إن تحصيل القيم الأخلاقية، يعتمد على عاملين رئيسين وهما:
أ- تحصيل العلم والتدبر بكل شيء يجلب لنا الإيمان.
ب- تقوية الميول الفطرية والغرائز الموجودة في الإنسان التي بها نقوي القيم
الأخلاقية.
ففي تحصيل العلم والتدبر وتقوية الميول الموصلة إلى تحصيل الأخلاق الإلهية هناك
موانع كثيرة وميول تعارض تماماً كل ما يوصل إلى الطريق الصحيح.
7
يمكن القول هنا: أن موانع الإيمان وعوامل السقوط بحثت في
القرآن تحت ثلاثة عناوين رئيسة وكلية وفي نفس الوقت كل منها مربوط بالأخر وهي عبارة
عن:
1- هوى النفس.
2- الدنيا.
3- الشيطان.
هوى النفس: بشكل عام إن العوامل التي توجب ضعف الإيمان وكذلك سلب الإيمان أو عدم
تحقق الإيمان من الأساس هو هوى النفس حيث أن ذلك لا يترك المرء بحاله بل لا تبقى
نافذة صغيرة ينبعث الإيمان من خلالها في حال أن هول النفس قد غلب. من الطبيعي أن
نسأل ما معنى هوى النفس؟ فهذا العنوان يغطيه بعض الغموض بل وهناك تفاسير متعددة حول
هذا العنوان.
ولأجل توضيح هذا العنوان إلى سؤالين صغيرين:
أولاً: ما هي النفس؟
ثانياً: ما معنى هوى النفس؟
ولأجل توضيح هذا المطلب لا بأس بالإشارة إلى بعض الآيات.
* القرآن وهوى النفس:
يقول الله سبحانه وتعالى في قصة بلعم بن باعورا: ﴿وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى
الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاه﴾
الأعراف/ 176. وفي آية أخرى يقول تعالى ﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ
هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾الكهف/28.
وفي آية ثالثة حيث وصل بالبعض إلى أن يجعل إلهه هوى نفسه فيقول تعالى ﴿أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ
وَكِيلً﴾
الفرقان/43 وفي مورد آخر يبين الله أن اتباع الهوى يتعارض مع الهداية
الإلهية: ﴿فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى
فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾
ص/26 وأيضاً:
﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى
فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى﴾
النازعات/ 40-41
* ماذا يعني هوى النفس؟
بعدما كنا قد اطلعنا على بعض الآيات القرآنية يتضح لنا أنه يجب على الإنسان أن يتبع
عقله ويخالف هوى نفسه بل يحاربها، ومحاربة النفس له قيمة عظيمة جداً. إذا ما
هي حقيقة هذه النفس التي هي منشأ الفساد والشرور ولا يجب الإصغاء لها وما هو الفرق
ما بينها وبين النفس المطمئنة حيث خاطبها الباري عز وجل:
﴿ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً﴾
. ليست النفس قوة خاصة موجودة عند البعض بل إنها موجودة عند الجميع حتى آخر العمر،
وما دام الإنسان موجودا فالميول والقرائن موجودة. فهذه الميول الغرائزية
الموجودة عند الإنسان لها أساس قوي، فهي معجونة مع فطرتنا، وتدفعنا دائماً إلى
إشباعها، يتم عبر طرق متعددة مجازة ومشروعة وكذلك من خلاف ذلك لان الميل الغريزي
أعمى ولا يميز الحسن من القبيح، بل ما يهمها هو إرضاء حالها، وفي حال أن النفس قامت
بإشباع غرائزها من الطرق غير المشروعة فتصبح حينها النفس الأمارة.
* هوى النفس مانع للإيمان:
من الممكن أن الميول النفسانية توجد فينا انحرافا عن تحصيل الإيمان وعى رغم معرفتنا
بحقائق الأمور. قد يتساءل البعض كيف أن الإنسان يفهم شيئاً وحقيقة معينة ولكن هذه
المعرفة لا تترك أثراً فيه؟ والحقيقة واضحة جداً والأمثلة على ذلك كثيرة فالبعض
يعرف جيداً بالأدلة والبراهين أن ما جاء به الأنبياء هو صحيح ولكن آفات هوى النفس
تحول دون قبوله الحقيقة كطلب الجاه، والغرور والعصبية وغيرها من الأهواء النفسية.
فالدوافع الداخلية والأمراض النفسية ووسوسة الشيطان كلها، تحول دون الواقع،
فالإنسان على نفسه بصير ويعرف نفسه أكثر من الجميع ويعرف مرضه ما هو. يقول تعالى:﴿الَّذِينَ
فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾،
﴿الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ﴾.
* كيف المبارزة مع هوى النفس؟
يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "إن أخوف ما أخاف عليكم اثنان اتبا ع الهوى
وطول الأمل". وعن الصادق عليه السلام: "احذروا أهواءكم كما تحذرون أعداءكم،
فليس شيء أعدى للرجال من اتباع أهوائهم وحصائد ألسنتهم" يقول إمامنا الخميني
قدس سره: "اعلم أيها العزيز، إن رغبات النفس وآمالها لا تنتهي ولا تصل إلى حد أو
غلية، فإذا اتبعها الإنسان ولو بخطوة واحدة، فسوف يضطر إلى أن يتبع تلك الخطوة
بخطوات، وإذا رضي بهوى واحد من أهوائها، أجبر على الرضى بالكثير منها، ولئن فتحت
باباً واحداً لهوى نفسك، فإن عليك أن تفتح أبواباً عديدة له". فالسؤال الذي
يطرح نفسه هنا هو كيف السبيل إلى مبارزة النفس الإمارة أو ما هي الموانع التي تقف
في وجه هذه النفس؟
على الإنسان هنا أن يفكر بطريقة توصله إلى الإيمان ولا ينبغي أن يقف حائراً أمام
هذه المشكلة، بل لأجل علاج هذا المرض. من اللازم أن يكون هناك علم تكويني مؤثر
وقادر يقف في وجه تلك القدرة ويقاومها وينتصر، ويجب أن يفكر الإنسان ملياً كيف يقف
مقابل الدوافع الشيطانية ويجعل منها دوافع رحمانية، وهذه الدوافع هي موجودة في فطرة
الإنسان وميزان الجهاد هنا هو النفس أيضاً. جاء في المناجاة الشعبانية "الهي لم
يكن لي حول فأنتقل به عن معصيتك إلا في وقت أيقظتني لمحبتك" فالشيء
الوحيد الذي يمكنه أن يخرجنا من قبضة الأهواء النفسية والميول الأخرى هو محبة الله
عز وجل والتي يجب أن تستيقظ فينا. فالطريق إلى مبارزة النفس أو الأهواء النفسية هو
أن نجعل ميولاً مقابل تلك الميول ونقريها في حال تركناها قويت وسيطرت ومن الصعب
الرجوع والانتصار. إذاً يجب أن يفكر الإنسان ملياً وأن يكون الخوف والرجاء
إمامنا وفي بالنا. وكيف قي عواقب أمورنا،إلام ستصل سواء اتبعنا هذا الطريق أو ذاك؟
فالتفكر بآثار الأمور له أثر مهم في تقرير مصيرنا بل لعله دافع وقوة كبيرة ومؤثر في
حركتنا لتحصيل الإيمان.
أسئلة حول الدّرس:
1- ما هو العامل الأساس الموجب لضعف الإيمان؟
2- ماذا يعني هوى النّفس؟
3- كيف أن البعض يعرف حقائق الأمور ويعرض عنها؟
4- كيف نبارز النّفس الأمّارة؟