إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين آخر الكلام | الضيفُ السعيد

الوقت نعمة إلهية كبرى



* قيمة الزمن‏
لهذا العنوان الصغير أطراف كثيرة من المعاني والمواضيع، تتجاذب الكلام فيها، فللزمن قيمة عند الفلاسفة غير قيمته عند التجار، وغيرها عند المزارعين وغيرها عند الصنّاع، وغيرها عند العسكريين، وغيرها عند السياسيين، وغيرها عند الشباب، وغيرها عند الشيوخ وغيرها عند طلبة العلم وأهل العلم، وغيرها عند الجميع وأهل الإيمان منهم وهكذا... إن نعمَ الله تعالى على عباده كثيرة لا تُحصى، ولا يمكن للبشر أن يُحصوها أو يدركوها على حقيقتها، وذلك لكثرتها، واستمرارها وسيرها وتتابع إنعام الله بها. وتفاوت مدارك الناس لها. يقول تعالى ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّار إبراهيم/34.

*أصول وفروع النعم‏
إن للنعم أصولاً وفروعاً، فمن فروع النعم مثلاً: البسطة في العلم والجسم والمال، والمحافظة على نوافل العبادات، مثل قيام الليل والإكثار من تلاوة القرآن، وذكر الله تعالى، والمحافظة على سنن الأعمال مثل التطيّب للرجال عند الاجتماع، والمصافحة عند اللقاء، ودخول المسجد باليمنى، والخروج منه باليسرى، وإماطة الأذى عن الطريق، وما إلى ذلك من الآداب والسنن والمستحبات، فكل أولئك فروع النعم، وما أجلها من فروع عند عارفيها. أصول النعم: وأمّا أصول النعم فكثيرة أيضاً لا تحصى، وأول أصول النعم: الإيمان بالله تعالى وما جاء من عنده، والعمل بمقتضى ذلك على ما أوجبه الله تعالى وأمر سبحانه. ومن أصول النعم أيضا: نعمة الصحة والعافية، التي منها سلامة السمع والبصر والفؤاد والجوارح وهي محور حركة الإنسان وقوام استفادته من وجوده. ومن أصول النعم أيضا: نعمة العلم، فهي نعمة كبرى يتوقف عليها رقيّ الإنسانية وسعادتها الدنيوية والأخروية جميعاً، فالعلم نعمة جلى، كيفما كان فتحصيله نعمة، والانتفاع به نعمة، والنفع به نعمة وتخليده ونقله للأجيال المقبلة نعمة، ونشره في الناس نعمة وهكذا.

ومن أصول النعم أيضاً، بل من أجل أصولها وأغلاها: نعمة الزمن فالزمن هو عمر الحياة، وميدان وجود الإنسان، وساحة ظلِّه وبقائه ونفعه وانتفاعه، وقد أشار القرآن الكريم إلى عظم هذا الأصل من أصول النعم، وألمع إلى علو مقداره على غيره، فجاءت آيات كثيرة ترشد إلى قيمة الزمن، ورفيع قدره وكبير أثره. قال تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ إبراهيم/32-34. فأمتن سبحانه في جلائل نعمه بنعمة الليل والنهار، وهما الزمن الذي نتحدث عنه ونتحدث فيه، ويمُرُّ به هذا العالم الكبير من أول بدايته إلى نهاية نهايته. وقال تعالى مؤكداً هذه المِنَّة العليا في آية ثانية: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ. فأشار في ختام الآية إلى أن تلك النعم فيها آيات بالغة عند الذين يعقلون ويتدبرون.

