الشيخ محمد حمادي
مما لا شك فيه أنّ الحديث عن نهضة الإمام الحسين عليه
السلام وثورة كربلاء من الموضوعات التي تختزن الكثير من الجوانب والدلالات رغم
الأيام القليلة التي شهدتها تلك الواقعة، ومن المؤكد أنه لا يمكن للباحث أن يتناول
بكلماته كل تلك الأبعاد التي لها علاقة بثورة الإمام عليه السلام، وخاصة في مثل هذه
العجالة؛ ولذلك سنحاول أن نتناول في موضوعنا هذا مشهداً لافتاً في أحداث كربلاء،
ونحصر المعالجة فيه، ألا وهو وجود العنصر الشبابي بين يدي الإمام عليه السلام، وما
قُدّم من خلاله من تضحيات؛ حيث نقف أمام جملة من التساؤلات التي لا بد من الإجابة
عليها، وفي استعراضٍ إجمالي وسريع لبعض النماذج الشبابية التي قدّمت النصرة للإمام،
ووفقت للشهادة بين يديه.
نرى بأنّ هناك العديد من الأسماء والشخصيات التي لا يمكن أن
نستوعب الحديث عنها هنا؛ ولكن يمكن لنا أن نقف مع بعض النماذج التي شكّلت عنواناً
لحضور الشباب في ساحة كربلاء، فها هو علي الأكبر رضي الل عنه الذي أجمع المؤرخون
على أنه كان يضارع جده الرسول صلى الله عليه وآله في خلقه، وأخلاقه، وهو الذي قال
فيه الإمام الحسين عليه السلام عند خروجه للمبارزة:
(اللهم اشهد على هؤلاء القوم
فقد برز إليهم غلام أشبه الناس برسولك محمد صلى الله عليه وآله خلقاً وخُلقاً
ومنطقاً، وكنا إذا اشتقنا إلى رؤية نبيك نظرنا إليه...). وكان له من العمر أقل من
ثلاثين سنة على اختلاف ما ورد، فقد ورد أنه في الثمانية عشر(1) من عمره، وقيل كان
في الثلاث والعشرين(2) من عمره، وقيل في السابعة والعشرين(3) من عمره. وها هو وهب
بن عبد اللَّه بن(4) جناب الكلبي الذي بالغ في الجهاد، وكانت معه زوجته وأمّه التي
لم ترضى حتى قتل بين يدي الإمام عليه السلام؛ حيث قدّم أروع صور التفاني والفداء في
سبيل قضية بذل ابن بنت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله نفسه، وضحّى بعياله وأصحابه
من أجلها. وها هو عمرو بن جنادة بن الحارث الأنصاري، الذي استشهد أبوه في المعركة،
فأمرته أمّه أن يتقدّم، ويقاتل؛ وكره الإمام الحسين عليه السلام له ذلك قائلاً: "هذا
شابٌ قتل أبوه، ولعلّ أمه تكره خروجه، فقال الشاب: أمي أمرتني..."(5). وها هو عبد
اللَّه بن يزيد بن ثبيط العبدي البصري وأخوه عبيد اللَّه اللذين رافقا أبيهما،
والتحقا بركب الإمام الحسين عليه السلام حيث استشهدا بين يدي الإمام عليه السلام في
الحملة الأولى، فيما استشهد أبوهما مبارزةً(6).
وها هو عبد الرحمن بن عروة بن حرّاق الغفاري، وأخوه عبد اللَّه حيث كان هذان
الغفاريان من أشراف مكة وشجعانها، وذوي الموالاة، وكان جدهما حرّاق من أصحاب أمير
المؤمنين عليه السلام وممن حارب معه عليه السلام في حروبه الثلاث (الجمل والنهروان،
وصفين)، وفي رواية أبي محنف: فجاءه (أي الإمام الحسين عليه السلام) عبد اللَّه وعبد
الرحمن ابنا عروة الغفاريان فقالا: يا أبا عبد اللَّه السلام عليك، حازنا العدو
إليك فأحببنا أن نقتل بين يديك، نمنعك وندفع عنك، فقال: "مرحباً بكما، ادنوا منّي"،
فدنوا منه وجعلا يقاتلان قريباً منه وإن أحدهما ليرتجز ويتم له الآخر فيقولان:
وخندف بعد بني نزار |
قد علمت حقاً بنو غفار |
بكل غضب صارم بتّار |
لنضربنّ معشر الفجّار |
بالمشرفيّ والقنا الخطّار |
يا قوم ذودوا عن بني الأطهار |
وقال السروي: إن عبد اللَّه قتل في الحملة الأولى، وعبد الرحمن قُتل مبارزةً، وقال
غيره: "إنهما قتلا مبارزةً(7)، وهو الظاهر في المراجلة". هذه جملة من الأسماء التي
ثبت في المصادر أنها من الشباب، ولكن لم نلاحظ تحديداً نهائياً لعمر كلٍّ منهم،
والتي تدلل وبوضوح على وجود هذا العنصر وتفاعله مع قضية الإمام، ومع المسؤولية التي
ألقيت على عاتقهم حيث التزم المسار واتخذ الموقف الذي ينسجم مع التطلعات التي تجعل
من الإنسان في مراتب السمو والعظمة التي يريدها اللَّه سبحانه وتعالى لعباده. في
حين أن الأهداف والأسس التي قامت عليها حركة الإمام الحسين عليه السلام تحتاج إلى
الكثير من الوعي والإدراك القائم على الإيمان والثقة المطلقة باللَّه سبحانه
وتعالى؛ علماً أن الشاب وبحسب النية النفسية والإدراكية والجسدية التي تصاغ على
أساسها شخصيته تجعل منه عرضة للمغريات والوقوع فيها أكثر من الآخرين، أمام هذا كله
نجد أنفسنا أمام جملة من التساؤلات التي لا بد من الإجابة عليها:
السؤال الأول: هو كيف استطاع الشباب في كربلاء من اتخاذ موقف النصرة للإمام عليه
السلام في ظل ما تقدم حول شخصية الشاب التي تجعل منه عرضة للسقوط؟
السؤال الثاني الذي يطرح نفسه في المقام هو: حول ما يمثله الشاب من قيمه من خلال
وجوده؛ وكيف تجعل منه هذه القيمة عنصراً لافتاً ومميزاً في المجتمع؟
السؤال الثالث: ويتعلق بالأسس التي تساهم في توجيه الشاب نحو القيمة التي يمثلها...
وفي معرض الإجابة على هذه التساؤلات سنجد أنفسنا أمام ما قدّمه الإمام الخامنئي
"دام ظله" في حديثه للشباب حيث يقول: "أنا أرى ثلاث خصال بارزة من بين سائر الخصال
التي يتصف بها الشباب وإذا قدّر لها أن توجه نحو الصواب يبدو من الممكن عند ذلك
احراز المطلوب. تلك الخصال البارزة هي:
أولاً: الطاقة.
ثانياً: الأمل
ثالثاً: الابداع
وإذا (استطعنا) توجيه هذه الخصال الثلاث في الاتجاه السليم أعتقد أن الشاب يستمسك
بالنهج الإسلامي بكل بساطة"(8). وعندما نتحدث عن الطاقة، إنما نرى بذلك الأمر الذي
يعتمد عليه الإنسان في التغيير والذي يكون نتيجة طبيعية للفعل والإنتاج، وعندما
نتحدث عن الأمل إنما نرى بذلك الأمر الذي يوّلد لدى الإنسان الحافز نحو الحركة؛
ولولا هذا الأمل؛ فليس هناك مجال للتقدم، وعندما نتحدث عن الإبداع، فإنما نرى بذلك
القدوة والقدرة التي يبلغها الإنسان على مستوى المجالات كافة، سواء كانت علمية أو
فكرية أو غير ذلك، هذه الخصال الثلاث في الواقع، بمقدار ما تشكل البعد الحقيقي
للقيمة الشبابية، فإنها أيضاً يمكن أن تجعل منه إنساناً يقف في المقلب الآخر لهذه
القيمة.
وعندما نقف أمام الشباب في كربلاء، فإننا سنجد بأن هؤلاء الشباب جسدوا الأبعاد
الحقيقية والقيمية لهذه الخصال بامتياز، بحيث وصلوا من خلالها إلى تحقيق الأهداف
التي آمنوا بها، والتي تنسجم تماماً مع حجم القضية التي ثاروا من أجلها... ومن
المهم جداً من خلال هذه المعالجة، أن نصل إلى الإجابة التي تتعلق بالأسباب التي
تجعل من الشاب يختار من خلال هذه الخصال، الأبعاد التي لها علاقة بالقيمة، وكيف يصل
إليها؟ فعلى هذا المستوى، نجد بأن هذه الخصال لو بقيت مجردة من أي توجيه، لا تكفي
للأخذ بالشاب نحو الاتجاه الصحيح الذي عبرنا عنه بالقيمة، بل لا بد من أن تكون هذه
الخصال ملازمة لتقوى اللَّه سبحانه وتعالى، وذلك يعني أن إحدى أهم موجهات هذه
الخصال، هي أن يتم الالتزام وفق التوجيه الإلهي بتقوى اللَّه سبحانه وتعالى بمعنى
أن تتم مراجعه الذات وأن يبقى الإنسان مراقباً لنفسه ولذاته، وهذا من أهم الأسباب
التي تجعل تلك الخصال الشبابية تؤثر أثرها في حياة الشاب. ومن الأمور المهمة
والأساسية التي تساهم في ايجاد العناصر المساعدة التي تجعل من الشاب يختار التوجه
السليم، ويثمِّر تلك الخصال الثلاث التي مرّ ذكرها في طريق هذا التوجه (هذا الأمر)
هو البيئة المناسبة، التي يكون الشاب جزءاً منها.
