مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

أول الكلام: أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ


السيّد علي عبّاس الموسوي


لا شكّ في أنّ الإنسان يعيش في ظلّ المفاهيم التي ينشأ عليها. وهذه المفاهيم يقوم بزرعها في نفسه الأهلُ أوّلاً والمجتمعُ والبيئةُ المحيطةُ به ثانياً، وإن كان الأهل بدورهم يخضعون لتأثير البيئة أيضاً.

وهذه المفاهيم كما تحدّد المسارات التي يختارها الإنسان في حياته، وكما تحدّد طريقة العيش ونمط التعامل مع الآخرين، كذلك تحدّد في الإنسان الانفعالات الداخلية التي تختلج في نفسه عند مواجهته للأحداث والوقائع خلال العمر المقدّر له من الله عزَّ وجلَّ.
وهذه الانفعالات قد تخرج من النفس فتتحوّل إلى فعل، متخّذةً اتجاهات سلبيّة أحياناً وإيجابيّة أحياناً أخرى. ولكن منها، ولعلّه الكثير، لا يخرج، بل يبقى في داخل هذه النفس، وذلك لمعوقات اجتماعيّة أو تكوينيّة أو غيرها، تحول بين الإنسان وبين التعبير عنها أو تحويلها إلى فعل في الخارج.

وهذه الانفعالات النفسيّة، بنوعيها، لها تأثيرها على طريقة عمل الإنسان في حياته، فلا يمكن أن يصدر عمل عن الإنسان يكون مجرّداً تماماً عن كافّة الانفعالات النفسيّة. ولكي تكون الفكرة أكثر وضوحاً نستحضر مثالاً عمليّاً من الحياة اليوميّة للفرد الإنسانيّ، وذلك في حالة فعل الإحسان للغير، فإنّ منه ما يصدر من باب الواجب، ومنه ما يصدر من باب الشكر على إحسان سابق. والفعل، وإن كان واحداً، ولكنه، عندما يصدر بعنوان كونه شكراً على إحسان سابق فإنه سوف يتمايز من النواحي الداخليّة للنفس الإنسانيّة عمّا يصدر ابتداءً.

وهذه الانفعالات التي تؤدّي دوراً في صدور الأفعال عن أفراد البشر أو في كيفيّة صدورها هي التي تسمّى بالداعي إلى العمل، أو نيّة العمل كما تصطلح عليها الرؤية الإسلاميّة التي كما تبدي اهتماماً بقيمة الفعل (في كونه حسناً بالفعل) تبدي اهتماماً بهذه الدواعي التي يصدر عنها الفعل. ولذا كان التأكيد على نيّة العمل، بل ورد ما يجعل النيّة متقدّمة على أصل العمل، بل أحياناً تتلخّص قيمة العمل بنيّة العامل عند قيامه به.

وقد اهتمّت التربية الإسلاميّة على المستوى الفرديّ والاجتماعيّ بزرع الصفات التي ترفع من قيمة العمل ذات الصلة بالنيّة، من الإخلاص ونفي العجب والرياء وجعلهما نوعاً من الشرك الخفيّ.
ولكن هذا كله يرتبط بمنحى عقدي وهو أن يكون الإنسان موحّداً لله عزَّ وجلَّ، واصلاً في ذلك إلى حقيقة التوحيد، والتي تتمثّل في أن يرى الله عزَّ وجلَّ هو المتولّي له في كلّ شيء، الوحدانيّة في الخلق والرزق والتدبير والمصير...

عندما يكون الإنسان موحّداً حقيقةً على مستوى العقل والوجدان، لن يعجز إطلاقاً عن أن يخلص لله عزَّ وجلَّ في العمل وأن يرقى بنواياه إلى تلك المرحلة التي ترفع من قيمة عمله، وتجعله يرى أعظم النعم التي ينالها هي من عند الله، وفضله ومنّه، ولا يرى حتى لنفسه الفضل فيما يقوم به، فيكون إخلاصه خالصاً من شوب الشرك بالله عزَّ وجلَّ بجعل شركاء له من خلقه، والأرقى من ذلك أن يكون إخلاصه هذا خالصاً حتّى من أن يشرك في عمله أحداً غير الله حتّى نفسه التي بين جنبيه. وهنا يحضُرنا إخلاص يوسف عليه السلام، فأيّ إخلاص أعظم من إخلاصه، إذ كان يرى كلّ فضل وصل إليه، وكلّ خير صدر عنه هو من عند الله، فخاطب ربّه قائلاً: ﴿رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنْ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (يوسف: 101).

وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربّ العالمين.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع