يقول تعالى:
﴿وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا
﴾. وفي آية أخرى:
﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا﴾.
وأيضاً:
﴿وَإِنَّ الدَّارَ الْآَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ﴾. يتضح لنا من الآية الأولى أن الدنيا ليست سوى دار للامتحان ودار عمرها
قصير ولذّاتها فانية وزخارفها إلى زوال وعيشها قليل فهنيئاً لمن يتزود من دنياه
لآخرته فالبعض يتزود ويحضر لها نسبة عالية جداً وخالصة للآخرة والبعض الآخر يعمل
للدنيا والآخرة، وآخرون للدنيا فقط، وهكذا.. أما النهج السليم هو أن نعمل لآخرتنا
ونجعل الدنيا وسيلة لها ونعرف كيف نستفيد منها، والاستفادة في الدنيا لا تتحقق إلا
في حال أن نتحرك ضمن مجموعة من الأحكام الشرعية حيث ننتقي منها الصحيح والموصل إلى
الله تعالى:
* كيف نقسم أعمال الإنسان
فالسالك إلى اللّه تعالى لا بد له من أن يدقق قليلاً في حركته وسلوكه نحو اللّه
تعالى حتى في أبسط المسائل لكي يكون ما أمضاه في هذه الدنيا من عمر خالصاً للّه
تعالى. يقول سبحانه وتعالى:
﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ
عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا..﴾.
فالمعيار الصحيح وحركة الوقت المثمر تسير ضمن حكمين أساسيين يوصلان إلى الحق تعالى
والى السعادة الحقيقية وهما:
• الواجب.
• المستحب.
* فالعمل الواجب هو ما أراده اللّه منّا لكي يقربنا من خلاله إليه سبحانه وتعالى.
وهو العمل الذي يثاب عليه المؤمن ويكون بذلك قد أسقط عن نفسه التكليف الإلهي..
وبعبارة أخرى هو العمل الذي يشبه ورقة الامتحانات التي على أساس ما قد ملىء بها
يوفق أو لا يوفق حيث لا يمكن أن ينال درجةً من دونها وهكذا..
* أما المستحب فهو مجموعة من الأعمال التي يكون في تأديتها رضاً للّه تعالى، حيث هي
أعمال غير واجبة بذاتها، بل في حال جاء بها العبد تكون تحت عنوان القربة المطلقة
للّه تعالى كالنوافل والصيام المستحب والصدقة.. كلها أعمالٌ تزيدُ في ثواب المؤمن
وتجبر ما قد نقص من واجباته، إلى ما هنالك من فوائد.
* أما الأحكام التي تجلب غضب اللّه سبحانه وتعالى فهي العمل المحرم أي الذي أوجب
علينا اللّه تعالى تركه كشرب الخمر والزنا والقمار، ويترتب على هذا الحكم العقاب.
* أما الأحكام التي في تكرارها أو حتى من دون تكرار ما يوجب الظلمة وفي تكرارها
وصلة للحرام هي الأعمال المكروهة التي لا يحب الله أن تصدر من عبده.
* أما المباح فهو العمل الذي لا يرضي ولا يغضب اللّه، بل لا يترتب عليه أثر إطلاقاً
ولا يتبعه ثواب أو عقاب كلعبة كرة القدم مثلاً وغيره.
* ما هو معيار الأعمال المباحة مع الوقت؟
إن أكثر ما يأخذ أوقاتنا اليوم هي الأعمال المباحة حيث نحاول دائماً أن نقول
لأنفسنا أنه لا مشكلة في ذلك ما دام أنه لا مشكلة من وراء ذلك، علماً أن كل عمل
مباح يخرج عن حجمه الطبيعي فيصبح مكروهاً وفي حال تخطى ذلك فيصبح حراماً فمثلاً
مشاهدة مباراة كرة قدم أمرٌ مباح أما في حال كانت مشاهدتنا للمباراة لساعات فأصبح
هذا العمل مكروهاً، وهكذا قد يؤدي إلى الحرام، فما معنى أن نجلس طويلاً ونهدر العمر
والوقت وراء أمور قد توصلنا إلى الحرام. يقول سبحانه وتعالى:
﴿نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ
﴾. وفي آية أخرى:
﴿نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ
﴾. فهنا يطرح سؤال: هل في الجلوس مطولاً لمشاهدة هكذا أمر ذكر
للّه؟ هل هكذا نرى أنفسنا لكي نصل إلى السعادة الحقيقة إلى مقام القرب من اللّه
تعالى.
