* كراهة الظلم
والله لأن أبيتَ على حَسَكه السَّعدان1 مُسهَّداً2، أو أجَرَّ في الأغلالِ مُصفَّداً3، أحبُّ إليَّ من أن ألقَى الله ورسولَه يوم القيامةِ ظالماً لبعض العباد، وغاصِباً لشيء من الحُطام، وكيفَ أظلمُ أحداً لنفسٍ يُسرعُ إلى البلى قُفُولها4، ويطولُ في الثَّرى5 حُلولُها؟!
هل يصبح العوز والفقر الشديد مبرراً لأن يقومَ الإنسان بظلم الآخرين؟ إذا خيرت ما بين الحصول على شيء من نعم الدنيا وملذاتها والعيش في الفاقة والحياة الصعبة، ماذا تختار؟ حتى لو كان اختيار الدنيا يجرك إلى النار!؟ هل تنام على الأشواك القارصة التي تحرمك لذة النوم أم ينبغي أن يكون فراشك وثيراً وناعماً.
ماذا أعددت للقاء الله ورسوله، وهل راجعت حسابات ظلم الآخرين؟
أليس الظلم في أن تأخذ دور الآخرين في صفوف الانتظار أو في ازدحام السير أو في منع حق؟
فهناك يقترب الأجل الحق، وترجع النفس إلى التراب ويطول المقام!!
* تقوى الله
والله لقد رأيتُ عَقيلاً وقد أملَقَ6 حتى استماحَني7 من برّكم8 صاعاً، ورأيتُ صبيانَه شُعثَ9 الشُعور، غُبر الألوان من فقرهم، كأنما سُوِّدت وجوهُهم بالعظْلَم10، وعاوَدَني مؤكداً، وكرَّر علي القول مردِّداً، فأصغيتُ إليه سمعي فظن أني أبيعَه ديني، وأتبع قيادَه مفارقاً طريقتي. فأحميتُ له حديدة ثم أدنيتُها من جسمِه ليعتبرَ بها، فضجَّ ضجيج ذي دَنَف11 من ألمها، وكاد أن يحترقَ من ميسمِها، فقلت له: ثكلتكَ الثواكل، يا عقيل! أتئنُّ من حديدةٍ أحماها إنسانُها لِلَعِبه وتجرّني إلى نارٍ سجَّرها ربُها لغضبهِ!
أتئنُّ من الأذى ولا أئنُّ من لظى!
هذا أمير المؤمنين ومولى المتّقين عليه السلام يحضر إليه أخوه عقيل يطلب منه شيئاً من حقوق الناس، وعلي عليه السلام بيده بيت المال وهو أمين على ودائع الناس وأموال المسلمين. لم يخرجه ذلك المشهد المؤلم لعقيل الذي استبد به الفقر فجعل أولاده شعث الشعور، غير ألوانهم كأنما صارت وجوههم قاتمة كالحة من شدة الجوع، لم يخرجه عن الطريقة المثلى التي بينها الإسلام وهو لا يجتهد مقابل الوحي الإلهي. فغداً سيلقى الجبار وقد سجّر ناراً لا تقدر على معاينتها السموات والأرض.
هل تردّ هدية جاءتك لتقوم بعمل هو واجب عليك فتنشط لذلك؟ فكيف إذا كانت رشوة وقد لُفّت بهديّة؟ ألا تجامل صاحبها لتخدمه بعلمه؟ لو جاءك قريب أو ذو رحم ألا تقدمه على الآخرين؟ فاسمع ما يقوله مولى المتّقين عليه السلام.
* عدم الارتشاء
وأعجبُ من ذلك طارقٌ طرقَنا بملفوفةٍ في وعائِها، ومعجونةٍ شَنئِتُها12 كأنما عُجِنت برِيق حيَّة أو قَيئِها13، فقلتُ: أصلةٌ، أم زكاةٌ أم صدقةٌ؟ فذلك محرمٌ علينا أهلَ البيت! فقالَ: لا ذا ولا ذاك، ولكنّها هديةٌ. فقلتُ: هبلتَك الهَبُول:13 أعن دينِ الله أتيتَني لتخدَعَني؟ أمختبط 14 أنتَ أم ذو جِنيَّةٍ أم تهجُر؟ والله لو أعطيتُ الأقاليمَ السبعةِ بما تحتَ أفلاكها، على أن أُعصيَ الله في نملةٍ أسلبُها جُلبَ15 شعيرةٍ ما فعلته، وإنّ دنياكم عندي لأهونُ من ورقةٍ في فمِ جَرَادة تقصِمها. ما لعليٍّ لو نعيم يفنى، ولذةٍ لا تبقى! نعوذُ باللهَ من سُباته العقلِ، وقُبح الزَلَل وبه نستعين.
معاني المفردات:
1- أشواك حادة.
2- ساهراً.
3- مقيداً.
4- رجوعها.
5- الأرض والتراب.
6- افتقر كثيراً.
7- طلب مني.
8- قمحكم.
9- ملبدة من الأوساخ.
10- سواد للصباغة.
11- مريض.
12- كرهتها.
13- دعا عليه بالموت.
14- مجنون.
15- قشرتها.