نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

فقه القائد: الوصية وأحكامها في الإسلام


الشيخ محمد توفيق المقداد


قال الله تعالى في محكم كتابه الكريم ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ البقرة/180. تتعرض هذه الآية الكريمة لمسألة مهمة من مسائل ديننا الإسلامي الحنيف وهي "الوصية" حيث توجب على المسلم السعي لكتابة وصيته قبل الموت تتضمن ما يريد هذا الإنسان أن يفعل من أجله بعد الموت، أو ما يريد إعطاءه للآخرين كذلك. ولا شك أن الهدف الأساس من الوصية هو السعي لإبراء الذمة أمام الله أولا، إن الكثير من الناس قد يكونون ممن تركوا بعض واجباتهم الشرعية أثناء حياتهم من صلاة أو صيام أو حج أو حقوق شرعية أو غير ذلك كديون للناس عليه أو أمانات عنده لهم. وبالجملة فالوصية مطلوبة من المسلم في كل الحالات لكي يضمن هذا الإنسان أن هناك من سوف يعمل على تنفيذها بعد موته حتى لا يبقى في ذمته حقوق لله تعالى أو للناس أيضاً.

وقد ورد التأكيد على العمل بالوصية وأن لا يموت المسلم من دون أن يترك وصية لمن بعده، ومن الأحاديث الدالة على ذلك:
1 "الوصية حق على كل مسلم" رسول الله صلى الله عليه وآله.
2- "المحروم من حرم الوصية" رسول الله صلى الله عليه وآله.
3- "ما ينبغي لامرئ‏ مسلم أن يبيت ليلة إلا ووصيته تحت رأسه" رسول الله‏ صلى الله عليه وآله.

وسبب التأكيد على الوصية كما نرى هو أن قضية الحياة والموت ليست بيد الإنسان لأنه مقهور للإرادة الإلهية التي لا راد لقضائها إذا وقع كما قال عز وجل ﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ، أو كما قال سبحانه وتعالى ﴿فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ، وعليه فإذا وقعت مصيبة الموت بالمسلم من دون أن يكون قد أوصى وعليه حقوق لله أو للناس، فسوف يحاسب أمام الله أولا عن تفريط في حق الله، لأن الآخرين قد لا يعرفون ماذا على الميت غير الموصي من حقوق لله، وسوف يكون مطالباً بحقوق الناس الذين قد تضيع حقوقهم عند ورثته لأنهم قد لا يعلمون بها، خصوصاً مع عدم وجود أدلة وإثباتات تضمن حقوقهم. ولذا ورد عن الرسول الأعظم‏ صلى الله عليه وآله قوله: "من مات على وصية مات على سبيل وسنة، ومات على تقى وشهادة، ومات مغفوراً له"، والسبب هو أنه بوصيته لم يترك شيئاً مما يمكن أن يطالب به يوم القيامة من ربه أو من الناس إلا وقد سجل لكي ينام في قبره ويحاسب يوم القيامة وليس لأحد حق عليه.

مضافا إلى ذكر حقوق الله والناس لا بد أن يراعي الموصي وضع أرحامه وأقاربه الذين يرثون من أمواله المنقولة وغير المنقولة بنص القرآن الكريم كالأبناء والآباء والزوجة والأخوة والأجداد والأعمام والأخوال على الترتيب الشرعي المعروف في الفقه الإسلامي، فعليه أن لا يحرمهم من حقوقهم الثابتة، وأفضل أسلوب في الوصية في حق الأقارب والأهل أن يعتمد الموصي ما قرره الله في القرآن من حصص وأسهم في ميراث المتوفي وأن يوفي لكل واحد حقه كما ثبت في القرآن، فلا يحابي فرداً على فرد، كولد على ولد آخر، أو أن يفضل البنين على البنات كما هو الشائع في بعض أوساط المسلمين، حيث يوصون للذكور بكل ميراثهم أو بأغلبه على حساب البنات لاعتبارات عرفية واجتماعية كما في بعض المناطق حيث لا يورثون البنات لأنهن قد يتزوجن من غير أرحامهن مما يعني بالتالي أن جزءاً من مال المتوفي يذهب إلى خارج إطار الأقارب، فمثل هذه النظرة خاطئة جدا ولا تلتقي مع الشريعة الإسلامية في طريقة تعاملها مع الناس، حيث أن الجميع هم عبيد الله ومتساوون أمامه في الحقوق والواجبات، يضاف إلى ذلك أن أسلوب حرمان الفتيات من الميراث سوف يؤدي إلى نوع من الخلاف والشقاق والتباعد بين الأرحام والأقارب، وهذا أيضا بعيدٌ عن ذوق الشريعة الإسلامية التي تريد من الناس أن يتزايد التلاحم بينهم والتقارب وأن تشيع المودة بينهم لصالح الجميع. من هنا نقول إن كل من يوصي فليعمل على إعطاء الحقوق من ماله بالوصية بعد الموت كما حكى القرآن وقسم الميراث بين الأرحام أو غيرهم فهذا أفضل كما أنه يؤدي إلى أن يترحم الوارثون جميعاً على ذلك الموصي الميت الذي لم يحرم أحدا من حقه الشرعي، ولذا ورد النهي عن الحيف "الظلم" في الوصية بحق من لهم نصيب من الميراث، ومن الروايات الدالة على ذلك المعنى:

1- "الإضرار في الوصية من الكبائر" رسول الله صلى الله عليه وآله.
2-"الحيف في الوصية من الكبائر" رسول الله صلى الله عليه وآله.
3- قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل توفى وأوصى بماله كله أو أكثره، فقال له: "الوصية تُرد إلى المعروف غير المنكر، فمن ظلم نفسه وأتى في وصيته المنكر والحيف فإنها ترد إلى معروف، ويترك لأهل الميراث ميراثهم" الإمام الباقر عليه السلام.

نعم لا بد من الإشارة إلى أن الإسلام ترك للموصي جزءاً من أمواله ليتصرف فيه عن نفسه أو عن غيره بعد الموت وهو "ثلث أمواله" والسبب في ذلك هو ما قلناه من أن المسلم قد يكون ترك بعض واجباته تجاه ربه أو عليه حقوق تجاه الناس، فسمح الإسلام لأتباعه التصرف في ثلث أموالهم بعد الموت لكي ينفذ المطالب بتنفيذ الوصية ما أوصى به الموصي الميت من أجل تدارك ما فاته القيام به حال حياته تجاه ربه والناس، لأن الإسلام لا يريد للناس أن يدخلوا النار من خلال عدم السماح لهم بالتصرف في بعض مالهم لمصلحتهم بعد الموت إذا كان عليهم ما يطالبون به يوم القيامة، فالله رحيم بعباده ولا يريد لهم إلا الخير ودخول الجنة ليتنعموا بها لأنه خلقها من أجلهم ليعيشوا فيها حياة كلها سعادة وهناء نتيجة التزامهم في الدنيا، فهذا الثلث إذاً هو من قبيل منح المقصر حال الدنيا فرصة التدارك ولو بعد الموت حتى لا يبقى عليه شي‏ء يكون حجة عليه عند ربه يوم لا ينفع مال ولا بنون، ولذا جاء في الحديث "إن الله عز وجل أعطاكم ثلث أموالكم عند وفاتكم زيادة لكم في أعمالكم" رسول الله صلى الله عليه وآله. وأفضل الوصية هي أن يكون الإنسان وصيا على نفسه حال حياته بمعنى أن يسعى المسلم لإبراء ذمته من حقوق الله والناس حال كونه حيا طالما هو مستطيع لذلك، لأنه الذي يماطل ويمهل ثم يدركه الموت قد لا يكون ممن يأتي بعده ممن يقدرون هذه المسائل فيهملها ويكون العقاب على الموصي الذي قصر في حق نفسه حال حياته، ولذا جاء في الروايات عن هذا ما يلي:

1- "يا ابن ادم كن وصي نفسك في مالك، واعمل فيه ما تؤثر أن يعمل فيه من بعدك" أمير المؤمنين عليه السلام.
2- عن عنبسة العابد: قال: "قال رجل لأبي عبد الله عليه السلام: أوصني؟ قال عليه السلام: أعد جهازك، وقدم زادك، وكن وصي نفسك، لا تقل لغيرك يبعث إليك بما يصلحك".

ومن الأمور المهمة في باب الوصية هي أن المسلم قبل أن يبدأ بذكر حقوق الله والناس وغير ذلك، أن يحسن كتابة وصيته كما أمر النبي صلى الله عليه وآله بذلك، بمعنى أن يبدأ المسلم وصيته بالإقرار بوحدانية الله عز وجل وبالنبوة لمحمد صلى الله عليه وآله وبالإمامة لأمير المؤمنين عليه السلام وأبنائه والاعتراف بالمعاد وبالأنبياء وبأن الجنة حق والنار حق وكل المسائل الاعتقادية التي تؤكد إسلام المسلم وتمسكه بهذا الدين الحنيف، وأن يطلب من الله الرحمة لنفسه والمغفرة لذنوبه وأن يجنبه النار، وأن يسكن الفسيح من جنانه، وأن يرزقه شفاعة حبيبه محمد صلى الله عليه وآله واله الطاهرين عليهم السلام أجمعين. وهذا النوع من كتابة الوصية هو الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وآله للإمام علي عليه السلام : "تعلمها أنت وعلمها أهل بيتك وشيعتك، قال: صلى الله عليه وآله علمنيها جبرائيل". ولا شك أن الوصية ينبغي أن تكون مورد الاهتمام الدائم للمسلم لأن الكثير من المتغيرات قد تحصل بعد كتابة الوصية كما لو كان عليه واجبات لله فقضاها حال حياته. فيمكن عندئذ إلغاؤها من الوصية، أو زادت له ديون عند الناس أو زادت ديون للناس عليه أو قلت الأمانات أو زادت أو ما شابه ذلك، فعلى المسلم دائما أن يلاحظ هذه الأمور في وصيته فيزيد فيها أو ينقص منها وفق الموارد والظروف. حتى لا يكون هناك ظلم لا في حق نفسه ولا في حق غيره من الأهل أو الناس الآخرين وما شابه. بعد هذا، لا بد من ذكر بعض الاستفتاءات الموجهة إلى سماحة القائد الإمام الخامنئي دام ظله.

س: 761 هل الوصية واجبة بحيث يأثم الإنسان بتركها؟
ج: لو كانت عنده ودائع وأمانات للآخرين، أو كان عليه حقوق للناس أو لله تعالى ولم يتمكن من أدائها حال حياته، وجب عليه الإيصاء بها، وإلا فلا تجب الوصية.

س: 808 أوصى رجل بجميع أمواله المنقولة وغير المنقولة لابنه، وحرم بذلك ست بنات له من الإرث، فهل تكون هذه الوصية نافذة؟ وإذا لم تكن نافذة فكيف يتم التقسيم بين البنات الست وابن واحد؟
ج: لا مانع من صحة الوصية المذكورة في الجملة، لكن تنفذ في مقدار ثلث مجموع التركة فقط، وتبقى في الزائد على الثلث موقوفة على إجازة جميع الورثة، فإن امتنعت البنات من إجازتها كان لكل واحدة منهن من ثلث التركة نصيبها من الإرث، وعلى هذا نقسم تركة الأب إلى أربعة وعشرين قسماً، يكون سهم الابن من ذلك من باب الثلث الموصى به 8-24 ونصيبه من إرث الثلثين الباقيين هو 4-24 ويكون لكل واحدة من البنات 2-24، وبعبارة أخرى، يكون نصف مجموع التركة متعلقا بالابن، ويقسم النصف الآخر على البنات الست.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع