مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

دعاء الافتتاح(10): اللهم اجعله القائم بدينك


د. يوسف مَدَن


توقّفنا في العدد السابق عند المبدأ الحادي عشر "التوازن" باعتباره من مبادئ قيم السلوك الواردة في دعاء الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف "دعاء الافتتاح" ونكمل مع المبدأ الثاني عشر.

* المبدأ الثاني عشر: التكرار
إن التكرار للفعل الإيجابيّ يمكن أن يكتسب الطابع التنظيميّ للأفعال والاستجابات السلوكيّة وتعزيزها، فتذكُّر النصوص المختلفة كأذكار الصلاة يعزّز حفظها عن ظهر قلب، والاستجابة التلقائية والسهلة لحركاتها. ولهذا كان التكرار الإيجابيّ في كثير من النصوص الدينيّة قوّة تنظيميّة لدى الكائن الآدميّ.

استخدم الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف أسلوب التكرار في مفردات الدعاء، ما يدعو الباحث إلى التأمّل في تكرار بعض الأفكار والمعاني، وبعض الصفات، والمواقف السلوكيّة والأساليب. وجميعها يصبّ في اتّجاه واحد في تحقيق أغراض تربويّة في حياة المنتظرين.

وتقتضي عمليّة التفكّر في المحتوى اللفظي لنصّ الدعاء الكريم المرور بأمثلة توضيحيّة لمبدأ التكرار وأهميّته، خاصةً في مجال تربية النفس وتزكيتها، وتدريبها على بناء علاقة سويّة مع الله والذات والآخر. وانتقينا من الأمثلة، من دعاء الافتتاح، في هذا المجال ما يوضح المبدأ.

أ - تكرار صفات الله تعالى
هذا أحد أهمّ الأمثلة المعبرة عن استخدام دعاء الافتتاح لمبدأ التكرار، فبعض عبارات الدعاء وجمله أشار -بنحو متكرّر- لبعض صفات الله سبحانه كالرحمة والتحنّن والعفو والتجاوز عن السيّئات وتسديد الناس، والحلم والعلم والقدرة، وغير ذلك من الصفات المبثوثة في نصوص الدعاء ومفرداته اللفظية، مضافاً إلى تكرار صفات توحيده كقول الدعاء في وصف الله سبحانه: "لم يكن له شريك في الملك"، و"لا مضاد له في ملكه، ولا منازع له في أمره"، و"لا شريك له في خلقه"(1).

وتؤدّي عمليّة تكرار الصفات إلى ترسيخها كمفاهيم في أذهان العباد وتنشئتهم على توحيده سبحانه.

ب - تكرار الثناء على الله وحَمْده
تكرّر الثناء على الله وحمده عدّة مرات، بأكثر من صيغة، كقول الإمام المهديّ لله سبحانه "أفتتح الثناء بحمدك، فأثني عليه حامداً وأذكره مسبحاً" وبصيغة "الحمد لله"، وكرّرها الإمام المهديّ على امتداد دعائه، فلا يمرّ بنعمة أو رفع نائبة أو سَتر قبيحة إلّا وذكر هذه الصيغة (الحمد لله)، أو بصيغة يفهم منها الحمد لله والثناء بدون استخدام الحمد مباشرة مثل قوله: "فاسمع يا سميع مدحتي، وأجب يا رحيم دعوتي، وأقل يا غفور عثرتي، فكَمْ يا إلهي من كربة قد فرّجتها، وهموم قد كَشفتَها، وعثرة قد أقلتها، ورحمة قد نشرتها، وحلقة بلاء قد فككتها".

وبالتأكيد يؤدّي تكرار الثناء والحمد إمّا بغرض تحقيق هدف تربوي، كترسيخ مفهوم عقائديّ يخصّ توحيد الله، أو لإقرار اعتراف أخلاقيّ بنعمة أو شكراً على تجاوز محنة، إلى تعزيز العلاقة بين الله والإنسان، وتحقيق أهداف تربويّة وسيكولوجيّة تعكس آثارها على المنتظرين، وهكذا فـ"أهميّة التكرار في بناء العادة الحسنة أنّه يؤصِّل السلوك الطيّب بالنفس، فيجعلها ميَّالة إليه لا بالتعوُّد، بل بالتفاتة واعية من القلب"(2).

ومن ذلك أقواله عجل الله تعالى فرجه الشريف باستخدام صيغة "الحمد لله"، وهي الأكثر شيوعاً في نص دعاء الافتتاح، يقول الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف مثلاً في مجالين هما:

1- استخدام صيغة الحمد في مجال العقائد:

"الحمد لله الذي لم يتّخذ صاحبة ولا ولداً ولم يكن له شريك في الملك. الحمد لله الذي لا مضادّ له في ملكه، ولا منازع له في أمره، ولا شريك له في خلقه. الحمد لله الفاشي (الظاهر والمنتشر) في الخلق أمره وحمده... الحمد لله الذي من خشيته ترعد السماء وسكّانها وترجف الأرض وعمَّارها، وتموج البحار ومن يسبح في غمراتها".

2- استخدام صيغة الحمد في المجال السلوكيّ:

"الحمد لله الذي يجيبني حين أناديه، ويستر عليَّ كل عورة وأنا أعصيه، ويُعَظِّم النعمة عليَّ فلا أجازيه، فكم من موهبة هنيئة قد أعطاني، وعظيمة مخوفة قد كفاني، وبهجة مُونقة قد أراني. الحمد لله بجميع محامده كلها على جميع نعمه كلها...".

ج- تكرار مطالب المنتظرين:
كان هذا الدعاء، وكل الأدعية.. حركة روحية صاعدة من الإنسان في الأرض إلى الله سبحانه، وينتظر منها أن تقابلها حركة (عفو ورحمة ورزق وعطاء لخيرات ومواهب كثيرة) نازلة من الله عزَّ وجل إلى عباده. وكما يكرّر الله سبحانه تمويل عباده باستمرار بأشكال الرزق والعطايا والعفو، فإنّ العباد أنفسهم يكررون بمواقف وأفعال مطالبَهم رغبةً في الثواب وتجنباً للعقاب.

ومررنا في طيّات هذه الدراسة على نماذج لـ"تكرار" بعض المطالب الإنسانيّة كطلب الإمام المهديّ في أكثر من موضع عفوه ورحمته، وتكرار طلبه لنعم الله سبحانه، وتكرار بعض الأفكار والمعاني التي تخدم في نهاية الأمر عباد الله وأهدافهم الكثيرة من جماعات المنتظرين وغيرهم.

ونتوقف في نهاية القول عند طلب الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف من الله كفعل سلوكيّ في مسألة "التمكين" في الأرض، وتجلّى في طلبه لأكثر من مرة بالتمكين وإظهار الدين الذي ارتضاه، قال عجل الله تعالى فرجه الشريف: "اللهم، وصلِّ على وليِّ أمرك القائم المُؤَمل، والعدل المنتظر"، ثم تقول جملة أخرى من المقطع ذاته: "اللهمّ اجعله الداعي إلى كتابك، والقائم بدينك، استخلفه في الأرض كما استخلفت الذين من قبله، مَكِّن له دينه الذي ارتضيته له..."(3).

وقال: "اللهم إنَّا نرغب إليك في دولة كريمة تعز بها الإسلام وأهله، وتذل بها النفاق وأهله، وتجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك، والقادة إلى سبيلك، وترزقنا بها كرامة الدنيا والآخرة".

وقوله كذلك في آخر كلمات دعائه: "وأعنَّا على ذلك بفتح منك تُعجلِّه، وبضرّ تكشفه، ونصر تعزّه، وسلطان حقّ تظهــره، ورحمة منك تجللناها، وعافية منك تلبسناها، برحمتك يا ارحــم الراحمين"(4).

وعاد للطلب ذاته في التمكين والاستخلاف في الأرض فجدّد دعوته بصيغة لفظيّة ثانية فقال الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف:
"اللهمّ ما عرفتنا من الحق فحمّلناه، وما قصرنا عنه فبلّغناه، اللهم المم به شعثنا، واشعب به صدعنا، وارتق به فتقنا، وكثّر به قلتنا... وأهدنا به لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنّك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم".


1- إقبال الأعمال، ابن طاووس، ص328.
2- العلاج النفسي وتعديل السلوك بطريقة الأضداد، يوسف مَدَن، ص415.
3- إقبال الأعمال، م.س، ص328.
4- م.ن، ص331.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع

ذي قار

تحسين علي

2022-04-16 15:29:35

هل يوجد في دعاء الافتتاح صيغة نهي