صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين آخر الكلام | الضيفُ السعيد الافتتاحية| الأمـومـــة... العمل الأرقى  الشيخ البهائيّ مهندسٌ مبدعٌ في العبادةِ... جمالٌ مع الخامنئي | نحو مجتمع قرآنيّ* اثنا عشر خليفة آخرهم المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف* أخلاقنا | اذكروا اللّه عند كلّ نعمة* مناسبة | الصيامُ تثبيتٌ للإخلاص

في رحاب بقية الله: بموالاته تُمحى الذنوب

الشيخ نعيم قاسم

نتابع الحلقة الخامسة من زيارة الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف: "مَوْلايَ، فَإِنْ أَدْرَكْتُ أَيَّامَكَ الزَّاهِرَةَ وَأَعْلامَكَ الباهِرَةَ، فَها أَنا ذا عَبْدُكَ المُتَصَرِّفُ بَيْنَ أَمْرِكَ وَنَهْيِكَ، أَرْجُو بِهِ الشَّهادَةَ بَيْنَ يَدَيْكَ وَالفَوْزَ لَدَيْكَ".

1- إدراك الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف:

يواجه المؤمن الموالي احتمالين تحت إمرة صاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف:

الأول: أن يُدركَ الإمامَ عند ظهوره، ويتمتَّع بمشاهدته، ويستمعَ مباشرةً لأوامره، ويكون من جنده وتحت لوائه. وفي هذه الحالة لا بدَّ أن يكون قد هيَّأ نفسه قبل الظهور بالعبادة وصقل الشخصيَّة، والمجاهدة، والاستعداد لبذل النفس والمال في سبيل الله تعالى وتحت إمرته عجل الله تعالى فرجه الشريف. ولذا، يكون الموالي في حالة فناءٍ عند اللّقاء في حبّ وموالاة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف.

يسبقُ الاستعدادُ للظهور حالةَ الفرج، وهذا ما يتطلَّب من المؤمن الموالي أن لا يتراخى ولا يهمل ولا يطيل الأمل بوجود الفرصة، فالحياةُ قصيرة، وقد يحصلُ الفرجُ بأسرع ممّا يتصوّره الموالي، فإذا ما أهَّلَ نفسه لمرحلة الفرج، حيث الأيّام زاهرة بالحقّ والنصر، وأعلام الهدى مرفرفة على المعمورة تُبهر الناظرين، فمن الطبيعيّ أن يكون تحت إمرة صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف، ينفّذ طلباته وينتهي عما ينهي عنه، ويكون حاضراً للشهادة بين يديه، بل راغباً أن يختم حياته بها، وأن يكون فوزه بين يدي الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف.

2- الموت قبل الظهور:

الاحتمال الثاني: أن يعاجله الموت فلا يُدرك ظهور الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف، وفي هذه الحالة، له طلبان: الأوّل هو الرجعة، في الزيارة: "مَوْلايَ، فَإِنْ أَدْرَكَنِي المَوْتُ قَبْلَ ظُهُورِكَ، فَإِنِّي أَتَوَسَّلُ بِكَ وَبِآبائِكَ الطَّاهِرِينَ إِلى الله تَعالى، وَأَسْأَلُهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَأَنْ يَجْعَلَ لِي كَرَّةً فِي ظُهُورِكَ، وَرَجْعَةً فِي أَيّامِكَ، لأبْلُغَ مِنْ طاعَتِكَ مُرادِي، وَأَشْفِي مِنْ أَعْدائِكَ فُؤادِي".

تُرشدنا زيارة الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف إلى التوسّل كمسارٍ تربويٍّ يقوِّمُ توجّه المؤمن نحو التقوى، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (المائدة: 35)، ثمَّ الصلاة على محمّد صلى الله عليه وآله وسلم وآل محمّد عليهم السلام كمعبرٍ إلى كلِّ الخيرات والتوفيق الإلهيّ، وذلك لتكون شخصيّة الموالي حاملةً لقابليّة المساهمة في نصرة دين الله تعالى مع الإمام الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف، وعندها تصبح الرجعة بعد الموت لمن وفّق إليها، وقد مُحِّضَ الإيمان، فرصةً سانحةً للمؤمن الموالي، لاستكمال الدور الأساس في نصرة الحقّ بقيادة وليّ الله الأعظم وخاتم الأئمّة عجل الله تعالى فرجه الشريف، وطاعته للذبِّ عنه، وشفاءً للفؤاد بالاقتصاص من أعدائه.

3- إصلاح الذات:

الطلب الثاني هو إصلاح الذات، ففي الزيارة: "مَوْلايَ، وَقَفْتُ فِي زِيارَتِكَ مَوْقِفَ الخاطِئِينَ النَّادِمِينَ الخائِفِينَ مِنْ عِقابِ رَبِّ العالَمِينَ، وَقَدْ اتَّكَلْتُ عَلى شَفاعَتِكَ، وَرَجَوْتُ بِمُوالاتِكَ وَشَفاعَتِكَ مَحْوَ ذُنُوبِي، وَسَتْرَ عُيُوبِي، وَمَغْفِرَةَ زَلَلِي، فَكُنْ لِوَلِيِّكَ يا مَوْلايَ عِنْدَ تَحْقِيقِ أَمَلِهِ، واسْأَلِ الله غُفْرانَ زَلَلِهِ، فَقَدْ تَعَلَّقَ بِحَبْلِكَ، وَتَمَسَّكَ بِوِلايَتِكَ، وَتَبَرَّأَ مِنْ أَعْدائِكَ".

على المؤمن الموالي أن يجاهد نفسه مجاهدةً دائمةً ومستمرّة، في أيّامه ولياليه، ليحافظ على استقامتها، وينمّي تقواها، وينجح في مواجهة تحدّيات ووسوَسات الشيطان لها، فالخُلَّص هم الذين واجهوا امتحاناتهم وبلاءاتهم بالصبر والتضحية، ورأس الامتحانات انتظار الفرج، وتحمّل المشقّات، فعن الإمام الصادق عليه السلام: "إنَّ هذا الأمر لا يأتيكم إلاَّ بعد أياس، لا والله، حتى يميّزوا، ولا والله، حتى يمحَّصوا، ولا والله، حتى يشقى من يشقى، ويسعد من يسعد"1.

يعترف المؤمن بخطئه وندمه وخوفه من عقاب الله تعالى، فيكون الاعتراف طريقاً إلى النجاة، ففي الدعاء: أنَّ الله سبحانه وتعالى "صاحبُ العطايا، ومانعُ البلايا، يُشفي السقيم، ويغفرُ للخاطئين، ويعفو عن النادمين، ويحبّ الصالحين، ويؤوي الهاربين، ويستر على المذنبين، ويؤمن الخائفين"2.

وفي المناجاة عن الإمام زين العابدين عليه السلام: "يا من آنس العارفين بطيبِ مناجاته، وألبَسَ الخاطئين ثوبَ موالاته، متى فرِحَ من قصَدَتْ سواكَ همَّتُه، ومتى استراحَ من أرادتْ غيرَكَ عزيمتُه، ومن ذا الذي قصدَكَ بصدقِ الإرادة فلم تشفّعه في مراده؟ أم من ذا الذي اعتمد عليك في أمره فلم تجدّ بإسعاده؟ أم من ذا الذي استرشدك فلم تُمنن بإرشاده؟"3.

4- الموالاة والشفاعة:

ومن أهمّ طرق النجاة: الموالاة والشفاعة.

فبالموالاة تكون الطاعة للولي سبباً للصلاح؛ لأنّنا بالموالاة لله تعالى، ولرسوله صلى الله عليه وآله وسلم وللأئمّة عليهم السلام نعيش ذوبان الذات في سبيل الله تعالى، فيكون كلُّ شيء في حياتنا طاعةً لله تعالى، ونبتعد عن المعاصي مهما كانت صغيرة، ويكون رفقاؤنا وأصحابنا من الموالين، ونتكتّل معاً لمواجهة أعداء الله تعالى بكلّ جرأة وتضحية، فعن أمير المؤمنين عليّ عليه السلام: "جِماعُ الخَيرِ فِي المُوالاةِ فِي اللهِ، وَالمُعاداةِ فِي اللهِ، وَالمَحَبَّةِ فِي اللهِ، وَالبُغضِ فِي اللهِ"4.

وبالشفاعة تكون الضمانة في الآخرة للفوز، إذ مهما كانت أعمالنا عظيمة فقد تشوبها النواقص، ومهما بذلنا من جهود فقد نقع في التقصير، عندها لا يمكن الاتّكاء على النجاة بأعمالنا فقط، فإذا ما أضفنا إليها شفاعة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والآل عليهم السلام نكون ضامنين لآخرتنا، وبما أنَّنا نزور الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف، فهو أعظم الشفعاء يوم القيامة، نتمسّك به، ونرجو رضاه، ونسأل الله تعالى توفيقنا لشفاعته.

العمل على إصلاح الذات مهمّةٌ أصليّة ومركزيّة، قال تعالى:
﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (الشمس: 7 - 10)، وحيث يواجه الإنسان الذنوب والعيوب والزَّلل، فإنَّ الإصلاح يبدأ من التوبة النصوحة المصحوبة بغفران الذنوب، كي لا تكون صحيفة أعمالنا مملوءة بالمعاصي؛ فتشكّل مانعاً من الخلاص والانتقال إلى مرحلة تراكم الأعمال الصالحة. وكذلك يعالج المؤمن عيوبه ويتخلَّص منها بالعبادة والتقوى وتطبيق الأوامر الإلهيّة؛ ليستقيم حاله. وكذلك يلجأ إلى الله تعالى؛ ليساعده على عدم الوقوع في الزَّلل عند الاختبارات التي تواجهه في حياته الدنيا.

يهون كلُّ هذا مع الموالاة لصاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف، فالأمل به يدفع المؤمن إلى أن يُصلح حاله ليكون من جنده وأعوانه، وهو هدف عظيم أن يتوفَّق الإنسان ليكون في رَكْبِ المعصوم المنصور الذي يقيم العدالة في كلّ المعمورة في آخر الزمان، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، فإنَّ مكانة الوليّ الأعظم عند الله تعالى تمكِّنه من الشفاعة لأوليائه والأخذ بأيديهم إلى جنّة الخلد، وبذلك يكون الموالي فائزاً في الدنيا والآخرة، وهذه هي السعادة الحقيقيّة التي أرادها الله تعالى لنا.


1- بحار الأنوار: العلامة المجلسي. ج‏1، ص‏261.
2- مهج الدعوات ومنهج العبادات: السيد ابن طاووس. ص89.
3- بحار الأنوار: العلامة المجلسي. ج91، ص157.
4- عيون الحكم والمواعظ: علي بن محمد الليثي الواسطي. ص223.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع