مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

منبر القادة: في هدأة اللّيل يخشعون(*)

الشهيد السيّد عبّاس الموسوي قدس سره

سُئِلَ الإمام الحسين عليه السلام: "كيف أصبحت يا ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "؟ أجاب: "أصبحت ولي ربٌّ فوقي، والنار أمامي، والموت يطلبني، والحساب مُحدِق بي، وأنا مُرتهن بعملي، لا أجد ما أحبّ ولا أدفع ما أكره، والأمور بيد غيري، إنْ شاء عذّبني وإن شاء عفا، فهل فقير أفقر منّي؟".

* مسؤوليّة: في اللّيل والنهار

كان أهل البيت عليهم السلام يملكون حسّاً خاصّاً. فقد كانوا يشعرون في كلِّ لحظة بالمسؤوليّة اتّجاه الوقت، واتّجاه كلّ المسائل من حولهم.

وقد أراد الإمام الحسين عليه السلام، من خلال هذا القول، أن يعرّفنا معنى الزمن، وكيف يستقبل المؤمن صباحه ومساءه وكيف يصنع برنامجاً عمليّاً له في اللّيل وفي النهار، وأراد أن يقدِّم للإنسان المؤمن برنامجاً متكاملاً.

* في اللّيل يتلون القرآن

لقد جاء صحابيّ جليل إلى عليّ بن أبي طالب عليه السلام، اسمه همّام [بن شريح]، كان معروفاً بالتقوى والخوف من الله، قال له: "يا أمير المؤمنين صِف لي المتّقين". ابتدأ الإمام [بالحديث] إلى أن وصل إلى البرنامج اللّيليّ لهذا الإنسان المتّقي، قال: "أمّا اللّيل فصافّون أقدامهم، تالين لأجزاء القرآن، يرتّلونه ترتيلاً، يُحزِّنون به أنفسهم، ويستثيرون به دواء دائهم، فإذا مرّوا بآيةٍ فيها تشويق ركنوا إليها طمعاً، وتطلّعت نفوسهم إليها شوقاً، فظنّوا أنها نصب أعينهم، وإذا مرّوا بآية فيها تخويف أصغوا إليها مسامع قلوبهم، وظنّوا أنّ شهيقها وزفيرها في أصول آذانهم، فهم حانون على أوساطهم، مفترشون لجباههم، وأكفهم، ورُكَبهم، وأطراف أقدامهم، يدعون إلى الله في فكاك رقابهم"1. هذا برنامج اللّيل، برنامجهم في اللّيل السهر لتلاوة الكتاب العزيز، يُحزنون به أنفسهم، ويستثيرون به دواء دائهم، يفتّشون عن الدواء لأمراضهم النفسيّة من القرآن الكريم. عندما يمرّون بآية فيها جنّة وتشويق ركنوا إليها طمعاً، وتطلّعت نفوسهم إليها شوقاً، أمّا إذا مرّوا بآية فيها جهنّم، فيها تخويف، أصغوا إليها مسامع قلوبهم، وظنّوا أنَّ زفيرها وشهيقها (صوت جهنّم) في أسماعهم، وهم مفترشون الأرض، ساجدون يبكون بين يديّ الله، ويدعون الله -تبارك وتعالى- لفِكاك رقابهم من النار. هذا برنامجهم في اللّيل.

*برنامج المؤمن المسلم

كيف أستطيع أن أخلق انسجاماً كاملاً بين أعمالي كإنسانٍ مؤمن وبين الإسلام؟ حتى أجسّد الإسلام تجسيداً كاملاً وعمليّاً، ثمّة برنامجان.

أ- البرنامج الأول2، يطبّقه المؤمن في هدأة اللّيل عندما تنام الأعين وعندما ينام الغافلون، والبطّالون، فيكون مستيقظاً وحده، يقرأ القرآن. وللقرآن قراءة خاصّة بنظر عليّ بن أبي طالب عليه السلام:

إمّا أن تقرأ القرآن قراءة أشبه بقراءة الكتاب العربيّ الذي تقرأه في المدرسة، هذه قراءة لا تنفع.

وإمّا تقرأ القرآن لتتعلّم ماذا يوجد في القرآن، وهذا ينفعك للعلم فقط، لا للعمل.

والأخيرة أن تقرأ وفي قلبك الحزن وفي عينك الدمعة "يُحزنون به أنفسهم"، يعني يستثيرون بالقرآن الكريم عاطفتهم.

*العاطفة محفّز هامّ لإنجاز العمل

ما معنى أن تتحرّك عاطفة الإنسان وهو يقرأ كتاب الله؟

إذا أردت لعملٍ أن يُنفَّذ بسرعة، ما عليك إلّا أن تستثير الإنسان عاطفيّاً، فقد تقول لشخص: هناك يتيم، فإذا أعطيته مالاً أو صدقةً، لك أجرٌ عند الله. قد لا يعطيك شيئاً إذا قلت ذلك، أما عندما تأتيه بالطفل اليتيم نفسه، وتضعه بين يديه فيبكي؛ تكون بذلك قد حرّكت عاطفته، فيدفع الصدقة فوراً.

العاطفة إذاً، هي التي تدفع الإنسان باتّجاه أيّ عملٍ من الأعمال، وأي عمل لا تتعاطف معه لن تُقدم عليه، وإذا فعلتَهُ لن يؤثّر فيك شيئاً، ولن ينفعك.

*كمَنْ قد رآها

القرآن الكريم هو برنامجٌ عمليٌّ وليس برنامجاً علميّاً فقط. لا يُراد من كتاب الله العزيز أن تتعلَّم الصلاة والصوم، وإنما يُراد من القرآن الكريم أن تصلّي عمليّاً، أن تدفع الصدقة للفقراء، أن تجاهد في سبيل الله، أن تهاجر في سبيل الله، أن تتعاطف مع إخوانك وجيرانك وأمّتك. القرآن برنامج ودستور عمليّ، فإذا أردنا تطبيق القرآن وترجمته عمليّاً؛ يجب أن تتحرّك عاطفة الإنسان نفسه، تجاه القرآن وتجاه تعاليم القرآن، عند ذلك يصل هذا الإنسان إلى مرتبة وكأنه يرى أمامه الجنّة: "فهم والجنّة كمن قد رآها، فهم فيها منعَّمون، وهم والنار كمن قد رآها؛ فهم فيها معذَّبون". ومن خلال القرآن، يرى الجنّة، التي صوَّرها الله تبارك وتعالى بقصورها وأنهارها وتفاصيلها... ثم، يرى وَصْفَ جهنم بتفاصيلها: صوتها، شهيقها، وزفيرها، ﴿تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ (الملك: 8)، عندها يصل الإنسان إلى مرحلة يرى فيها الجنّة ويرى جهنّم، فيطمع في الجنّة ويعمل صالحاً، ويخاف من جهنّم، فيترك المحرّمات.

*في اللّيل... تربية النفس

اللّيل هو لتربية النفس. حين تقوم في وسط اللّيل حيث الجو صافٍ، يدخل هذا الصفاء إلى أعماق نفسك، وعندما تقرأ القرآن قراءة واعية وحزينة، فتصل إلى آيات التشويق وتطمع في جنّةٍ عرضها السماوات والأرض ﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاَقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأيَّامِ الْخَالِيَةِ (الحاقة: 19 - 24). وأما من أُوتي كتابه بشماله هنا الطامة الكبرى، فيقول: ﴿يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا ‎لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ * خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ * إِنّهُ كَانَ لاَ يُؤْمِنُ بِالله الْعَظِيمِ * وَلاَ يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (الحاقة: 25 - 34).

آيات التشويق وآيات التخويف تتوجَّه [إلى] نفس الإنسان، في هدأة اللّيل يربّي الإنسان نفسه على الخوف من الله، حتى إذا بزغَ فجر النهار، طَلع النهار، ومع طلوع النهار يجب أن يستفيد من تربية اللّيل.


(*) خطبة ألقاها سماحته قدس سره، بتاريخ 17/9/1985م.
1- الوافي: الكاشاني. ج26، ص241.
2- وهو مورد حديثنا في هذا العدد.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع