نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

تحقيق: الحدود الشرعية لحفلات الأفراح‏ (الموالد)


ايفا علوية ناصر الدين‏


تهدف الموالد التي تُقام في مناسبات الأفراح إلى إحياء هذه المناسبات في إطار الأحكام الشرعية التي تقضي بحرمة غناء وموسيقى أهل الفسق والفجور وتُجيز إقامة الحفلات وإحياء المناسبات بذكر مدائح الرسول صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام من خلال التواشيح والقصائد الدينية المترافقة مع الموسيقى البعيدة عن الطرب المتفَق على حُرمته بين الفقهاء. ولقد شهدت هذه الموالد منذ بداية انتشارها تطوراً في المضمون والألحان مما أدى إلى ظهور العديد من الإشكالات التي أثارت الجدل عند الكثيرين الذين يعتبرون أن معظم هذه الموالد قد خرج عن الضوابط المحددة إلى درجة يمكن فيها تصنيفها ضمن عنوان الموالد "اللاشرعية".

وهذا يطرح العديد من الأسئلة: ما هي الموالد الشرعية؟ ومتى تكون الموالد غير شرعية؟ وما هي الحدود أو الضوابط الشرعية التي يُحدِّدها الشرع في جميع الأمور المتعلقة بالموالد من المضمون والموسيقى والألحان والأداء والأجواء التي تترافق في هذه الحفلات وغيرها؟ قبل معرفة هذه الأحكام يخبرنا بعض قراء الموالد عن كيفية إحياء هذه الموالد وماذا يحصل فيها من أجواء وهذا يساهم في تحديد سبب اختلاف الناس في وجهات النظر نحو شرعية الموالد أو عدمها وحتى اختلاف القراء فيما بينهم في طرق الإحياء والآلات الموسيقية المستعملة والذي يتبين أنه ناتج عن الخطأ في فهم الحكم الشرعي أو عدم الدقة في تطبيقه.

* الموالد: أفراح وبركات‏

إن إقامة الموالد للتبرك بذكر الرسول صلى الله عليه وآله وأهل بيته في مقابل الحفلات الغنائية التي تُقام في المناسبات السعيدة لم يعد مقتصراً على الأشخاص الملتزمين دينياً بل انتشرت هذه الموالد في أوساط الكثير من الناس الذين لا يترددون في إقامتها عند إحياء المناسبات المختلفة وذلك لأنهم يفكرون حسب قول القارئة منى: "لماذا نعصي اللَّه في هذه المناسبات ما دام في استطاعتنا أن نفرح ونبتهج في رضاه عزّ وجلّ". وفي تعريفه للموالد يقول القارئ‏ إسماعيل عباس أنَّ المولد هو: "فرح ينعقد باسم الرسول صلى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام ويتضمن تواشيح ومدائح تصفهم بشكل مغنَّى".

وبالرغم من أن هذه الموالد تتضمن تواشيح وموالد للرسول صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام إلاَّ أن إقامتها لا تقتصر على إحياء المناسبات الدينية والاحتفال بها حيث تُقام هذه الموالد في جميع المناسبات السعيدة والأفراح لكن يبقى لكل مناسبة خصوصية معينة وهذه الخصوصية كما تقول القارئة جومانة: "تحدِّد مضمون الموالد الذي يختلف في كل من الأعراس ومناسبات ذكرى موالد أهل البيت عليهم السلام أو أعياد ميلاد الأطفال والتي تقام جميعها للتبرك بأهل البيت والتغني بهم". وإضافة إلى التبرك بذكر أهل البيت فإن لهذه الموالد رسالة مهمة كما يقول القارئ‏ بلال صقر وهي: "إدخال السرور إلى قلوب المؤمنين وإيصال ذكر محمد صلى الله عليه وآله وأهل بيته إلى آذان الناس بشكل لائق".