* قصة الإمام قدس سره مع الوقت
يروى عن المقربين من حضرة الإمام قدس سره أنهم كانوا يشاهدون الإمام يقسم وقته بشكل
دقيق جداً، وكان يقوم بعدة أمور في آن واحد، فكان يقرأ الصحيفة ويشاهد التلفاز
ويستمع للراديو ويذكر اللّه سبحانه وتعالى و.. وأحياناً أخرى يطالع ويكتب وفي وقت
آخر يلتقي بالناس ويجلس مع المسؤولين ويلاطف الأطفال وينتبه لكل صغيرة وكبيرة وأما
العبادة فكان لها المكانة الخاصة عند الإمام قدس سره، من دعاء وصلاة وصلاة ليل
وتهجد وبكاء كلٌّ في وقته، فلم يكن يذكر يوماً أن الإمام لم يلتفت لمسألة ما بسبب
مسألة أخرى، ولم يذكر قط أن الإمام قدس سره لم يهتم بمسألة صغيرة على حساب مسألة
كبيرة. فما حكاية هذه الدقة كلها؟ أو بمعنى آخر ما السر في هذا كله؟ والجواب هو أن
الإمام قدس سره عرف كيف يكون رضى اللّه سبحانه وتعالى لأنه عرف كيف السلوك إلى
اللّه تعالى، لأنه عرف كيف يستفيد من فرصة العمر التي أعطاه إياها اللّه سبحانه،
حتى أنه يروى أن البعض من المقربين للإمام كان يضبط ساعته على حركة الإمام قدس
سره.
* ما سر بكاء أمير المؤمنين عليه السلام؟
يقول الراوي، أنه في إحدى الليالي رأى أمير المؤمنين عليه السلام يندب ويبكي نفسه،
فوقف ليشاهد كيف يندب الأمير عليه السلام، وبعد لحظات رأى أن الأمير قد ارتفع بكاؤه
وسقط على الأرض ثم لم يقم بعدها، فتوجه نحوه لكي يوقظه فوجده يابساً كالخشبة، فظن
أن الأمير قد مات، فذهب سريعاً باتجاه بيت الزهراء عليها السلام ليخبرها بما قد
رأى، فسألته الزهراء عليها السلام بأي حال كان! فقال لها: كان يناجي اللّه سبحانه
وتعالى، فقالت عليها السلام: إن علياً عليه السلام لم يمت بل هذه ليالي علي عليه
السلام، آه لنا نحن، فهذا أمير المؤمنين عليه السلام، ونحن الغافلون عن كل شيء،
أما الزهراء عليها السلام بعدما تعرضت لتلك الضربة التي أدت إلى كسر ضلعها، فكانت
عليها السلام رغم كل الآلام تقوم الليل، وكانت كلما تقوم تسقط، فتصلي الليل من جلوس
وتمضي الليل بالبكاء والنحيب، فهذا الطريق هو طريق الفقر الدائم إلى اللّه، فكيف
نحن الفقراء الحقيقيين، ففقرنا دائم على مدى العمر مهما طال الزمن والوقت نبقى
المحتاجين.
أسئلة حول الدرس:
1- ضمن أيّ الأحكام الشرعية ينبغي للسالك أن يتحرك؟
2- هل يكون استثمار الوقت من خلال الأعمال المباحة؟
3- إلى أي حدٍ يبقى العمل مباحاً؟
4- ما هو سر دقة الإمام قدس سره مع الوقت؟