تأنيب الله للكفار على إضاعتهم أعمارهم وعدم استغلال النعم: وقال تعالى مخاطباً الكفار ومؤنباً لهم إذ أضاعوا أعمارهم واستبقوا أنفسهم فيها على الكفر، ولم يخرجوا مع امتداد العمر من الكفر إلى الإيمان، وقد آتاهم الله الزمان المديد، والعمر العريض فقال سبحانه: ﴿أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ فاطر/37. فجعل سبحانه التعمير موجباً للتذكير والاستبصار، وميداناً للإيمان والاستذكار، وأقام العمر الذي هو الزمن في حياة الإنسان حجة على الإنسان. كما أقام وجود الرسالة والنذارة حجة عليه أيضاً.

* قَسَمُ الله تعالى بالزمن:
هناك آيات كثيرة فيها التنبيه إلى عظم هذا الأصل من النعم غير التي أسلفناها وحسبك أن تعلم أن الله سبحانه قد أقسم بالزمن في مختلف أطواره في كتابه الكريم، وفي آيات جمّة أشعاراً منه بقيمة الزمن، وتنبيهاً إلى أهميته، فأقسم جلّ شأنه بالليل والنهار، والفجر والصبح والشفق، والضحى، والعصر، فمن ذلك قوله تعالى: ﴿وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ وقوله تعالى: ﴿وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْر وقوله تعالى: ﴿وَالْعَصْر إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ويلاحظ أن كل ما أقسم الله عليه بالزمن، كان هاماً في أعلى درجات الأهمية.

* عما نُسألُ يوم القيامة:

رواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله تقول: "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه وشبابه فيما أبلاه وعن ماله من أين كسبه وفيما أنفقه وعن حبنا أهل البيت". فالسؤال الأول "عن عمره فيما أفناه" والسؤال الآخر "وعن شبابه فيما أبلاه" فغدا سيقول الله تعالى لنا مخاطباً إنني أعطيتكم العمر والشباب و... إلى أين وصلتم وأين قضيتم عمركم وشهواتكم؟ أين أسرفتم طاقاتكم؟ أين..؟ هل ذهبتم خلف الشهوات الواهمة الزائلة؟ وهذه الأسئلة ليست مختصة بالشباب الذين أضاعوا أعمارهم بل يشمل الجميع ولكن هذه المرحلة من العمر لعلها من أنعم المراحل حيث تقول الروايات: "يصعد من مكان سجود الشاب نور يتلألأ إلى السماء، فتقول الملائكة ما هذا النور الذي يصعد من الأرض إلى السماء. فيقول الله تعالى متفاخراً بذلك على الملائكة: إن هذا النور يصعد من الأرض كلما وضع الشاب رأسه على الأرض ليسجد فهذا النور هو نور سجدة الشاب".

فالزمن هنا لا يتسع كثيراً فمهلته هي بمقدار هذا العمر القصير والسؤال الثالث هو عن المال من أين اكتسبه وفيما أنفقه؟ هل أفنيت عمرك وراء الحلال أم الحرام؟ وأين أنفقت ذلك؟ إنما السؤال الرابع هو "عن حبنا أهل البيت" فالسؤال عن محبة أهل البيت عليهم السلام، كيف كانت علاقتك بعلي عليه السلام: كيف كانت مع الزهراء عليها السلام كيف كانت مع الحسن ومع الحسين عليه السلام مع إمام الزمان‏ عجل الله فرجه الشريف؟ في زمان غيبة صاحب الزمان عجل الله فرجه الشريف ماذا هيأت لظهوره؟ كيف أبرزت محبتك لصاحب الزمان هل كانت محبته لسان فقط أم لساناً وعملاً معاً؟ فالأسئلة كثيرة وكثيرة وكلها تعود إلى هذا السؤال؟ هل كنت في وادي الملكوت أم في وادي الملك؟ في أي طرف كنت؟ في الجانب الحيواني من وجودك أم في الجانب الملائكي؟
ما هو الجواب غداً؟...


أسئلة حول الدرس
1- كيف يكون الوقت من النعم الإلهية على الإنسان؟
2- أذكر آية تدل على أهمية الوقت؟
3- ما هي أهم الأمور التي يُسأل عنها الإنسان يوم القيامة؟
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع