمن يرفع لواء الحرية أن ينطلق من جديد.

* المرأة في كربلاء:
صحيح أن المرأة قد أُعطيت من الوظائف ما يناسب وضعها، ولكن لم تحرم من ثواب ما خصِّص للرجل من وظائف، هكذا وعدها الإسلام ما دامت مواكبة للمشروع الإسلامي ومنطلقة من مبادئه، فقد أسقط عنها الإسلام الجهاد المسلح الإبتدائي، والتواجد في الخط الأول الجهادي، ولكن لم يحرمها من الجهاد الدفاعي عن النفس، وعن الإسلام والعدالة، وفي نفس الوقت يعطيها ثواب المقاتلين في سبيل اللَّه ما دامت مشاركة في مشروع الجهاد، ولو من وراء الرجل، ومن خلف المعركة. ويمكن القول: إن المرأة في عمق مشروع الجهاد والشهادة، لأنها موكلة بتربية الجيل المقاتل، وبمواقفها الحقة تثبِّت أقدام المقاتل:

وتتلخص وظيفة المرأة في كربلاء في نقطتين:
1 - أنها شاركت في صنع القرار لدى رَجُلِها وثبّتت عقيدته في قلبه ولم تكن المرأة الكوفية، التي فرَّغت قلب الرجل عن نصرة مسلم بن عقيل وأوهنت عزائمه وزلزلت أقدامه، مثل زوجة زهير بن القين حيث حثته على لقاء الحسين عليه السلام والذهاب معه. المرأة الكربلائية أنست المقاتل همَّ نفسها، وهمَّ ولدها، وصَرَفت وجهه تلقاء الحسين عليه السلام ولي اللَّه وقطب الرحى بالإضافة إلى تدبير وضع الأكل والشرب والتمريض، ولا ننسى أن ممرضة الإمام زين العابدين عليه السلام كانت سيدتنا زينب عليه السلام (راجع مثير الأحزان ص‏59).

2 - أنها أكملت مشروع كربلاء الذي هو مشروع الإسلام استمراراً. فإذا ما كانت كربلاء هي التي أعادت للإسلام اعتباره، حتى قيل أن الإسلام محمدي الحدوث حسيني البقاء، فإن كربلاء وصلت للهدف بجهاد سيدتنا زينب "عليها السلام"، وموكب السبي الزينبي، لأن الظروف آنذاك لم تسمح إلا لصوت زينب أن يخترق آذان الطغاة في وظيفة استثنائية، بعدما قرَّر بنو أمية أن يجتثوا كل أثر لرجالات محمد صلى الله عليه وآله. وكانت عليها السلام بموقفها وكلماتها، مكملة لموقف الزهراء عليها السلام وكلماتها، أمام السلطة الحاكمة آنذاك، والجامع بينهما هو الدفاع عن الإسلام والإمامة العادلة. ويمكن القول: أنه لولا الموكب الزينبي لم تكتمل أهداف كربلاء الحسين عليه السلام بالشهادة. وكما كان التكليف للحسين عليه السلام هو الشهادة، كان التكليف للسيدة زينب هو الصبر على السبي، وكل هذا يهون من أجل إسلامنا العزيز الذي هو أعزُّ شي‏ء على قلوب الأنبياء والأولياء.

* مفارقة بين موقف رجل وموقف امرأة في هجرة كربلاء:
* أما المرأة فهي ديلم بنت عمرو تقول لزوجها زهير بن القين: سبحان اللَّه أيبعث إليك الحسين بن رسول اللَّه ثم لا تأتيه؟! لو أتيته فسمعت كلامه؟... عندما رجع زهير بن القين وقال لها: قد عزمتُ على صحبة هذا الرجل لأفديه بروحي وأقيه بنفسي. قالت له: خار اللَّه لك، أسألك أن تذكرني في القيامة عند جدّ الحسين (مثير الأحزان ص‏29).

* وأما الرجل فهو عبد اللَّه بن الحر الجعفي:
قال عندما أتاه رسول الحسين عليه السلام: إنا للَّه وإنا إليه راجعون واللَّه ما خرجت من الكوفة إلا كراهية أن يدخلها الحسين وأنا فيها واللَّه لا أريد أن أراه ولا يراني. (مثير الأحزان ص‏42).

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع