مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

عقيدة: أساليب القرآن في دراسة مسألة المعاد (1)


آية الله الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي


للقرآن الكريم أساليب متنوعة في تناول مسألة المعاد ومناقشة المنكرين له. فهو من ناحية يجرّد المنكرين من سلاحهم ويبيّن لهم إنكم لا تملكون برهاناً على نفي المعاد، فأنتم من دون دليل "تستبعدون" تحقّقه فحسب. ومن ناحية أخرى يجيب على الشبهات التي قد تكون منشأ لتوهّم كون المعاد من المستحيلات ويثبت إمكان وجوده. ومن ناحية ثالثة يذكر نماذج من إحياء الموتى في هذا العالم، وبالتالي فإنه يقيم البرهان على ضرورة المعاد. ونحن نستعرض هذه الأساليب بالترتيب ومن الواضح أنّ‏َ هذا التريب قد اعتمدناه حسب ما تقتضيه الدراسة المنطقية، لا إنه قد عيَّنه القرآن، وذلك لأن بيان القرآن يتناسب في كل مورد مع ما يقتضيه وضع جماعة من المنكرين أو الموسوسين أو أصحاب الشك والشبهات، وليس هو في مقام تعيين ترتيب خاص في أساليب البيان وتسلسل الدراسة.

1- تجريد المنكرين من سلاحهم:
يقول الله تعالى في كثير من الآيات إن المنكرين للمعاد لا يملكون دليلاً يثبت مدّعاهم: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (1). نلاحظ أنه يقول في الآية إنهم في ادعائهم لا يملكون سوى الظن والخيال. ﴿إنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (2). أي لن يعود!

وهناك آية أوضح من هاتين الآيتين وهي في سورة الجاثية حيث ينقل تعالى زعم الكافرين أولاً ثم يعقب عليه إنه ادعاء بغير دليل وبلا أساس:
﴿وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (3).
﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآَبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِين(4).
﴿قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ(5).
والمقصود من الاستشهاد بهذه الآية هو التذكير بـ"ما لهم بذلك من علم" فهم فارغون من العلم بما يدّعون، ولا يعرفون في مقام الاحتجاج غير قولهم إحيوا السابقين منا حتى نسلّم لكم، وهم يشبهون أصحاب الاتجاه الوضعي في زماننا والذين يقولون "حقق لي حتى أقبل منك"!
﴿إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُنْشَرِين (6).
﴿َأَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ(7).
﴿أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ(8).
﴿أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ (9).
﴿وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ أَوَآَبَاؤُنَا الْأَوَّلُون(10).
﴿وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آَمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ(11).
﴿وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِين(12).
﴿يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَة أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً(13).
﴿وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ(14).
﴿وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ(15).

وتبيين العلاقة بين المعاد وهذا الاتهام بالسحر يكون بهذا الشكل وهو:
إن هؤلاء متمسكون بهذا الاعتقاد الباطل ومصرّون عليه بحيث يقولون: لو أننا شاهدنا مثل هذا الأمر لأنكرناه وقلنا بأنكم تسحرون أعيننا.

2-دفع الشبهات:
إن الشي‏ء الوحيد الذي يمكن تقديمه على أساس كونه حجة على نفي المعاد وإن كان ذلك لم يُبيّن في القرآن صراحة بهذه الصورة هو الشبهة الفلسفية في إعادة المعدوم ومضمونها: إنّ‏َ الإنسان إذا مات وانعدم فلو تمّ إحياؤه مرة أخرى فسيكون موجوداً جديداً وليس هو ذلك الأول، إذاً من المستحيل عقلاً أن يتم مرة أخرى إيجاد الشي‏ء الذي انعدم من قبل بحيث يكون هو بنفسه. وقد ذكرنا من قبل إنّ‏َ هذه الشبهة يحتمل أن تكون المقصودة من هذه الآية الكريمة: ﴿وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ(16).

لأنه في هذه الآية يوجد احتمالان:
1- أن تكون من قبيل الاستبعادات الواردة في الآيات الأخرى.
2- أن يكون المقصود بها هو شبهة إعادة المعدوم. أي لعلّ‏َ بين المنكرين للمعاد في تلك الأحقاب السابقة التي يتحدث عنها القرآن أفراداً من أهل الاستدلال أيضاً، وكانت تواجههم هذه الشبهة. وإذا كانت هذه الشبهة مطروحة عندهم فجوابها هو ما ورد في الآية من أنكم لا تنعدمون فلا إعادة للمعدوم أساساً وإنما هو انفصال للروح عن البدن، وعودتها إليه ليس أمراً مستحيلاً.

