آية الله مشكيني
﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِين﴾ (لقمان/6).
* لهو الحديث
هذه الآية الكريمة لها علاقة بموضوع الغناء وحرمته، فأكثر المفسِّرين اعتبروا أن المقصود من لهو الحديث هو (الغناء)، والغناء في الإسلام من المحرمات، ومن هذه الجهة تعتبر الموسيقى وآلات اللهو والطرب من المحرّمات أيضاً.
الغناء في اللغة صوت يخرج من حنجرة وحلقوم الإنسان، والغناء الاصطلاحي الذي هو محرم في شرع الإسلام عبارة عن الصوت المطرب الذي يخرج من حلقوم الإنسان وله ثلاثة شروط:
1- أن يكون مطرباً فيه ترجيع.
2- أن يخرج المستمع من حالته الطبيعية ويوجد فيه نوع من النشوة، والسرور والانطراب.
3- وهذا الشرط هو الأهم على الإطلاق، وهو أن يناسب الصوت مجالس الطرب واللعب والرقص.
وعليه، فليس كل صوت حسن حرام، بل أن بعض الروايات تصرّح بأن تلاوة القرآن ينبغي أن تكون بصوتٍ جميل، وكذلك الصلاة اليومية بحيث يبعث الصوت على الخشوع والخضوع أماما لله عزَّ وجلَّ، نعم إذا كان الصوت باعثاً على النشوة والسرور أو الغم والحزن وكان ذلك يتناسب مع مجالس اللهو واللعب والرقص فهذا هو الغناء المحرم، ولذا نرى أن السيد أبا الحسن الأصفهاني في كتابه "وسيلة النجاة" يعرّف الغناء فيقول: "الغناء هو الصوت المطرب، فيه ترجيع وإطراب يناسب مجالس اللعب وآلات اللهو".
* الغناء في الروايات
يعتبر الغناء في الروايات من الأمور الباطلة التي لها مفاسد كثيرة على إيمان الإنسان، فقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: "الغناء عش النفاق". وفي رواية أخرى قال: "بيت الغناء لا تؤمن فيه الفجيعة ولا تجاب فيه الدعوة ولا تدخله الملائكة" وقد كان ينهى عن الدخول إلى بيوت الغناء نهياً شديداً لأن الله معرض عن أصحابها.
جاء رجل إلى الإمام الصادق عليه السلام وقال له: جعلت فداك بعض جيراني لديه جوار يغنّين له ويعزفون على العود. وفي بعض الأحيان عندما أذهب لقضاء الحاجة في الحمّام أسمع أصواتهن من خلف الجدار، فهل ترى في ذلك شيئاً؟ فنهاه الإمام عليه السلام عن ذلك بشدة وقال له (بالمضمون): ويحك، ألم تسمع قول الله تعالى: ﴿إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً﴾. اذهب فاغتسل وصل ما بدا لك. فلقد كنت مقيماً على أمر عظيم، ما كان أسوأ حالك لو متّ على هذا استغفر الله واسأل الله التوبة من كل ما يكره فإنه لا يكره إلا القبيح، والقبيح دعه لأهله، فإن لكل قبيح أهلاً".
* شراء الغناء
تقول الآية الكريمة ﴿ومن الناس من يشتري لهو الحديث (الغناء) ليضل عن سبيل الله...﴾ فما معنى شراء لهو الحديث أو الغناء؟ عندما يدفع مالاً مقابل الحصول على شيء ما، فهذا يسمى شراءً...
وما يدفع من مال مقابل سماع الغناء يعبّر عنه بشراء الغناء. وهكذا يعبر القرآن الكريم بأن ما يدفع في سبيل الغناء يؤدي إلى الضلال والبعد عن صراط الله عزّ وجلّ ﴿ليضل عن سبيل الله﴾.
سبيل الله يعني سبيل الهداية، ومن ينحرف عن سبيل الله يكون بعيداً عن الهداية الإلهية.
* الانحراف عن سبيل الله
وكما ذكرنا سابقاً أنه يوجد ثلاثة أنواع من الهداية الإلهية للناس:
1- الهداية في البعد العقائدي، أي أن الله سبحانه يهدي الناس من الناحية الفكرية إلى العقائد الصحيحة.
2- الهداية في البعد الأخلاقي، أي أنه تعالى يهديهم إلى التحلّي بالأخلاق الحسنة والملكات الفاضلة.
3- الهداية في البعد العملي، أي أنه تعالى يهديهم إلى صالح الأعمال وينهاهم عن السوء والفواحش.
وعليه، فالانحراف أيضاً ثلاثة أنواع:
1- الانحراف في البعد الفكري واعتناق المعتقدات الباطلة.
2- الانحراف في البعد الأخلاقي.
3- الانحراف في البعد العملي.
إذاً الاستماع إلى الغناء وبذل المال في سبيل ذلك يجعل الإنسان منحرفاً في الأبعاد الثلاثة هذه، ففي البداية ينحرف الإنسان على المستوى العملي ثم وبالتدريج يحرف أخلاقياً وفي النهاية يستكبر على الأوامر الإلهية، الأمر الذي يؤدي إلى الانحراف الفكري والعقائدي.
* العذاب المهين
قد يتساءل المرء لماذا أثبت الله تعالى العذاب الأليم لمن يشتري لهو الحديث فقال: "أولئك لهم عذاب مهين"؟ وهل هذه المعصية كبيرة إلى هذا الحد؟
والجواب أن الإنسان قد يرتكب معصية أحياناً بحيث لا تتعدى مفاسد هذه المعصية نفسه، يعني أن هذه المعصية معصية فردية وتكتب له في كتاب أعماله معصية واحدة. ولكن أحياناً يرتكب الإنسان معصية تسبب انحراف مليون شخص عن طريق الحق. فهذه المعصية ليست معصية واحدة بل تكتب في صحيفة أعماله مليون معصية، ورد في الرواية "من سنّ سُنَّة سنة فله أجر من عمل بها".
ولما كان الغناء عش النفاق ويسبب ضلال الكثيرين عن طريق الحق فهو من المعاصي الكبيرة التي توعّد الله تعالى عليها بالعذاب المهين.