* شرعية وغير شرعية
هل هناك موالد غير شرعية في رأي قراء الموالد؟ ولماذا ينظر بعض الناس إلى بعض الموالد بأنها غير شرعية؟ يعتبر إسماعيل عباس أن المدائح في السابق: "لم تكن مثل اليوم فقد تطورت وهذا التطور جعل بعض الموالد يتجه نحو اللاشرعية". وفي نظر القارئة منى: "في السابق كانت الناس تضع في الموالد صواني وورد وشموع وتسود فيها أجواء هادئة وجميلة، أما اليوم فالبعض ينسون الهدف الحقيقي من الموالد وهو إحياء ذكر أهل البيت، وهناك حفلات غنائية تقام تحت اسم الموالد". وعن اختلاف الناس في إصدار الأحكام على شرعية الموالد يرى بلال صقر أن: "بعض الناس يعتبرون المولد الذي يحصل فيه تصفيق مولد غير شرعي وهناك آخرون يخرجون من المولد وهم يثنون على القارئ‏ الفلاني لأنه جعلهم يرقصون". وفي موالد النساء قد يُطلق وصف اللاشرعية على الموالد "إذا كان اللباس غير محتشم" كما تقول القارئة جومانة.

* الغناء في موالد النساء
يختلف موالد النساء عن موالد الرجال في بعض المسائل التي تحددها الأحكام الشرعية، فما هي الخصوصية التي تتميز بها موالد النساء؟ وهل يكمن الاختلاف في طريقة الإحياء بكاملها أم في بعض الجوانب والموارد الخاصة؟. في البداية تخبرنا كل من القارئة جومانة ومنى عن الأجواء التي تحصل في موالد النساء وعن المسموح والممنوع في مولد كل منهما ثم نستعرض رأي الشرع في كل مسألة من خلال مدير مكتب الوكيل الشرعي العام للإمام الخامنئي في لبنان سماحة الشيخ محمد المقداد الذي قدَّم عرضاً لمجمل الفتاوى التي تتعلق بالموالد وأحكام الغناء والموسيقى فيها وسائر المسائل المتعلقة بها. ومن الملاحظ أن أول مسألة تثير الجدل حول مجالس النساء هو ما يتعلق بإحياء مراسم ليلة الزفاف على وجه الخصوص دون غيرها من الاحتفالات الأخرى حيث يدور الحديث عن جواز غناء النساء في الأعراس فقط وتقع المشكلة في تحديد نوع الأغنيات ومضمونها فهل هي الأغنيات المتعارف عليها عند أهل الطرب أم هي أغنيات خاصة بالعروس وما هو حكم الموسيقى فيها؟ ماذا تقول قارئات الموالد ثم  ما هو رأي الشرع حولها؟ تعلِّق القارئة منى على هذا الموضوع بقولها: "نسمع أن البعض يغنُّون في موالد ليلة الزفاف أغنيات أو يضعون أشرطة كاسيت للاستماع إلى الأغاني لكن ما أعرفه هو أن تُغنى في هذه الموالد أغنيات خاصة بالعروس لمدحها ووصفها والتغني بها مع شرط وجودها مباشرة في المجلس المنعقد".

أما القارئة جومانة فتقول: "في ليلة الزفاف يجوز الغناء مباشرة أو حتى وضع أشرطة كاسيت وفي السابق كنا نغني أغنيات أكثرها تراثية لكن للإحتياط فإننا اليوم نغني أغنيات خاصة بالعروس يكتبها شاعر متخصص". أما رأي الشرع الذي عبَّر عنه الشيخ محمد المقداد فيقول: "في ليلة الزفاف يوجد استثناء وهو أنه يجوز للنساء الحاضرات أن يغنين أغاني أهل الفسق والفجور المتعارفة في حفلات الزفاف لكن من دون استعمال الآلات الموسيقية التي تصدر موسيقى محرمة، ولا يجوز وضع أشرطة الكاسيت التي تتضمن أغاني أهل الفسق والفجور لأنها مصحوبة بالموسيقى المحرمة وهي الموسيقى اللهوية المطربة". وفي تعريف هذه الموسيقى يقول الشيخ المقداد: "الموسيقى اللهوية المطربة هي المتعارفة عند أهل الفسق والفجور وهي المصاحبة لأغاني المطربين والمطربات وهي تثير الخفة والمرح في نفس الإنسان وتدفع الإنسان للقيام ببعض الحركات الخارجة عن الحالة العقلانية كما نرى في بعض الحفلات التي يقوم فيها حتى كبار السن بحركات لا تليق بسنهم ومقامهم فالموسيقى اللهوية هي الموسيقى العبثية التي لا يراد منها سوى إثارة الغرائر وتهييج الشهوات".

* ألحان المدائح والتواشيح‏
مسألة أخرى يقع فيها الاختلاف بين قراء الموالد عند الرجال والنساء على السواء وهي جواز إنشاد المدائح والتواشيح الملحنة بألحان أغاني أهل الطرب، حول هذا الموضوع تقول القارئة جومانة: "في ليلة الزفاف ممكن أغنّي الأغنية بلحنها لكن لا أقلب لحن أغنية إلى مدائح أهل البيت". أما منى فتقول: "كل المدائح التي تكون ألحانها مأخوذة عن أغانٍ حقيقية يجوز أن تُقال في ليلة الزفاف بشرط عدم خروج الصوت إلى الخارج وعدم وجود ولد مميز". ويقول بلال صقر في هذا الموضوع: "بعض العلماء يجيزون إنشاد هذه المدائح في المجالس الخاصة فقط أي المجالس التي لا يكون فيها أناس يميزون لحن الأغاني الحقيقية والذين سيتوجهون بالانتقاد إلينا إذا سمعوا ذلك".

وفي ذلك يقول الشيخ المقداد: "إذا كان المولد قد صيغ لحناً بألحان أهل الفسق والفجور فيصبح حراماً ولو كان أصل الكلام حلالاً بذاته باعتبار أن الاستماع إلى الموسيقى المتعارفة عند أهل الفسق والفجور حرام وهذا يعني أن المولد إذا كان مصاغاً بهذه الألحان فلا يجوز حتى في ليلة الزفاف التي لها استثناء شرعي وهو جواز غناء النساء بأنفسهن دون الآلات الموسيقية المحرمة". وحول مفهوم الأغنيات التراثية وهل يختلف حكمها عن حكم الأغنيات الأخرى يقول الشيخ المقداد: "سواء كانت أغنية تراثية أم لا الميزان هو أن تكون الموسيقى المصاحبة لهذه الأغنية ليست موسيقى لهوية مطربة كالمتعارف عليها عند أهل الفسق والفجور".

* استعمال الآلات الموسيقية:
عند الحديث عن وجود موسيقى محرَّمة يصبح من الضروري معرفة الآلات التي يسمح استعمالها في الموالد وقد أجمع قراء الموالد في حديثهم على القول بجواز استعمال الدف مع عدم وجود دوائر نحاسية على أطرافه والذي يسمى حينئذٍ بتسميات عديدة منها الرق والكاتم أو المزهر إلاّ أن اختلافهم وقع في استعمال الآلات الأخرى كالطبل والأورغ وغيرها. وفي هذا الشأن كان رأي الشيخ المقداد: "آلات الموسيقى بالإجمال هي آلات مشتركة يعني إذا استعملت في الموسيقى الحلال فهي حلال وإذا استعملت في الموسيقى الحرام حرام من قبيل الدف أو الطبل أو الصنج أو المزق والعود والقانون والكمان والأورغ. هنا نصادف بعض الآلات التي لا مجال لاستخدامها إلا في الحرام مثل الطبلة (الدربكة) لأنها ليس لها مجال استعمالات محللة". وقد كان هناك رأي لبعض قراء الموالد أن الآلة المسماة بالأورغ تُحوِّل المولد ولو كان مضمونه جائزاً إلى ما يشبه الأغاني إلا أن الشيخ المقداد يقول: "مجرد كون صوت الأورغ مرتفعاً لا يجعل الموسيقى التي تخرج منه موسيقى محرمة إن لم تكن في نفسها محرمة، نعم يمكن أن نجعل الأورغ آلة طيّعة عبر تخفيف الصوت قليلاً".