 ومن المحتمل أن تكون هناك شبهات أخرى لا تتميز بالصيغة الفلسفية وإذا حاولنا صياغتها بصورة منطقية منظّمة فإنه يمكن إعادتها إلى أحد شيئين:
1- إنّ‏َ كل أمر يحتاج في وقوعه إلى فاعل يقوم به وإلى قابل يقبله. وبناءً على هذا فإذا أردنا للمعاد أن يتحقق وتعود الروح مرة أخرى فلا بدَّ من وجود شخص يتمتَّع بهذه القدرة وهي أن تكون الأرواح تحت تصرفه حتى يعيدها إلى الأبدان من ناحية، وهذا وحده لن يكون كافياً بل لا بدَّ للبدن أيضاً أن يكون من الممكن إحياؤه مرة أخرى. إذاً هناك شرط يتحتَّم توفّره في الفاعل وشرط آخر في القابل. والشبهة قد تظهر ها هنا، فالبدن المتبعثر والذي أصبح تراباً لا يتمتع بهذه القابلية، فالفاعل مهما كان قادراً فإنّ‏َ المادة غير قابلة! ولله جلّ‏َ جلاله بيانات متنوعة لرفع هذه الشبهة ومن الواضح أن هذا التنظيم هو حسب تفكيرنا ولم يرد في القرآن بهذه الصورة، وإنما هناك طائفة من الآيات تتناسب مع مثل هذا المقام. من جملتها: إن عليكم أن تتأملوا في هذا العالم ففيه مواد كثيرة لا تتميّز بالحياة ثم يمنحها الله الحياة، إذاً ما المانع من إيجاد نظام يتمّ فيه إحياء جميع الموتى في نشأة أخرى؟

والله سبحانه يشير في آيات عديدة إلى إحياء النباتات فيقول:
﴿وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ(17). أي إننا بيَّنا كيف يتمّ إحياء الأرض من أجل تذكيركم بأن المعاد ممكن أيضاً. ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ(18). ﴿يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ(19). وتلاحظون إنه في كثير من الآيات يُعبّر عن القيامة ب"الخروج" و"الإخراج"، ومن الواضح إنه تعبير مجازي وهو كناية عن الإحياء بعد الموت. ولكن المنحرفين وحسب تعبير القرآن "مَن في قلوبهم زيغ" يقولون إن المقصود من الخروج هو أن يخرج الإنسان من أعماق الطبيعة! ﴿فَانْظُرْ إِلَى آَثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20). ﴿وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ(21). ﴿وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (22). ﴿وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ(23). ﴿.. وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ (24). ومن مجموع هذه الآيات نفهم أن إحياء الأموات أمر ممكن. ولذلك أسباب يوفرها الله سبحانه، فهذه الآيات لدفع هذه الشبهة وهي إن المادة الميّتة ليست قابلة للإحياء، ويجيب عليها بأنها قابلة لذلك.

2- والشبهة الأخرى تتعلق بالفاعل، أي مع التسليم بأن من الممكن إحياء الأرض الميتة فمَن الذي له القدرة على مثل هذا الفعل؟
ولرفع هذه الشبهة وإثبات أن لله سبحانه مثل هذه القدرة وردت آيات كريمة تتناسب مع هذا الأمر:
﴿فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا (25).
﴿أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (26).
﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآَخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
(27).
﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (28).
وفي الآية 79 من سورة يس بعد أن يذكّر بعدم شكر الإنسان يقول تعالى: ﴿قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ .
﴿أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ(29).
﴿فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ(30).
﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ(31).
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ...(32).
﴿أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى(33).
﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ(34).
﴿أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ (35).
﴿قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ(36).
ألا يستطيع مثل هذا الخالق أن يحييه بعد الموت إذا أراد ذلك؟
﴿َخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ(37).
﴿أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا(38).
﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لَا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُورًا(39).

لعلَّه يبدو لقارئ‏ هذه الآية في بداية الأمر أنّ‏َ المقصود منها أناس آخرون غير هؤلاء الناس الموجودين، إلاَّ أنه مع قليل من الدقة يعلم أن هذا ليس هو المقصود لأن أحداً لم يقل إنّ‏َ الله لا يستطيع خلق أناس آخرين وإنما المنكرون يزعمون إنّ‏َ الله لا يستطيع أن يحيي هؤلاء الناس أنفسهم مرة أخرى. ﴿أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ(40). ففي هاتين الآيتين استعمل هذا التعبير "يخلق مثلهم" مكان الإحياء. ﴿فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ(41). ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(42). فقد استدلّ‏َ في هذه الآيات من طريقين على أن الله قادر على إحياء الموتى: أحدهما عن طريق قدرة الله على خلق الناس أول مرة. والثاني عن طريق قدرته تعالى على خلق السموات والأرض كل العالم. أجل، إنّ‏َ جميع هذه الآيات واردة لدفع هذه الشبهة وهي: من الذي يتمتّع بالقدرة على إحياء الناس من جديد؟ والجواب هو: نفس من منح الناس الحياة في البداية، وهو الذي خلق هذا العالم بكل عظمته.

دفع شبهة أخرى:
ومن جملة الشبهات هذه الشبهة القائلة: عندما يريد الله إعادة الروح إلى البدن فمن أين يعلم أيَّة روح تتعلَّق بأي بدن، وذلك لأن الأبدان لم يتبقّ شي‏ء منها. وبالإضافة إلى ذلك فإنّ‏َ الإحياء وإعادة الحياة يكون من أجل الوصول إلى نتائج الأعمال السابقة فكيف يعلم الله هذه الأكداس المتراكمة من أعمال المخلوقات؟ أي كيف يعلم إنّ‏َ هذا الشخص مثلاً ماذا عمل؟ أجل إنّ‏َ الشبهة في الواقع تتعلق بالعلم، أي بعد أن عرفنا أن لله القدرة على ذلك أن للمادة أيضاً إمكان قبول الروح من جديد فإنّ‏َ العلم بأنّ‏َ هذه الروح تتعلق بأي جسم يقع مورد الشبهة.

وهناك آيتان تتضمنان بياناً متناسباً مع هذه الشبهة:
إحداهما تنقل قولاً عن فرعون عندما دعاه موسى إلى الدين الحق الذي قوامه بالتوحيد والمعاد:
﴿قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى(43). ويشبه هذا السؤال تلك الأسئلة المنقولة عن سائر منكري المعاد: "أوَ آباؤنا الأوَّلون"؟، ولكنه من خلال الجواب يمكن استنباط أنّ‏َ جهة السؤال مختلفة، فالجواب لفرعون هو: "قال علمها عند ربي في كتاب لا يضلّ ربي ولا ينسى"، إذاً جهة السؤال هي: من الذي يعلم أيّ بدن يتعلق بأي إنسان مع أنه لم تبق أية علامة مشخَّصة؟ والحاصل: إن الله يعرف أبدان الجميع ويعرف أعمالهم أيضاً. والأخرى هي الآية 4 من سور ق حيث يقول بعد نقله لشبهة المنكرين المدَّعين إنّ‏َ العودة إلى الحياة أمر بعيد: "قد علمنا ما تنقص الأرض منهم وعندنا كتاب حفيظ". ويمكن الاستنباط من هذه الآية أن شبهتهم أو على الأقل أحد وجوه شبهتهم تتعلق بالعلم. فالآية تجيب بأننا نعلم مقدار ما تنقص الأرض منهم أي مقدار ما يصبح منهم تراباً فعندنا لوح محفوظ قد سُجلت فيه كل الأشياء.


(1) سورة ص، الآية 27.
(2) سورة الانشقاق، الآية 14.
(3) سورة الجاثية، الآية 24.
(4) سورة الجاثية، الآية 25.
(5) سورة الجاثية، الآية 26.
(6) سورة الدخان، الآيات 34 36.
(7) سورة الصافات، الآية 16.
(8) سورة الصافات، الآية 53.
(9) سورة ق، الآية 3.
(10) سورة الواقعة، الآيتان 47 48.
(11) سورة الأحقاف، الآية 17.
(12) سورة المطففون، الآيتان 12- 13.
(13) سورة النازعات، الآيتان 10 - 11.
(14) سورة يس، الآية 78.
(15) سورة هود، الآية 7.
(16) سورة السجدة، الآية 10.
(17) سورة الأعراف، الآية 57.
(18) سورة الحج، الآية 5.
(19) سورة الروم، الآية 19.
(20) سورة الروم، الآية 50.
(21) سورة فاطر، الآية 9.
(22) سورة فصّلت، الآية 39.
(23) سورة الزخرف، الآية 11.
(24) سورة ق، الآية 118
(25) سورة الإسراء، الآية 51.
(26) سورة العنكبوت، الآية 19.
(27) سورة العنكبوت، الآية 20.
(28) سورة الروم، الآية 27.
(29) سورة ق، الآية 15.
(30) سورة الطارق، الآيات 5 - 8.
(31) سورة الواقعة، الآية 62.
(32) سورة الحج الآية 5.
(33) سورة القيامة، الآيات 36 -40.
(34) سورة المؤمنون، الآية 15.
(35) سورة المرسلات، الآية 20.
(36) سورة عبس، الآيات 17- 19.
(37) سورة غافر، الآية 57.
(38) سورة النازعات، الآية 27.
(39) سورة الإسراء، الآية 99.
(40) سورة يس، الآية 81.
(41) سورة الصافات، الآية 11.
(42) سورة الأحقاف، الآية 33.
(43) سورة طه، الآيتان 51 - 52.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع