السيّد علي عبّاس الموسوي
في بداية كلّ شيء سرور الإنسان. والجديد الذي يأتي يأخذ
من الإنسان عقله ويسلبه اهتمامه، فلا يبالي بعد ذلك بترجيح ما يفيده على ما يضرّه.
ولكنه عندما يبلى الجديد وبمرور الأيام ينتقل هذا الجديد لكي ينضم إلى جديد سبقه
وليأخذ الجديد الوافد مكانه ومكانته.
وهكذا فلينظر كلّ واحد منّا إلى حياته فسيجدها بوضوح أنها جديد يسرّك قدومه ثمّ
يبلى ويكون سرورك بجديد آخر. والعاقل من ينظر إلى ما ينفعه ويتزوّد ممّا يصله إلى
يوم فقره وفاقته.
يسعى الإنسان على الدوام إلى استكشاف مستقبله ومصيره. وما يقلقه في الحياة هو أنّ
الجديد المنتظر قد يكون عليه لا له، وقد يكون لما يراه ضرراً على وجوده أو نقصاً في
كماله، فيحذره، ويعيش الحذر. ولا يمكن تفسير الميل الإنسانيّ إلى أخبار المتنبّئين
إلّا بهذا القلق من المجهول.
والمواعظ الإلهيّة التي تكرّرت في القرآن الكريم نبّهت الإنسان دوماً إلى الخطر
المحدق به من الغفلة، كما كشفت له عن المستقبل بوضوح، ورفعت عنه المجهول المزعج.
شكّلت النهاية الموعودة للإنسان، كمصير حتميّ لا مفرّ منه، نقطة أساس في الموعظة
الإلهيّة، فليأخذ الإنسان بعين الاعتبار هذه النهاية وليعدّ العدّة لها.
وهذه النهاية المتمثّلة بالموت ليست اعتقاداً دينيّاً فقط، أو تعليماً سماويّاً، بل
هي واقع قائم يعيشُه الإنسان، مهما كانت ديانته ومهما كانت رؤيته للحياة.
ولكنّ الاختلاف يرجع إلى تفسير ظاهرة الموت، فهل هي جديد في حياة الإنسان، يعني
النهاية، أم أنّها جديد من نوع آخر، جديد يحمل انتقالاً من عالم إلى آخر؟ فتفسير
الأديان لهذا الجديد أنّه انتقال وأنّ هذا الجديد لا يبلى ولا يفنى، فإن كان جديد
خير فهو خير دوماً وإن كان جديد شر فهو شرّ دوماً.
إذاً، على الرغم من اعتراف الكلّ بأنّ الموت يعني النهاية، ولكن يبقى أنّه نهاية
مرحلة أو نهاية تامّة، ومهما يكن التفسير المتبنّى، فإنّ المتفق عليه أنّه سوف
يشكّل نهاية هذه الحياة الدنيا.
ولكن، هذه النهاية تمتاز بأمر هو أنّها مجهولة الحين، فلا يدرك إنسان متى تحين
نهايته ولا تدري نفس متى يكون أجلها وكيف يكون، وهذه المجهوليّة هي التي تتيح
للإنسان أن يحيا، ويجهد، ويسعى ويكدّ.
ولكنّ المواعظ الإلهيّة التي تعتمد على عنصر الموت كواعظ كافٍ لهذا الإنسان ترشده
دوماً إلى أنّ هذه المجهوليّة ينبغي أن تكون حافزاً على الحضور الدائم والمستمرّ
للمرحلة اللاحقة، وهنا يكون لتفسير النهاية تأثيره على سلوك الإنسان. فمن يعتقد
بالعالم الآخر، سوف يكون همّه التزوّد لذلك العالم. ولذا، كان الإنسان على سفر
دائم، وهذا السفر ينقطع بالموت.
وعندما يصف الله عزَّ وجلَّ النعم التي تفضّل بها على الإنسان في هذه الدنيا بأنّها
رحمة منه، لأنّها لا ترتبط فقط بالعيش في هذه الدنيا، بل هي رحمة لأنها ذخيرة
يتمكّن الإنسان من التزوّد فيها للآخرة، فالمسافر يقتات في سفره ويجمع من الربح ما
أمكنه ممّا ينفعه في آخرته، وهكذا يظهر بوضوح مفاد الموعظة الإلهيّة للإنسان بأنّه
يعيش في رحمة الله ويتمتّع بنعم الله ولكنّه كلّه إلى حين:
﴿وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا
صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنْقَذُونَ*إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتَاعًا إِلَى
حِينٍ﴾(يس: 43-44).
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.