من المعلوم أن ضرر المحرمات أكثر تأثيراً في النفس من أي شيءٍ آخر كما أن الواجبات لها أكبر الأثر في مصلحتها، لذلك فالإنسان الراغب في صحة نفسه المترفق بحالها يجد أن السبيل لذلك ينخرط في أمرين:
الأول: الإتيان بما يصلح النفس ويجعلها سليمة
الثاني: الإقلاع عن كل ما يضرها ويؤلمها
وهذا العلاج الذي جاء به الأطباء الإلهيون (الأنبياء) قد لا ينفع من الأمراض النفسية التي تكون في غاية الخفاء وفي الحال التي تكون النفس فيها؟ والحمية وهذا ما يعبر عنه بالتقوى، فالتقوى في مصطلح الأخبار والأحاديث تعني "وقاية النفس في عصيان أوامر اللَّه ونواهيه وما يمنع رضاه " وكثيراً ما عرفت بأنها "حفظ للنفس حفظاً تاماً عن الوقوع في المحظورات بترك الشبهات " وذلك ما يستفاد من الآية القرآنية في آخر سورة الحشر المباركة ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُون﴾ ولذلك فقد أوصى الكتاب الإلهي المقدس بالتقوى وزينها إلى المؤمنين من خلال ذكر نتائجها التي تجعلها أحب إلى قلوبهم من جميع ملذات هذه الدنيا الفانية وهذه هي:
1- مدح اللَّه سبحانه وثناؤه
فقد مدح اللَّه سبحانه المتقين وأثنى عليهم ثناءً عظيماً لما صبروا واصبروا أنفسهم على طاعته تعالى، وأبعدوها عن كل ما يغضبه، فجعلهم أولياءه المقربين منه، والمرضيين لديه. قال تعالى: ﴿لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُور﴾ (آل عمران: 186) وقال في آية أخرى: وقال في آية أخرى: ﴿وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُواْ أَوْلِيَاءهُ إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ﴾(الأنفال: 34).
2- الحفظ من كيد الشيطان:
فعباد اللَّه المتقون هم في مأمن وملجأ وثيق من غواية الشيطان ومسه، وذلك أنهم حصنوا أنفسهم ووقوها بطاعة اللَّه تعالى والابتعاد عن معاصيه، بحيث اكسبهم ذلك ملكة الإخلاص والعدالة، والتي يأمن بها صاحبها من كيد الشيطان ووسوسته، إذ بمجرد ما يأتي الشيطان ليوسوس له ويزين له المعصية يتذكر اللَّه سبحانه فيعرض عنها. قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ﴾.
3- العون والتأييد الإلهي:
هذا والتقوى تشكل عاملاً مهماً من عوامل العون والتأييد الإلهي الذي طال عباد اللَّه تعالى وهذه آيات اللَّه تصدح دائماً بذلك فتقول: ﴿إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُون﴾ (النحل: 128) فلا يبتئس المؤمنون بكثرة العدو ولا بعدتهم ولا بكيدهم لأن قوة اللَّه سبحانه التي تفوق قوتهم، قد سخرها لهم وقال تعالى: ﴿إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ﴾ (آل عمران: 120).
4- النجاة من المصاعب والرزق الحلال:
فالذي يتقي اللَّه سبحانه ينجيه من المهالك والمصاعب التي قد تقع لبني البشر، ويخرجه سالماً معافىً منها، كما يرزقه الرزق الحلال الطيب من حيث لا يحتسب ولا يتوقع قال تعالى: ﴿فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾ (الطلاق: 2- 3).
5- التطهير من العيوب والذنوب:
فحق على اللَّه سبحانه أن لا يدع عبده المتقي يتخبط في متاهات الضلال والعيوب وذلك أن المتقي قد افرغ قلبه من كل ما سوى اللَّه، بحيث أصبحت حركاته إلهية وسكناته إلهية، فلا يقول ولا ينطلق إلا عن اللَّه تعالى، وحق على الكريم المطلق أن يقابل شكر عبده بأفضل وأعظم منه، فيصلح له أعماله ويغفر له ذنوبه ويتوب عليه، وقال تعالى: ﴿وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَّمْ تَطَؤُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا﴾ (الأحزاب: 27).
6- محبة اللَّه وقبول العمل:
قال تعالى: ﴿بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِين﴾ (آل عمران: 76)، وقال ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِين﴾ (المائدة: 27).
7- زيادة البصيرة:
فكما أن اللَّه سبحانه يصلح أعمال عباده المتقين، كذلك يجعل لهم ميزاناً ومعياراً يفرقون به بين الحق فيتبعوه، وبين الباطل فيجتنبوه، قال تعالى: ﴿يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيم﴾ (الأنفال: 29).
8- الإكرام في الدنيا والنجاة من عذاب الآخرة:
قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير﴾ (الحجرات: 13).
وقال: ﴿ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا﴾ (مريم: 72).