وفي ملاحظة عامة للأسماء التي ورد ذكرها في هذه المقالة ممن نصروا الإمام عليه
السلام في كربلاء، واستشهدوا بين يديه، فإننا سنجد كيف كان هناك دور لعناصر هذه
البيئة، والتي تمثلت بالجد، والأب، والأم، والأخ، والزوجة؛ فوهب الذي لم ترضى أمه
إلا باستشهاده بين يدي الإمام عليه السلام، وعمرو بن جنادة الأنصاري الذي استشهد
أبوه قبل فترة وجيزة بين يدي الإمام عليه السلام، وأمرته أمه أيضاً أن يقاتل حتى
استشهد، وعبد اللَّه وعبيد اللَّه الإخوان البصريان اللذان رافقا أبيهما إلى نصرة
الإمام واستشهدوا جميعاً، وعبد الرحمن وأخوه عبد اللَّه الغفاريان، حيث كان جدهما
من الذين نصروا، وحاربوا بين يدي أمير المؤمنين عليه السلام؛ هذه الأمور تدلل وبكل
وضوح على أهمية البيئة في توجيه الشاب نحو القيمة التي تنظره.
هذا الموضوع يدفع بنا
للوقوف أمام المسؤوليات الجسيمة التي تتعلق بتأمين الأجواء المسلمة للشباب، وخاصة
في هذا العصر، في ظل الأخطار التي تواجه شباب اليوم، وفي هذا الإطار يقول ولي أمر
المسلمين الإمام الخامنئي "دام ظله":
"إن ما يواجه الشباب خطران: الأول، الخطر
الداخلي من أنفسهم، وهو عدم اهتمام الشباب بطاقاتهم، وعدم معرفة حجم هذه الطاقة
الموجودة عندهم، والثاني، الخطر الخارجي، من خلال المؤامرات الخارجية..." يقول
سماحته في هذا الشأن "حذار من أن يبتعد الشباب عن الساحة السياسية وعن ساحة التحرك
السياسي وعن فهم وإدراك المؤامرات التي يحيكها العدو..."(9).
وهنا يجب على الشاب أن
ينتبه إلى الاتجاه الذي يبذل فيه هذه الطاقة، حيث يدعو سماحة ولي أمر المسلمين إلى
ثلاثة أمور يجب أن تُصرف فيها طاقة الشباب قائلاً: "يجب أن تصرف هذه الطاقة أولاً
في تحصيل العلم، وثانياً في ايجاد صفاء النفس وروحية التقوى، وثالثاً في تحصيل
القوة البدنية أي (بالتعليم والتهذيب والقوة البدنية)"(10).
وفي الختام لا بد من
القول إن مرحلة الشباب من المراحل الخطيرة التي لو أحسنا توجيهها والاستفادة منها
فإن أمتنا ستزهو بالمجد والرقي والتقدم، وهذه مسؤولية الجميع، كل في دائرته، حينها
يمكن أن تقف أمام نماذج معاصرة شبيهة لنماذج كربلاء، كتلك النماذج التي قُدِّمت من
خلال شهداء المقاومة الإسلامية، هؤلاء الشهداء الذين وعوا وأدركوا تلك القيمة التي
يمثلونها، وصنعوا بدمائهم الطاهر المجد لأنفسهم بطاعة اللَّه والمجد لأمتهم
بإعزازها وتقدمها...
(1) الفتوح، 5 207.
(2) عمدة الطالب، ص182.
(3) المقرم.
(4) مقتل الحسين عليه السلام 2 12، 23، وبحار الأنوار 44 220 321 16، 17.
(5) مقتل الحسين عليه السلام 2 21، 22 وذكره ابحار 45 7.
(6) تاريخ الطبري، 3 278 والمناقب 4 113.
(7) المناقب، 4 113.
(8) خطاب القائد للشباب، 11 محرم 1411ه.
(9 - 10) خطاب القائد للشباب 11 محرم، 1411ه.