سارة الموسوي خزعل(*)
قد يتبادَر إلى الذهن أحياناً وجود تناقض ما بين الأحاديث
الشريفة الواردة عن الرسول وأهل بيته عليهم السلام وبين ما توصّلت إليه الدراسات
الحديثة اليوم لجهة تناول الملح وفوائده. إذ تحثّ الأحاديث على تناول الملح (ابتداء
الطعام به والاختتام به)، وتبيّن فوائده الجمّة لجسم الإنسان، بينما يشجّع العلم
الحديث على الحدّ من تناوله لما له من آثار سيّئة على الصحة. فهل هناك تناقضٌ حقاً؟
*الملح في حديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم
كان فيما أوصى به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليّاً عليه السلام أنّه قال:
"يا عليّ افتتح طعامك بالملح، فإنّ فيه شفاءً من سبعين داءً، منها الجنون
والجذام والبرص، ووجع الحلق، والأضراس، ووجع البطن"(1).
*الملح المقصود في حديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم
إنّ الملح المقصود في الحديث يختلف عن الملح الذي هو في متناول أيدينا اليوم والذي
يسمّى "ملح الطعام". ويتفاوت الملح، بناءً على هذا، في درجة الفائدة.
فملح الطعام هو ملح مكرَّر؛ إذ إنَّ الملح الذي يُسمَّى اليوم "الملح الخشن" أو
"الملح البلوري" أو "ملح همالايا" يخضع لعمليّات تكرير عديدة بعد استخراجه من
مصدرَيْه الأصليين "البحر" أو "مناجم الملح" ليتحوَّل إلى ملح الطعام. ومن خلال
عمليَّة التكرير يتمّ انتزاع بعض المعادن منه، وهي التي تعطيه طعماً مرّاً، ثم تضاف
إليه مضادّات التكتّل، للتقليل من تكتّله عند التعرّض للرطوبة.
إذاً، الملح الأصلي يحتوي على كلورايد الصوديوم ومعادن عديدة منها: الكالسيوم -
الماغنيزيوم - النحاس - الكوبالت - الرصاص - الكادميوم(2) وغيرها.
وأمّا التكرير فيؤدّي إلى التخلّص من كافّة هذه المعادن، وبقاء عنصري الصوديوم
والكلورايد فقط، بنسبة 97 - 99 % في الملح، كما يؤدّي إلى إضافة مضادات التكتّل
إليه؛ مثل "السيليكو ألومينيت" أو "كربونات الماغنيزيوم".
وقد أثيرت بعض المخاوف بشأن الآثار السامّة المحتملة من الألمنيوم (العنصر المتواجد
في بعض مضادات التكتّل)، خاصّة لجهة زيادة مخاطر الإصابة بالخَرف.
*خصائص الملح البلّوري العامّة
1 - يدخل في معظم التفاعلات الحيويّة في جسم الإنسان، والتوازن الأيونيّ لخلايا
الجسم.
2 - هو عنصر أساس للحفاظ على نسبة السوائل والماء، في جسم الإنسان.
3 - يحافظ على التوازن القلويّ الحمضيّ للجسم.
4 - أثبت الخبراء أنّ غالبيّة العناصر المعدنيّة، والأملاح التي يحتويها الملح
البلّوري ذو اللون البرتقالي الشاحب، يحتويها أيضاً الدم، مثل المنغنيز والكالسيوم.
*فوائد الملح
أ- أهميّة الملح للدماغ:
- لقد أثبتت دراسة على الفئران أنّ الامتناع عن الملح يؤدّي إلى تدهور الذاكرة
الاجتماعيّة والأداء الإدراكي لدى الفئران(3).
- في دراسة على كبار السنّ حول أهميّة الملح، ثبت وجود علاقة إيجابيّة بين الملح
(كلورايد الصوديوم) وبين عمل الجهاز العصبيّ والإدراك(4).
وكان فيما ذكر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في أهميّة الملح، أنّه يقينا من داء
الجنون، والذي يُسمّى اليوم بداء الخرف أو الألزهايمر، وهو ناتج عن تعطّل بعض وظائف
الدماغ بسبب تلف الخلايا العصبيّة. ممّا يبرز تفوّق العلم المكنوز لدى أهل البيت
عليهم السلام وأسبقيّته.
ب- أهميّة الملح للجهاز التنفسيّ:
لقد تمّ تصنيف الملح كمادة مهمّة لتطهير الرئتين من البلغم، خاصة في حالات الربو
والتليّف الكيسيّ.
وبالتالي يداوي الملح أعراض الأمراض التنفسيّة، ومنها وجع الحلق، الذي ذكره الرسول
صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث.
ج- أهميّة الملح للجهاز الهضميّ:
أظهرت دراسة في "جامعة يل" الأميركيّة، أنّ التوازن بين امتصاص السوائل وإفرازها في
الأمعاء يعتمد على عنصر الكلورايد الموجود في الملح، لأنّ الاختلال في هذا التوازن،
يؤدّي إلى تعطّل حركة الأمعاء أو إلى إسهال مميت.
والنتيجة أنه في حال اختلّ توازن الملح في الجسم، سيتأثّر أيضاً عمل الجهاز الهضميّ
(الأمعاء).
*من وجهة نظر العلم
أ- لماذا نبدأ به؟
فالملح كما تبيّن له فوائد عديدة، وإن لم نستطع حصرها، وهو وحده أو في الطعام له
هذه الفوائد، ولكن لماذا التشديد على البدء بالملح في الحديث الشريف؟
لقد وجد أن الملح يدخل في إنجاح عمليّة الهضم الصحيّ وذلك بتهيئة الفم لاستقبال
الطعام بعد اكتمال الإفرازات الضروريّة المساعدة للمضغ والهضم والاستفادة دون أضرار
من الغذاء، وذلك لأنّه:
1 - يحفّز الغدد الموجودة في الفم.
2 - يدخل في تركيبة اللّعاب.
3 - يؤدّي إلى رفع مستوى كفاءة "أنزيم الأميليز" الهاضم للنشويات من خلال تأمين
البيئة المناسبة له (PH=7) ليقوم بدوره بكفاءة عالية(5).
ب- لماذا الختم به؟
تقول صاحبة كتاب Childhood leukemia)6): إنّ المخمضة
بالملح أمر جيد لأنها تؤمن البيئة القلويّة للفم، وبالتالي تساعد في تقليل كميّة
البكتيريا في الفم، لأنّ البكتيريا تحبّ البيئة الأسيدية (PH<7) وبالتالي، هذا
الأمر يؤدّي إلى تقليل خطر تسوّس الأسنان، وما ينتج عنه من أوجاع.
إذاً، أن تختم طعامك بالملح، معناه أن تطهّر فمك، ويجنبك، أيضاً، تسوّس الأسنان
ووجع الأضراس - كما في الحديث الشريف.
*مساوئ الإفراط في تناول الملح
أذكر لكم بعض ما توصل إليه العلم الحديث في هذا المجال.
1 - لقد تم تصنيف "الإفراط في تناول الملح"، كأحد الأسباب الرئيسة لمرض ارتفاع
الضغط، وذلك في التقرير حول الحماية الأوّليّة من ارتفاع الضغط الذي تمّ برعاية
الهيئة الطبيَّة الأميركيَّة(7).
2 - في التقرير السادس للجنة (INCVI) تمّ إدراج مجموعة من العادات الجديدة للوقاية
أو لعلاج مشكلة ارتفاع الضغط، وكان من ضمنها؛ تخفيض استهلاك الملح إلى أقل من 6غ/
اليوم (السوديوم> 2،4غ)؛ أي أقلّ من ملعقة صغيرة من الملح.
*النتيجة: فائدة أم ضرر؟
وفي مطالعة لفوائد الملح الجمَّة وأضراره، نرى أنَّ الاعتدال فيه هو المطلوب. ونحن
كأخصائيّي تغذية اليوم، شديدو الحرص على إبراز مخاطر الملح دون فوائده؛ وذلك نتيجة
للواقع الغذائي اليوم؛ إذ إن الأطعمة الحاليّة غنيّة بالملح مقارنة مع الغذاء في
الأزمنة السابقة، بل إنّ النسبة الأكبر منه تأتي من مكوّنات الطعام والتي تكون في
الغالب جاهزة أو محضّرة خارج المنزل: كصلصة الطماطم- صوص الصويا- المعلّبات على
أنواعها- مكعبات الخضار أو الدجاج، أضف إلى ذلك المأكولات الجاهزة...
والنتيجة، الملح كما غيره من الأغذية، له فوائد عديدة، فلكلّ شيء حدّ، وما يزيد
عن حدّه مضرّ.
(*) أخصائية التغذية
1- المحاسن، البرقي، ص425.
2- Saylack M… Envirom montil assess, (Heavy metals contents of refined and
unrefined table satls) 2008 Aug; (1-3): 267-72. Epub 2007 Sep 16.
3- sep; 40: 91-5 (Italy)
4- إن قدرة إنزيم الأميليز في اللعاب على الهضم تكون في أقصاها عندما تكون البيئة
قلوية.
5- Childhood leukemia: Aguide for families and care gives 4thed 2010 by Nancy
Keane.
6- L.kathleen M…: Krauses food Nutrition & Diet Therapy, 11thed, p: 905,box
36-2.
7- (م.ن)، box 36-3.
مليانة الجزاءر
قادة خيرالدين
2021-05-06 15:06:57
اللهم صل على محمد وال محمد و عجل فرجهم و العن اعداءهم امين رب العالمين