إنّ الهدف من عقد اللّقاء بالأساتذة المحترمين، الكرام
والأعزّاء، في الدرجة الأولى هو تكريم وتجليل مقام الأستاذ. وهذه واحدة من أعظم
تعاليم التربية الإسلاميّة. ولقد ألّف علماؤنا الماضون الكتب ونقلوا الأحاديث
والآيات القرآنيّة حول هذه المسألة.
* معلّم ومربّ
"الأستاذ ليس معلّماً وحسب، وإنما هو مربٍّ أيضاً"، وهذا سرّ طبيعيٌّ وهو
واضح للجميع.
إنّ الإنسان الذي نتعلّم منه شيئاً ويفتح أمامنا باباً من العلم، سينفذ إلى قلوبنا
وأرواحنا بصورة طبيعيّة، ويمكننا أن نقول: ستتكوّن في المتعلّم حالة من التأثّر
ببركة هذا التعليم. هذه فرصة كبيرة واستثنائيّة للغاية. فكم لدينا من الشباب الذين
لا يرغبون في الاستماع إلى نصائح الوالد والجدّ والوالدة والأسرة ولا التأثّر
القلبيّ بها، وفي الوقت ذاته تترك فيهم كلمة الأستاذ وإشاراته أثراً عميقاً؟ هذا هو
الأستاذ.
التعليم يترافق بشكل طبيعيّ مع إمكانية التربية. يجب اغتنام هذه الفرصة. حين يكون
الأستاذ إنساناً عادلاً منصفاً، وذا أخلاق عالية، فسترتفع حينها إمكانيّة تربية
طالب عادل، منصف وذي أخلاق حسنة، والعكس صحيح أيضاً.
* أنتم بأفعالكم وسلوككم
نحن بحاجة إلى شباب يتحلّون بالدوافع الإيمانيّة والبصيرة الدينيّة والهمَّة
العالية، والجرأة على المبادرة، والثقة بالنفس، والإيمان بــ"أننا قادرون". شباب
لديهم أمل وتفاؤل بالمستقبل، والتطلّع إلى الآفاق المستقبليّة المشرقة، وروح
الاستغناء -ولا أقصد بها الإعراض عن التعلّم من الأجانب، وهذا ما لم ولا نوصي به
بتاتاً، بل نحن على استعداد للتتلمذ على يد مَن هو أعلم منّا في أيّ مجال- وإنّما
روح الاستغناء عن التأثّر والانبهار والتلقين واستغلال نقل العلوم، وهذه الروحيّة
الشائعة اليوم في العالَم المتّصف بالعلم، وهو عالم القوى الاستكباريّة. فلا بدَّ
للشابّ أن يتّسم بروح الاستغناء هذه، وروح الفهم الصحيح والعميق، لمعرفة أين نحن
الآن، وإلى أين نحن سائرون، وكيف يمكننا اجتياز هذا الطريق. وكذلك [نحتاج] إلى شباب
لديه الحزم والشدّة أمام أيّ اعتداء وهيمنة ومساس بالاستقلال الوطنيّ. إننا نحتاج
إلى شباب مفعمين بهذه الروحيّة وهذه الصفات؛ وهي صفات وسمات يستطيع الأساتذة بثّها
وزرعها وإيجادها في نفوس الجيل الشابّ الذي يقوم بطلب العلم والدراسة. هذا هو
الأستاذ.
* في الحرب الناعمة؛ الأستاذ قائد الميدان
ويحصل هذا التأثير التربويّ من خلال سلوك الأستاذ وأخلاقه، وليس بإلقائه درس أخلاق؛
إذ إنني لا أوصي أساتذة العلوم بأن يعطوا الطلّاب دروساً في الأخلاق، فهذا عمل له
مجالٌ آخر، بل إنّ أساتذتنا يمكنهم، بأفعالهم وأقوالهم وسلوكهم وطرح أفكارهم
وآرائهم في شتّى المجالات، تحقيق هذا التأثير وإيجاد هذه الروحيّة وخلقها في الطالب
الجامعيّ وفي الشابّ المعاصر. وهذا هو معنى قولنا إنّ الأساتذة هم قادة الحرب
الناعمة. فإن كان الشابّ ضابطاً في الحرب الناعمة، فإنّ الأستاذ هو قائده، والقيادة
هي بهذا الشكل.
* القائد في الخطوط الأماميّة
وكذلك الحال في الحروب الصلبة: فإنّه حيثما يوجد القائد، سواء قائد الكتيبة أو
السريّة أو اللّواء، في وسط الساحة وفي المواقع الحسّاسة، وكان يقاتل بنفسه، فسيترك
تأثيراً عظيماً في جنوده. وهذا الأمر لا يختصّ بنا فقط، بل يشمل الآخرين أيضاً.
لقد كان نابليون ببزّته العسكريّة ينام على التراب إلى جانب جنوده. وكان هذا هو
السرّ الذي أدَّى به لأن يحقّق كلّ هذه الانتصارات المدهشة في الحرب. وهكذا كان
شبابنا في جبهات الدفاع المقدَّس لثمانية أعوام، فإنّ قائد الفرقة كان يتقدَّم
أحياناً على عناصره في ساحة القتال، ويَحضُر في الخطوط الأماميّة، وأحياناً يبادر
إلى عمليّة الاستطلاع بنفسه. الأمر الذي يعتبر غير مفهوم وغير مقبول في جيوش
العالم، ولكنه حدث في هذه الحرب. وهذه الروحيّة هي التي حقّقت كلّ تلك النجاحات
الباهرة والانتصارات العظيمة خلال الدفاع المقدَّس.
هكذا الحال في الحرب الناعمة أيضاً. يجب على الأستاذ بنفسه أن ينزل إلى قلب
الميدان في هذه المواجهة العميقة والحيويّة والمقدَّسة، وهي التي نسمّيها بالحرب
الناعمة، والتي هي دفاع مقدَّس أيضاً.
(*) من كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء أساتذة الجامعات في حسينيّة
الإمام الخميني قدس سره 07/04/2015م.