الشيخ علي حجازي
ثمّةَ فَرْقٌ بين الصدقة والهديّة والهبة. فالصدقة ما كان فيها قصد القربة.
والهدية ما كانت لتعظيم المُهْدَى إليه. والهبة ما خلا من هذين القيدين. والكلام عن
الهبة والهديّة معاً، فلا فرق بينهما في المسائل التالية:
-1 البلوغ والعقل:
أ- يشترط في الواهب البلوغ والعقل، فلا تصحّ الهبة من الصغير والمجنون إلّا إذا
أجاز وليّهما الشرعيّ. وكذلك لا يجوز شرعاً التصرّف في الهدية التي يهديها اليتيم
غير البالغ إلّا بإجازة وليّه الشرعيّ.
ب- يشترط في الموهوب له البلوغ والعقل، فلا تصحّ الهبة للصغير والمجنون إلّا بقبول
الوليّ الشرعيّ.
-2 القصد:
يُشترط القَصد في الواهب والموهوب له، فلو لم يكن القَصد موجوداً لا تصحّ الهبة،
فلو وهب النائم أو السكران أو الهازل... فلا تصحّ الهبة.
-3 الاختيار:
يشترط الاختيار والإرادة في الواهب والموهوب له، فلو أُكره شخصٌ على الهبة فلا
تصحّ، ولو أُكره الموهوب له على القبول لا تصحّ أيضاً. ولو أنّ الزوجة وهبت مهرها
لزوجها تحت الضغط والإكراه فلا تصحّ الهبة، ولا يجوز للزوج التصرّف في هذا المال،
بل هو بحكم المغصوب يجب عليه ردّه إلى زوجته. كما لا يجوز أن يُجبر الأب ابنه أو
ابنته على هبة المال له، فلو أخذ المال منهما من دون إذنهما أو رضاهما فلا يجوز له
التصرّف في المال، لأنه بحكم المغصوب حينئذٍ.
-4 القبض:
أ- يتشرط في صحّة الهبة القبض فلو لم يتحقق القبض لم تتمّ الهبة، ويجوز الرجوع عنها
كذلك.
ب- لو مات الواهب أو الموهوب له بعد عقد الهبة وقبل القبض تبطل الهبة.
ج- إذا وهب شخص مالاً لآخر، وكان المال في البنك، فلا يكفي لتملّك الموهوب له للمال
توقيع الشيك وتسلّمه، بل ما تمّ سحبه من البنك حال حياة الواهب يصير ملكاً للموهوب
له، وما لم يسحبه يبقى على ملك الواهب؛ لأنّ أخذ الشيك لا يُسمّى قبضاً فلا تكون
الهبة صحيحة إلّا بقبض المال، ويجوز لصاحب الشيك أن يُلغي الهبة بما لم يقبض
الموهوب له المال.
-5 الهبة اللازمة والجائزة:
إذا تمّت الهبة وحصل القبض فتكون الهبة لازمة (لا يجوز الرجوع فيها بدون رضا
الموهوب له) في موارد، منها:
أ- أن تكون الهبة لذي رحم كالأب والأم والأخ والابن والبنت وغيرهم، فعندها لا يجوز
للواهب الرجوع في الهبة.
ب- أن تكون معوَّضة بشيء، فتكون لازمة.
ج- إذا تصرّف الموهوب له في الهبة بما أدّى إلى إتلافها، أو باعها أو وهبها لآخر أو
استبدلها، أو تغيّرت العين الموهوبة ما لو وهبه الحنطة فطحنها... ونحو ذلك، فتكون
الهبة لازمة لا يجوز للواهب الرجوع فيها.
د- إذا كان الواهب قد قصد القربة إلى الله تعالى فلا يجوز الرجوع.
في غير هذه الموارد تكون الهبة جائزة يجوز فيها للواهب الرجوع في هبته، ويجب على
الموهوب له أن يردّها.
-6 الهبة بين الزوجين:
إذا كانت بين الزوجين صلة رحم فتكون الهبة بينهما لازمة. وإذا كانا أجنبيّين بلا
صلة رحم تكون الهبة بينهما جائزة، يجوز لكلّ منهما الرجوع في الهبة إذا كانت عينها
باقية.
-7 هدايا أهل الزوجة:
إذا أتت الزوجة بأشياء من بيت أهلها، أو كانت ممّا اشترتها الزوجة لنفسها، أو وُهبت
لها خاصّة، فهي ملك للزوجة، ولها المطالبة بها (كما عندما يطلّقها زوجها) لو كانت
هذه الأشياء موجودة. وأمّا ما كان هبة من أهلها وذويها لصهرهم (للزوج) فليس لها
مطالبة الزوج بها، بل يكون أمر هذه الأموال إلى من وهبها للزوج (أي أهل الزوجة)،
فمع بقاء الأموال وعدم وجود صلة رحم جاز لهم فسخ الهبة واسترجاعها.
-8 هبة الأب أو الأم:
لو وهب أحد الوالدين قطعة أرض (أو غيرها) لأحد الأبناء أو البنات ثمّ ندم على ذلك،
فإن كان الندم بعد قبض الأرض واستيلاء الولد عليها فتكون ملكاً للولد شرعاً، ولا
يصحّ من الوالد الرجوع عن هِبتها له. وأمّا إن كان ندمه ورجوعه قبل قبض الأرض منه،
فيصحّ منه العدول عن هذه الهبة. ومجرّد تسجيل الأرض باسم الولد في الوثيقة لا يكفي
لتحقّق القبض المعتَبر شرعاً في الهبة.
-9 هبة الأرض:
إذا وهب غير ذي الرحم أرضاً لآخر، وقد حصل القبض والإقباض، وقد تصرّف الموهوب له في
الأرض بالبناء عليها، فليس للواهب فسخ الهبة واسترجاع الأرض. وإذا كانت مساحة الأرض
الموهوبة بحيث كان إنشاء البيت في جزء منها يعدّ - عرفاً - تصرّفاً في الجميع بنظر
أهالي المنطقة، فلا يحقّ للواهب استرجاع شيء منها.
-10 الهبة مع غير المسلمين:
تجوز وتصحّ الهبة مع غير المسلمين، ولا مانع من ذلك في نفسه، ما لم يترتّب عنوان
ثانويّ يمنع من ذلك.
-11 الهدايا لعوائل الشهداء:
الهدايا لعائلة الشهيد توزّع عليهم كلّاً أو بعضاً وبالتساوي أو التفاوت بحسب قصد
المعطي إذا كان شخصاً حقيقياً. وأما إذا كان من مؤسسة أو نحوها فتوزّع عليهم بحسب
مقرراتها.
-12 مخالفة الشرع أو القانون:
إذا كان تقديم الهدايا بهدف الوصول إلى أمر مخالف للشرع أو القانون، أو بهدف
استمالة المسؤول القانونيّ للموافقة على ما ليس له الموافقة عليه، فلا يجوز أخذها،
بل يجب ردّها والامتناع عن أخذها.
-13 هبة ما لا يملكه الواهب:
إذا وهب الشخص مال غيره بدون إذنه، تقع المعاملة فضوليّة، فإن أجازها صاحب المال
صحّت، وإن لم يجزها لا تصحّ.
-14 قصد القربة:
إذا كانت الهبة بقصد القربة (وهي الصدقة) فتكون لازمة، ولا يحقّ للواهب الرجوع
فيها.