لا يخفى على ذي لب أنّ الحب من أنبل الفضائل الإنسانية وأشرفها، لما يمثله من ترابط روحي وتعاضد بين البشر، ولما يرمز إليه من الألفة والعلقة القلبية بين الأفراد، ويؤكد عليه من الاتحاد والوحدة في صفوف أبناء المجتمع.
وإذا كان حب الإنسان لأخيه الإنسان بهذه الأهمية والنبالة، فإنّ هناك حباً أعلى وأسمى وأشرف منه، ألا وهو حب الله تعالى، الذي يجب أن يعمّ قلوب البشر جميعهم، فيكون الله أحب إليهم من كلّ ما سواه، حتّى من أنفسهم وآبائهم وأمهاتهم وأزواجهم وأبنائهم، ويكون هو المسير لحياتهم والمحدّد لكلّ موقف من مواقفهم.
وبوصول المرء إلى هذه المرحلة، يكون قد قطع شوطاً كبيراً في مجال السلوك الإنساني إلى الله سبحانه:
1-الحب ومحض الإيمان:
إنّ لحب الله سبحانه علاقة حقيقية بالإيمان، فلا إيمان دون حبّ الله سبحانه ولا حبّ دون إيمان، ولا يتوصل المرء إلى الإيمان الحقيقي الخالص والمحض، إلاّ إذا كان الله أحب إليه من كلّ شيء ومن الناس أجمعين، جاء عن الصادق عليه السلام قوله: "لا يمحض رجل الإيمان بالله حتّى يكون الله أحب إليه من نفسه وأبيه وأمه وولده وأهله وماله، ومن الناس كلهم".
فالقلب حرم الله سبحانه، لا ينبغي إسكان غيره فيه على نحو الاستقلالية، وحديث الصادق عليه السلام في هذا المجال معروف: "القلب حرم الله، فلا تسكن حرم الله غير الله"، وإذا ما كان هذا دأب الإنسان، لا يضره فوت شيء من الدنيا صغر هذا الشيء أم عظم.
2-الإيمان حب وبغض:
لقد حدّدت الأحاديث معيار الإيمان وحصرته في الحب في الله والبغض في الله، فالمؤمن يحب أولياء الله، السائرين في مرضاة الله والقائمين بأمره، ويبغض أعداء الله المحاربين له والساعين في الأرض فساداً، وحبه هذا يدفع ليكون عملياً في صفوف أولياء الله ضدّ المستكبرين والظالمين وأعداء الله الذين يريدون هلاك الإنسانية.
عن فضيل بن يسار قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الحب والبغض أمن الإيمان هو؟ قال: وهي الإيمان إلاّ الحب والبغض، وفي حديث آخر عنه عليه السلام يحدّد فيه الدين كله بالحب فيقول: "وهل الدين إلاّ الحب؟؟ إنّ الله عزّ وجل يقول: ﴿قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله﴾.
3- ما يورث حب الله تعالى:
أمّا عن الأعمال التي تورث حبّ الله سبحانه، فقد بينتها الأحاديث الشريفة في عدة وجوه منها: بغض الدنيا، حيث روي أنّه قيل لنبي الله عيسى عليه السلام علمنا عملاً واحداً يحبنا الله عليه؟ قال: "ابغضوا الدنيا يحبكم الله".
ومنها: الإكثار في ذكر الموت، حيث ورد عن رسول المحبة صلى الله عليه وآله وسلم قوله: "من أكثر ذكر الموت أحبّه الله".
ومنها: التحاب والتعاطف والتواصل في الله والتوكل على الله تعالى: جاء عن الإمام الصادق عليه السلام قوله: في حديث المعراج: "يا محمد! وجبت محبتي للمتحابين فيّ، ووجبت محبتي للمتعاطفين فيّ، ووجبت محبّتي للمتواصلين فيّ، ووجبت محبتي للمتوكلين عليّ".
4-الذين يحبهم الله سبحانه:
"ورد عن رسول الرحمة صلى الله عليه وآله وسلم قوله: ثلاثة يحبهم الله عزّ وجل: "رجل قام في الليل يتلو كتاب الله، ورجل تصدق بيمينه يخفيها عن شماله، ورجل كان في سرية فانهزم أصحابه فاستقبل عدوه".
وفي هذا الحديث حث على العبادة والدأب عليها، لما تمثله من العبودية لله تعالى، وعلى الصدقة الخالصة لوجه الله سبحانه، لما فيها من لمّ لشعث المجتمع وسد رمق الفقراء من أبنائه، وأخيراً على الجهاد والاستبسال فيه الذي يحقّق الكرامة الإنسانية ويصل بها إلى شاطئ الأمان.
5-أحب الأعمال إلى الله تعالى:
ورد في الحديث أنّه سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أي الأعمال أحبّ إلى الله؟ قال: اتباع سرور المسلم، قيل يا رسول الله وما اتباع سرور المسلم؟ قال: "شبعة جوعه، تنفيس كربته، وقضاء دينه".
وفي كلّ هذه الأعمال نجد روح التعاون التي يكبرها الإسلام ويشجع عليها لتبقى روح الوحدة والاتحاد مسيطرة على أفراد المجتمع،
وليشعروا أنّهم يداً واحدة، وبنياناً واحداً، إذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحمى.