تطرقنا في الحلقتين الماضيتين إلى الحديث عن صفات القرآن الكريم كما بيّنتها الروايات الشريفة الواردة عن أهل بيت العصمة عليه الصلاة والسلم، وعن فضل تعلم القرآن وتعليمه وحفظه واستذكاره، والاسترشاد بهديه وتعاليمه.
وفي هذه الحلقة نتناول فضل تلاوته وقراءته مضافاً إليه الآداب التي ينبغي مراعاتها عند التلاوة والقراءة، فماذا عن ذلك في الروايات الشريفة؟
1- فضل تلاوة القرآن
لقد أكّدت التعاليم الإسلامية وحثّت على تلاوة القرآن الكريم ونوّهت بالتالين لآيات هذا الكتاب الإلهي العظيم، فجاء قوله تعالى مادحاً إياهم: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُور﴾َ
وقد جعلتها الروايات الشريفة لقاح الإيمان الذي يتغذى منها وينمو ويزداد عليها، فجاء عن الإمام علي عليه السلام قوله: "لقاح الإيمان تلاوة القرآن".
ولتلاوة القرآن آثار حسنة عظيمة تعود بالخير والمنفعة على القارئ منها جلاء الصدر والقلب، حيث جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوله: "إن هذه القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد، قيل يا رسول الله فما جلاؤها؟ قال: تلاوة القرآن"، ومنها: كفارة الذنوب والستر في النار والأمان من العذاب، حيث جاء عنه صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً قوله: "عليك بقراءة القرآن، فإن قراءته كفارة للذنوب، وستر في النار، وأمان من العذاب".
2- آداب القراءة
ولقراءة القرآن الكريم آداب وسنن ينبغي على القارئ ملاحظتها والتأدب بها عند القراءة، وذلك حتى تكمل القراءة ويكمل ثوابها عند الله تعالى. ومن هذه الآداب:
1- تنظيف الفم: وذلك أن الفم هو طريق وممر للقرآن، فينبغي أن يكون نظيفاً طاهراً ليمر فيه كلام الله سبحانه الطاهر عن الدنس المنزه عن العيوب، والخالي من السهو والخطأ، ومن كل قبيح.
وينبغي تنظيفه بأي وسيلة أو أداة كفرشاة الأسنان ونحوها، ويستحب بالسواك لورود النص فيه.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "نظفوا طريق القرآن، قيل يا رسول الله وما طريق القرآن؟ قال: أفواهكم، قيل بماذا؟ قال: بالسواك".
2- الاستعاذة: الأدب الثاني من آداب تلاوة القرآن الكريم، هو التعوذ والاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم عند الابتداء، وذلك حتى لا يكون للشيطان عليه سبيل عند الاسترشاد بهدي القرآن وتعاليمه السامية والذي يتحصل من خلال القراءة. قال تعالى:﴿ فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيم﴾ (النحل: 98). وجاء عن الصادق عليه السلام قوله: "أغلقوا أبواب المعصية بالاستعاذة، وافتحوا أبواب الطاعة بالتسمية".
3- الترتيل: وقد ورد في معنى الترتيل عن الإمام علي عليه السلام قوله: "بيِّنه تبياناً، ولا تنثره نثر الرمل، ولا تهذّه هذّ الشعر، قفوا عند عجائبه، وحرّكوا به القلوب، ولا يكون همّ أحدكم آخر السورة".
4- التدبر: وذلك يكون باستنطاق آياته والاسترشاد بمضامينها والعمل بها، وإلا فلا خير في القراءة. روي عن الإمام علي عليه السلام قوله: "ألا لا خير في قراءة ليس فيها تدبر، ألا لا خير في عبادة ليس فيها تفقه".
5- الخشوع: وذلك أن القرآن كلام الله تعالى، وبتلاوته يكون الإنسان في محضر الله تعالى يخاطبه ويناجيه، وحق على العبد إذا كان بين يدي سيده الخشوع، وحق على الإنسان الذي يسمع كلام الله سبحانه أو يتلوه أن يخشع قلبه لما نزل فيه من الحق والصدق، ولما فيه من المعارف السامية والتعاليم التي بها نجاة البشر من الهلكة والضياع.
روي أن الرضا عليه السلام كان في طريق خراسان يكثر بالليل في فراشه من تلاوة القرآن، فإذا مرّ بآية فيها ذكر جنة أو نار بكى وسأل الله الجنة ونعوذ به من النار.
وجاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوله مرغباً بالخشوع عند تلاوة القرآن: "ما من عين فاضت من قراءة القرآن، إلا قرّت يوم القيامة".
اللهم اجعلنا من التالين للقرآن، المتأدبين بآدابه، العاملين بأحكامه..