الشيخ فادي سعد
ذكر الفقهاء أنواعاً محلّلة من الغناء باعتبارها مستثناة
من الغناء المحرّم وعدّوا منها: الغناء في الأعراس، والمناسبات الدينية كموالد
المعصومين عليهم السلام والأناشيد الثورية وما شاكلها، مع مناقشتهم في صدق عنوان
الغناء على الأمرين الأخيرين، والحال أن هذه الأنواع بأجمعها مما يكثر السؤال عنها
من جوانب عديدة يرتبط بعضها بمعرفة الحكم بعد تشخيص الموضوع ووضوحه، ويعود بعضها
الآخر إلى عدم تحديد الموضوع نفسه من قبيل هل هذا اللحن من ألحان أهل الفسوق
والعصيان أو لا؟ أو هذه الكيفية لهوية أو ليست كذلك؟ أو هل المقصود بأغنية العرس ما
هو معروف ومألوف كتراث بكلمات محدّدة وأسلوب خاص درج عليه الناس منذ زمان بعيد، أو
مطلق الأغنيات لتشمل المعدّ منها في أسواق اللهو والمتعارف في نوادي أهل الطرب
وحفلاتهم؟ وإذا شككنا في انطباق العنوان المسوّغ للإسماع أو الاستماع فما هي
وظيفتنا الشرعية؟ وغير ذلك من الأسئلة الملحّة التي سنحاول في هذه العجالة تسليط
الضوء على ضوابط المسألة فيها ونتعرف على ما يقلب حكم الأنواع المستثناة من الحلية
إلى الحرمة علّنا بذلك نساهم في إعطاء الحل والإجابة عن كثير من التساؤلات. يصبح
الغناء المحلّل أو النشيد حراماً إذا طرأت عليه الأمور التالية:
* موجبات التحريم:
1 - إشتماله على الأباطيل والافتراءات الكاذبة،
سواء كانت عائدة إلى أصل من أصول
الدين أو فرع من فروعه أو تستلزم إهانة مقام نبي أو وصي أو ولي أو إنكار ما لا يسوغ
إنكاره كما أنشد يزيد لعنه اللَّه منكراً نزول الوحي: لعبت هاشم بالملك فلا خبرٌ
جاء ولا وحي نزل، أو الترغيب في فعل الحرام والدعوة إليه، أو الاعتراض على المشيئة
الإلهية، أو تعظيم سلطان جائر والثناء عليه كما مدح بعضهم أحد ولاة الجور قائلاً
له: ما شئت لا ما شاءت الأقدارُ احكم فأنت الواحد القهّارُ. ويشمل هذا الموجب مطلق
الكذب، والغزل الإباحي، والتعبير المنطوي على خلاعة أو فحش في الألفاظ أو المعاني،
خصوصاً إذا كان الغناء في مجالس الأعراس وكذلك التعريض بامرأة معروفة وغير ذلك مما
قد يقارن النشيد أو أغنية العرس بهذا المعنى وهذا كله يعود إلى الكلمات والمضمون
بحيث أن الحرمة تنشأ من ذلك من غير فرق بين النشيد وأغنية العرس وباقي المستثنيات،
فهذا الموجب للتحريم عام لها دون تخصيص(1).
2 - كونه متعارفاً عند أهل الفسوق والفجور سواء في ذلك المحتوى أو الشكل والأسلوب،
فطالما كانت الكيفية اللهوية محرمة، لا فارق أدّاها المغني في مجالس المعصية، أو
المنشد في حفل ديني، حتى وإن بدّل كلمات الأغنية من المعاني الباطلة إلى المعاني
الحقّة، وضمّنها أسماء الجلالة أو المعصومين عليهم السلام أو مدح بشجاعة أمير
المؤمنين عليه السلام وغير ذلك، فإنه ما دام اللحن معروفاً يعتمده أهل الطرب
والفسوق يكون النشيد محرّماً وإن كان في مسجد أو مجتمع ديني أو كانت الكلمات
مقدّسة، وقد تحدّث الفقهاء في هذا الموجب بشكل تفصيلي في بحوثهم وأوضحوه في
فتاواهم يقول سماحة السيد القائد دام ظله: الغناء وهو الصوت مع الترجيع المطرب
المناسب لمجالس اللهو والفسق محرم شرعاً مطلقاً حتى في الدعاء والقرآن والأذان
والمراثي وغيرها(2) فالحرمة ناشئة من الكيفية لا المضمون والمحتوى، ولصدق عنوان
الغناء المحرّم على النشيد المشتمل على ذلك.
لكن هذا الموجب لا يشمل الأغاني التي
اشتهرت في الأعراس سواء غنّاها أهل الفسوق أو لا بحيث أنه لو علم أن أغنية معينة
تنسب لأحد المطربين أو المطربات وتُغنّى في أعراس أهل العصيان لا يكون ذلك موجباً
لتحريم التغني بها في أعراس أهل الإيمان من قبل النساء في مجلسهن فقط، بينما في
النشيد لا يجوز اعتماد تلك الكيفية وإن أنشده رجل أو فرقة في مجلس الرجال بمناسبة
عقد قران أو زفاف لأن الاستثناء الوارد في الروايات الشريفة هو غناء النساء لزفّ
العرائس في مجلسهنّ وهو لا يجوّز غناء الرجال في مجلسهم بالكيفية اللهوية المذكورة
ولا غناء الرجال في مجلس النساء. فما تعارف اليوم في مناسبات الأفراح لدى المؤمنين
من إنشاد فرقة من الرجال في مجلسهم لمقطوعات تتضمن مدح النبي صلى الله عليه وآله
وأهل بيته عليهم السلام وشجاعة أمير المؤمنين عليه السلام لا يصدق عليه عنوان
الغناء في العرس الوارد في روايات أهل البيت عليهم السلام والمراد من أقوال
الفقهاء، فهو جائز بعنوان أنه نشيد، وإلا إذا صدق عليه أنه غناء حرم بينما في مجلس
النساء في العرس، الغناء جائز بعنوان أنه غناء لزفّ العرائس، من هنا نفهم الفارق
بين العنوانين الموجبين للحلية في المجلس الرجالي للعرس والمجلس النسائي له مع توفر
الشروط المعتبرة في كليهما.
3 - دخول الرجال على النساء في حفلات الزفاف واختلاط الجنسين في مجلس واحد فإنه
موجب للحرمة وليس الزوج مستثنى في ذلك، فإن النساء لا يجوز لهن الغناء في زفاف
العروس والعريس حاضر بينهن، ومن جملة ما استدل به الإمام الخميني قدس سره على ذلك
قول مولانا الصادق عليه السلام: أجر المغنية التي تزفّ العرائس ليس به بأس، وليست
بالتي يدخل عليها الرجال(3).
4 - سماع الرجال لأصوات النساء والمراد بالصوت الذي يحرم الاستماع إليه خصوص ما
يوجب الوقوع في الفتنة وإثارة الشهوة وأما غيره فلا إلا إذا كان غناءً ولو في العرس
وبهذا الرأي أفتى الفقهاء المعاصرون ومنهم سماحة السيد القائد دام ظله حيث يقول: لا
بأس في سماع صوت المرأة والاستماع إليه بلا قصد التلذذ والريبة فيما إذا لم يكن
بصورة الغناء ولا موجباً لترتب المفاسد(4). وكذلك المقدّس السيد الخوئي رضي الله
عنه حيث قال: ويستثنى منه من الغناء المحرّم غناء النساء في الأعراس إذا لم يضم
إليه محرم آخر من الضرب بالطبل والتكلم بالباطل ودخول الرجال على النساء وسماع
أصواتهن على نحو يوجب تهييج الشهوة وإلا حرم ذلك(5). أما الأقدمون فقد أفتوا
بالحرمة مطلقاً سواء كان صوت الأجنبية مثيراً للشهوة أم لا لأن صوت المرأة عندهم
عورة كما جاء في المسالك للشهيد الثاني.
5 - استعمال آلات الطرب المحرّمة فإنه إذا صاحب الغناء المحلّل أوجب حرمته كالطبل
والناي والعود والدفّ، لكن هذه المسألة خلافية بين الفقهاء وهم على رأيين:
الأول: إن مجرد كون الآلات المستعملة في النشيد أو غناء العرس هي آلات لهو وطرب لا
يوجب الحرمة طالما كانت الكيفية مشروعة والكلمات لا مشكلة فيها وإلى هذا ذهب سماحة
السيد القائد (دام ظله) حيث سئل: هل يجوز استخدام آلات الطرب في ليالي الأعراس؟
وإذا كانت جائزة فما هي حدودها وضوابطها للرجال والنساء؟ فأجاب: لا بأس في التغني
للنساء في خصوص مجالس زفاف العروس ولا مانع من استخدامهن آلات العزف في حال التغني
في خصوص تلك المجالس على النحو المتعارف فيها، وأما في غير تلك المجالس فلا يجوز
بحال(6).
وفي استفتاء آخر سُئل أيضاً: ما هو حكم استعمال النساء للدف في الأعراس؟
أجاب حفظه اللَّه: لا يجوز استعمال الآلات الموسيقية لعزف الموسيقى اللهوية
المطربة، ولكن لا يبعد جواز ذلك فيما إذا كان مصحوباً بالتغني في مجالس زفاف
العروس(7). الثاني: إن مجرد انضمام آلات الطرب كالطبل والدف وغيره إلى الغناء
المحلّل يسبّب حرمته وإن كان الكلام سليماً من ناحية مفاده والكيفية مشروعة،
فاستعمال آلة الطرب المنهي عنها كافٍ لوحده في توليد الحرمة في المقام ومن الذاهبين
إلى هذا الرأي المقدس السيد الخوئي رضي الله عنه حيث قال في منهاج الصالحين: ...
غناء النساء في الأعراس إذا لم يضم إليه محرم آخر من الضرب بالطبل(8) وسئل: هل يجوز
ضرب الدفوف بالأعراس ومواليد أهل البيت عليهم السلام وهل صحيح ضرب الدف في زواج
الزهراء عليها السلام؟ فكان جوابه قدس سره: لا يجوز فإنه من آلات اللهو ولا يجوز
للنساء في الأعراس سوى الغناء المجرّد(9) وفي موضع آخر قال رضي الله عنه: لا تفصيل
في حرمة استعمال الدف وغيره من آلات الغناء بين الأعراس وغيرها كما لا فرق بين ما
فيه خراخيش أو صفائح وغيره فالكل محرم الاستعمال(10). والحرمة في هذا الموجب منشؤها
مقارنة الآلة لكن استعمال هذه الآلات في الأناشيد الثورية له في نظره قدس سره حكم
آخر وتفصيل مختلف(11).
6 - مقارنته للحركات الخليعة التي يتنزه عنها المؤمنون كرقص الجنسين معاً وشبك أيدي
الرجال والنساء أو سائر ما يصدق عليه الاختلاط المحرم ومنه ما لو اشترك الرجال
والنساء في دبكة العرس فضلاً عن الدبكة مطلقاً والحرمة في ذلك ناشئة من الوضعية،
وبالجملة ما تقدم من أمور يدخل تحت عنوان: أن لا يصحب الغناء المحلّل فعل محرم،
فيحرم لأجله أي أن الغناء للنساء في العرس مباح وجائز ولكن إذا صحبه محرم شرعي فإنه
يحرم وقد اتضح أن الحرمة ناشئة في الأمر الأول من كلمات الأغنية أو النشيد وفي
الثاني من الكيفية والأسلوب اللهوي في النشيد دون أغنية الزفاف وفي الثالث من
الوضعية المحرمة وفي الرابع من الإسماع والاستماع بشرط الإثارة في مطلق الصوت أو
مطلقاً في صورة الغناء، وفي الخامس من الآلة الموسيقية المطربة على خلاف بين
الفقهاء تقدم تفصيله وفي السادس من كونه مجلساً منهياً عنه شرعاً، وليست هي على وجه
الحصر فهناك موجبات للتحريم غير ما ذكر، لكن اقتصرنا على ما تقدم باعتبار أن
الضابطة باتت واضحة. وبالإمكان الاطلاع على مجموعة من المسائل التي ترتبط بتفصيل
هذا الموضوع ضمن أجوبة سماحة السيد القائد حفظه اللَّه على الاستفتاءات الموجّهة
إليه كما ذكرنا محلّها في الهامش.
(1) راجع مصباح الفقاهة، ج1، ص401 منهاج الصالحين،
للسيد السيستاني، ج2، ص11.
(2) أجوبة الاستفتاءات، ج2، ص28، س69.
(3) المكاسب المحرمة للإمام الخميني رضي الله عنه، ج1، ص350.
(4) أجوبة الاستفتاءات، ج2، ص27، س66.
(5) منهاج الصالحين، للسيد الخوئي، ج2، ص7.
(6) أجوبة الاستفتاءات، ج2، ص22، س50.
(7) م.ن. س49.
(8) منهاج الصالحين، للسيد الخوئي، ج2، ص7.
(9) صراط النجاة، ج1، ص374، س1027.
(10) م.ن. ج2، ص294. س930.
(11) راجع صراط النجاة، ج2، ص295، س931.