* الرقص واللباس والزينة:

إن الأجواء التي تترافق مع إحياء الموالد وخصوصاً عند النساء قد تخلق بعض الإشكالات عند كثير من الناس الذين ينزعجون من المبالغة في الرقص أو اللباس والزينة وتكون هذه إحدى الأسباب لاعتبار الموالد في الإطار الخارج عن الشرعية. ويبقى الحكم الشرعي هو الفصل في تحديد الحرمة أو الجواز ففي مسألة رقص النساء في الموالد يقول الشيخ المقداد: "حدود الرقص أن لا يصل إلى رقص الراقصات المحترفات حتى في الأعراس ورقص الراقصات يراد منه الإثارة وتهييج المكامن أما إذا كان مجرد تمايل فلا مانع منه. أما عند الرجال فالرقص جائز إذا كان تمايلاً أو دبكة أو رقصة السيف والترس مع عدم وجود موسيقى محرمة لكن أن لا يؤدي إلى القول بأنهم يرقصون كالنساء وكذلك فإن التصفيق وإطلاق الزغاريد (الزلاغيط) حلال وإن كان الأفضل استبدالها بالصلوات على محمد صلى الله عليه وآله وأهل بيته".

وفي خصوص لباس النساء يقول الشيخ: "يجوز للنساء أن يلبسن ما شئن من الثياب في الموالد الخاصة بهن لكن المرأة الملتزمة المتدينة يجب أن تراعي حدود اللباس الأخلاقي غير الفاضح لأن اللباس الفاحش لا يتناسب مع مقام المؤمنات وهذه نصيحة أخلاقية حفاظاً على عنوان إنسانيتها ووقارها، نعم قد يصبح حراماً إذا علمت النساء أن هذا اللباس سوف تخرج أوصافه إلى الخارج". ويلاحظ أحياناً إقامة البعض لموالد مختلطة يجتمع فيها الرجال والنساء في مجلس واحد وعن هذه الموالد يقول الشيخ المقداد: "الموالد المختلطة التي يكون فيها الرجال على حدة والنساء على حدة والقارئ‏ رجل لا مشكلة فيها مع مراعاة الضوابط الشرعية وكذلك فإن الموالد العائلية المختلطة فلا مشكلة فيها إذا بقيت النساء في مكانها وإن كنا نفضّل أن تكون الأعراس منفصلة تماماً وهو الأفضل والأكثر صوناً للمرأة من الرجل".

* من أجل موالد أكثر رونقاً وهيبة:
بالإضافة إلى الأحكام المتعلقة بالموسيقى والأمور الأخرى فإن هناك مسألة يجب الالتفات إليها فيما يتعلق بمضمون المدائح والتواشيح يركِّز عليها الشيخ المقداد بقوله: "هناك شروط خاصة بالمضمون وهي أن لا تتضمن هذه المدائح أي مغالاة في مقامات الممدوحين لأن الأئمة عليهم السلام نهونا عن المغالاة في مقاماتهم وهناك شرط أدبي هو أن يكون مصاغاً بصياغة تتناسب مع شأنهم لا أن يكون كلاماً عادياً فيه أي ضعف أو ركاكة". هذه هي الأحكام التي تحددها الشريعة بالنسبة إلى الموالد وما يتعلق بها من غناء وموسيقى وأجواء وهناك كلمة أخيرة يختم بها الشيخ المقداد حول هذا الموضوع وهي: "الموسيقى والغناء من القضايا التي ستبقى مثار الكثير من الاختلافات ولم تكن بهذا المستوى من الاختلاف لأننا كنا نعيش في مجتمع غير إسلامي لكن بعد هذه النهضة الإسلامية المباركة صار مجتمعنا بحاجة إلى ما يسد له الفراغ في بعض الجوانب لهذا صار هناك موالد التي أردناها أن تكون حلاً لمشكلة فإذا بها تصير بعد فترة هي المشكلة ولقد بدأت في السابق من دون موسيقى وكان الأمر جيداً وعندما دخلت إليه الموسيقى صار المولد مثار إشكالات لأن الموسيقى بعضها حرام وبعضها حلال.

نحن مع إقامة هذه الموالد في مناسبات أئمتنا والرسول والزهراء ونشجع على إحياء وإقامة هذه الموالد بشرط إما أن تكون هذه الموالد بدون موسيقى تماماً فنحسم الجدال أو أن تكون الموسيقى هي الناتجة فقط عن بعض الآلات التي لا تستعمل في الموسيقى المحرمة مثل الدف وهي آلة مصاحبة للتواشيح الدينية حتى نعيد له هيبته ورونقه أو استعمال الآلات الموسيقية التي يغلب استعمالها في الحلال".

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع