في محاولة لرسم الأبعاد الكلية لفهم ومعرفة حقيقة المشاكل الاجتماعية بدأنا في الحلقة الماضية باستعراض الآراء المختلفة بشأن فهم القوانين الاجتماعية التي اعتبرناها مقدمة أساسية للموضوع. فالأمراض والآفات التي تنشأ في مجتمع ما هي وليدة سلسلة من العلل والأسباب التي يمكن الاهتداء إلى علاجها بشرط معرفة القوانين.
والآن نكمل البحث في الإشارة إلى النقاط التالية:
* المعرفة من أين؟
نحن نعتقد- كما ذكرنا- بأن هذا العالم يدار بواسطة قوانين وأنظمة دقيقة لأن الله تعالى أبى إلا أن يجري الأمور بأسبابها. هذه القوانين تشمل حركة كل ذرات الكون بما فيها النشاطات الإنسانية وحركة المجتمعات. ومن جانب آخر نعترف بعجزنا في كثير من الأحيان عن إدراك تلك القوانين الاجتماعية وذلك للأسباب التالية:
أ- القوانين الاجتماعية كثيرة ومتشعبة ويصعب حصرها في نطاق ضيق للدراسة والاختبار.
ب- الحركة الاجتماعية تعود بالنهاية إلى حركة الفرد. وبتعبير آخر إن مجموع الحركات التي يؤديها أفراد المجتمع هي التي تسمى بالحركة الاجتماعية. فيرجع فهمها إلى ضرورة فهم الإنسان ومعرفته.
ج- للتجربة الاجتماعية الواحدة آلاف الأبعاد التي تخفى علينا ونحن نظن أحياناً أننا أحطنا بها.
* ما السبيل؟
نحن نؤمن بوجود أناس ارتفعوا إلى درجات الإحاطة بكل ما ذكرناه من خلال الاتصال بخالق الناس والمجتمعات، وامتلكوا تلك الرؤية الإلهية العظيمة التي تخولهم إعطاء الحلول الناجحة لمشكلات الإنسانية. وهؤلاء هم الأنبياء عليهم السلام والأئمة عليهم السلام الذين لا ينطقون عن الهوى، بل يتلقون علومهم من الباري عزَّ وجلَّ. ولذلك فإننا باتباعهم نستطيع أن نتعرف على أبعاد القوانين الاجتماعية وسلوك طريقهم يمكننا أن نجد الحلول المناسبة لكل مشاكلنا. وهذه هي النقطة الأساس.
أولئك الذين ظنوا أنهم يستطيعون الاهتداء إلى وضع العلاج لآلام البشر وتصنيف الأدوية المناسبة لمشاكلهم كم بعدوا عن الحق والحقيقة عندما اعتمدوا على علومهم ﴿يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا﴾ وضلوا ضلالاً بعيداً.
فنحن نؤكد على ضرورة الارتباط بالوحي ووسائطه ونعتبر أن كل درجة نبعد فيها عنهم نكون بنفس المقدار كمن يرسم لحياته طريق الفشل والشقاء.
إذن ينبغي علينا أن ندرس تعاليمهم ونحقق في آثارهم عليهم السلام فننظر إلى كل ما وضعوه لنا ونضعه على مواضع جراحاتنا لنشفى بإذن الله، ويحتاج هذا الأمر إلى فهم الأمور التالية:
1- النصوص: كالقرآن الكريم هو وحي الله الذي لا يأتيه الباطل لا من خلفه ولا من بين يديه.
والسُنَّة الشريفة في مقام عمل وقول وتقرير النبي والأئمة عليهم السلام. وهنا يحتاج الباحث إلى التحقيق لأن هناك جملة من الروايات الساقطة التي لا اعتبار لها.
2- تقسيم البحث: عند مطالعة النصوص المذكورة علينا أن نصنفها على الأساس التالي:
1- معرفة الإنسان وحقيقته.
2- معرفة مراتب النفس.
3- حركة المجتمعات في القرآن.
4- الأحكام الاجتماعية في الإسلام.
5- الأمراض الاجتماعية.
6- الحقوق والواجبات في الأسرة.
7- آفات الحياة الاجتماعية.
8- طرق علاج الأمراض والوقاية من الآفات.
3- الرؤية الكونية الإلهية: ونقصد بها العقيدة الإسلامية الثابتة التي تجيب على كافة المسائل المصيرية في الحياة. وهي الدعامة الأولى للانطلاق في البحث الاجتماعي. وبتزلزلها لا يأمن الإنسان من الوقوع في الكثير من الأخطاء والشبهات في هذا المجال.