يقول الله سبحانه وتعالى في سورة الكهف:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ*فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾.
لقد نزل القرآن الكريم في بيئة من أكثر البيئات تخلفاً، واستطاع أن يبني جيلاً وصل إلى أعلى مراتب الإنسانية ويصنع جواً اجتماعياً من أفضل ما عرفته البشرية في تاريخها.
وفي عملية البناء والتربية كان لا بد من الانتقال بالمسلمين من العادات والتقاليد الفاسدة إلى روح الإسلام وجوهره. وهذا العمل الشاق سوف يُوَاجَه بردة فعل سلبية، لأن الناس أبناء العادات ويشق عليهم تركها دفعة واحدة. فجاء الخطاب الرحماني لطيفاً متدرجاً. وجعل رعاية أحكام الإسلام طريقاً إلى تزكية النفس وطهارتها وسبيلاً للوصول إلى الذكر الحقيقي. فقال عز من قائل:﴿ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ...هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾.
فالعبرة المستفادة من هذه الآيات الكريمات أن الذي يطيع الله سبحانه في أوامره الاجتماعية يصل إلى مقام الذكر والتزكية. وكأنَّ الآية تشير على الإنسان أنه إذا أراد أن يزكي نفسه فلينظر مثل هذه المواقف حيث يتطلب منه أن يدوس على العادات الفاسدة وعلى هوى النفس والكرامة الموهومة. فالعادة كانت وما زالت في يومنا هذا سارية أن الناس يرون رد الزائر أمراً قبيحاً، ويعتبرون أن الذي لا يستقبل زائره في كل الأحوال يكون قد ارتكب أمراً نكراً.
فجاء الإسلام، وبين أن للناس حقوقاً ينبغي مراعاتها واحترامها ومن هذه الحقوق وأعظمها عند الله تعالى: الوقت. فليس وقت الآخرين ملكاً لك حتى تستولي عليه في أية ساعة تشاء. بل ينبغي الاستئذان منهم للحصول عليه والمشاركة فيه وإذا لم يسمحوا لك فذلك حقهم ولا حق لك حتى تستقبح فعلهم هذا.
وبهذه الطريقة يرشدنا القرآن الكريم إلى موضوع في غاية الأهمية وهو أن احترام أوقات الآخرين:﴿وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا....﴾.
من شأنه أن يرجع على الإنسان بالخير والطهارة، لأنه احترم حق الناس وحق الله فيه. وعلى أثر هذا الاحترام والرعاية يلتفت إلى قيمة وقته فيتداركه بالإصلاح والاستفادة.
إن رعاية هذه الحدود الإلهية تعطي قيمة إضافية للمجتمع الإسلامي، وترفع من طاقته لأن الناس عندما يحترمون الوقت يعرفون كيف يصرفونه، فتصبح كل أوقاتهم مفيدة ولا تضيع الجهود سدى.
ومن خلال هذه المسألة التي نراها بسيطة في الظاهر يتربى المجتمع المؤمن على القيم الإلهية العالية ويرتفع في مدارج المعنويات.
والآن إذا نظرنا إلى مجتمعنا الحالي نجد أن الذي يغلب عليه تضييع الوقت بجلسات السمر الكثيرة والطويلة والزيارات التي لا تنتهي، مما جعله مجتمعاً ضعيفاً قليل الإنتاج.
فالسبيل الوحيد لإصلاحه هو معرفة حقوق الناس ورعايتها لأنها حق الله تعالى الذي لا يتسامح فيه أبداً. ولا يقدر على ذلك إلا من عرف سبيله في هذه الحياة وإدراك أن كلمة الله هي العليا والتي لا يعلو عليها شيء.
ويمكننا أن نلخص ما مر بالتالي:
- الله يأمرنا بنبذ العادات الفاسدة.
- وهو سبحانه يأمرنا برعاية حق الناس في أوقاتهم.
- ويخبرنا بأن رعاية هذا الحق تعود علينا بالنفع (التزكية).
- واحترام أوقات الناس من شأنه أن يجعل المجتمع فاعلاً.
- ولا يقدر على أداء حق الله إلا من أدرك العبودية.