هذا الكتاب كما هو ظاهر من العنوان هو عبارة عن عرض ومناقشة لعقائد الشيعة الإمامية، في خطوة هادفة إلى إثبات أحقية هذه العقائد وأصالتها، المستمدة من تعاليم القرآن الكريم، والسُنَّة الشريفة وسيرة المعصومين عليه السلام الذين هم القرآن الناطق.
وقد برع مؤلفه آية الله جعفر السبحاني أيما براعة في بيان أهمية الفكر الشيعي عن طريق تقديم الأدلة الساطعة والبراهين القاطعة في هذا المجال.
هذا والجدير ذكره أن الكتاب هو واحد من مؤلفات المصنف في مجال إلقاء الضوء على الفكر الشيعي، وتبيان دور الشيعة في التاريخ وفي بناء الحضارة الإسلامية، وهو يشكل إلى جانب كتابي "الشيعة في موكب التاريخ" و"دور الشيعة في بناء الحضارة الإسلامية" سلسلة من أروع السلسلات التي تناولت الشيعة والتشيع بالبحث والتحليل.
كتاب قيم، واقع في 216 صفحة من القطع الوسط. صادر عن دار الأضواء للطباعة والنشر والتوزيع.
يعرض الكتاب في البداية لبعض رسائل إعلام الشيعة في العقيدة ومن ثم ينتقل إلى عرض عشر مسائل تتعلق بأهم العقائد الشيعية وأهم الجوانب التشريعية عند الشيعة.
وقد ابتدأ المؤلف فيما كتبه الإمام الرضا عليه السلام للمأمون عن محض الإسلام ومن ثم تناول عقائد السيد عبد العظيم الحسني التي عرضها على الإمام الهادي عليه السلام، ثم رسالة الصدوق في عقائد الإمامية، فإملاء آخر له عليه الرحمة في هذا المجال، فجمل العلم والعمل للسيد الشريف المرتضى.
وهنا توقف المؤلف عند "البيان عن جمل اعتقاد أهل الإيمان" للكراجكي حيث عرض هذا الأخير آراءه في التوحيد، العدل، النبوة (العامة والخاصة)، الإمامة والخلافة، وأخيراً في التوبة والحشر والنشر، عرض المؤلف بعدها للعقائد الجعفرية عند الشيخ الطوسي، ومن ثم للهدف الكامن وراء نشر وعرض هذه الرسائل والذي يتمثل ببيان عقائد الشيعة التي تمتد جذورها الحقيقية، في الكتاب المبارك والسُنَّة النبوية وأحاديث أهل البيت عليهم السلام.
وأخيراً انتقل إلى بيان الاختلاف بين الشيعة الإمامية وكل من الفرقتين الكلاميتين المعتزلة والأشاعرة، عمد بعدها إلى بيان الفوارق الجوهرية بينهم وبين الفرق الإسلامية الأخرى. وأهم هذه الفوارق:
1- وجوب نصب الإمام على الله تعالى:
فقد اختلفت الفرق الإسلامية فيما بينها فيمن يجب عليه تعيين الإمام. فمنهم من ذهب إلى وجوب نصبه وتعيينه على الله تعالى وهم الشيعة الإمامية، ومنهم من ذهب إلى وجوب ذلك على الأمة الإسلامية.
وكل من هاتين الرؤيتين عائدتان إلى النظرة للوظائف والمهام التي ينبغي على الإمام أن يشغلها. فمن نظر إلى الإمام كرئيس دولة ليس له وظيفة سوى تأمين الطرق والسبل وتوفير الأرزاق، وإجراء الحدود والجهاد في سبيل الله، إلى غير ذلك مما يقوم به رؤساء الدول بأشكالها المختلفة، قال بوجوب نصبه على الأمة، إذ لا يشترط فيه من المواصفات إلا الكفاءة والمقدرة على تدبير الأمور، وهذا ما يمكن أن تقوم به الأمة الإسلامية.
وهذا ما هو عليه أهل السُنَّة (متكلمون ومحدثون). وقد ذهبوا إلى عدم وجوب الخروج على الحاكم فيما إذا صدرت عنه أعمال ظلم وجور وعصيان لله تعالى، بل يرون وجوب وعظه وتخويفه.
وأما من فسر الإمامة بأنها عبارة عن إمرة إلهية واستمرار لوظائف النبوة كلها سوى تحمل الوحي الإلهي، فقد رأى أن تعهد هذا الأمر يتوقف على توفر صلاحيات عالية لا ينالها الفرد إلا إذا حظي بعناية إلهية خاصة. وهذا يستدعي وجوب تعيين الإمام من قبل الله تعالى، حيث أنها الأعرف والأعلم بمن تتوفر فيه هذه الخصائص والميزات.
واستدلوا على وجوب نصبه من الله تعالى باعتمادهم قاعدة اللطف الإلهي.
2- عصمة الإمام
وهذه ثاني الفروقات الجوهرية بين الشيعة الإمامية والفرق الإسلامية، الأخرى حيث تذهب الشيعة إلى القول بعصمة الإمام عصمة تمنعه عن الوقوع في المعصية والخطأ حيث لا يترك واجباً ولا يفعل محرماً مع قدرته على الترك والفعل، وإلا لما استحق مدحاً ولا ثواباً.
"وليست العصمة فكرة ابتدعتها الشيعة، وإنما دلهم عليها في حق العترة الطاهرة كتاب الله وسُنَّة رسوله. قال سبحانه: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تطهيرا﴾ وليس المراد من الرجس إلا الرجس المعنوي وأظهره هو الفسق".
هذا وقد استدل المؤلف على لزوم عصمة الإمام بعد النبي بعدة استدلالات نذكر منها هذا الدليل:
"إن الإمامة إذا كانت استمراراً لوظيفة النبوة والرسالة، وكان الإمام يملأ جميع الفراغات الحاصلة جراء رحلة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، فلا مناص من لزوم عصمته، وذلك لأن تجويز المعصية يتنافى مع الغاية التي لأجلها نصبه الله سبحانه إماماً للأمة، فإن الغاية هي هداية الأمة إلى الطريق المهيع ولا يحصل ذلك إلا بالوثوق بقوله والاطمئنان بصحة كلامه، فإذا جاز على الإمام الخطأ والنسيان، والمعصية والخلاف، لم يحصل الوثوق بأفعاله والخلاف، لم يحصل الوثوق بأفعاله وأقواله وضعفت ثقة الناس به، فتنتفي الغاية من نصبه. وهذا نفس الدليل الذي استدل به المتكلمون على عصمة الأنبياء. والإمام وإن لم يكن رسولاً ولا نبياً ولكنه قائم بوظائفهما.
"وهكذا فالفراغات الحاصلة برحلة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم لا تسد إلا بوجود إنسان مثالي يقوم بتلك الواجبات وهو فرع كونه معصوماً عن الخطأ والعصيان"، كما أوضح المؤلف أن عصمة الأئمة عليهم السلام ليست محصورة في امتناعهم عن الوقوع في الخطأ والمعصية بل تتعداها إلى العصمة في القول والرأي، وذلك أنهم أحاطوا إحاطة كاملة شاملة، بكل ما في الكتاب والسُنَّة الشريفة، وقد أخذوا علوم الكتاب والسُنَّة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي أخذها عن جبرئيل والذي وعاها بدوره عن الله تعالى، ولا فرق بينهم في شيء إلا بالواسطة جاء عن الإمام الباقر عليه السلام قوله: "لو كنا نحدث الناس برأينا وهوانا لهلكنا، ولكن نحدثهم بأحاديث نكنزها عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما يكنز الناس ذهبهم وفضتهم".
3- الإمام المنتظر عجل الله فرجه الشريف:
تحت هذا العنوان عرض المؤلف لعقيدة المسلمين في الإمام المنتظر، فرأى أن ما من فرقة من الفرق الإسلامية ألا وهي تعتقد به وتؤمن به كمخلص ومصلح يظهر في آخر الزمان ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، وذلك لتواتر الأحاديث الواردة في هذا الشأن والتي لا مجال للشك والارتياب فيها. جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج رجل من ولدي فيملأها عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً".
هذا بالنسبة لعقيدة المسلمين بالإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف إلا أن هناك خلافاً بسيطاً بينهم في هذه المسألة يكمن في تحديد سنة ولادته، فمنهم من يرى بأنه سيولد في آخر الزمان وعليه غالبية أهل السُنَّة، ومنهم (وهم الشيعة) يرون أنه عليه السلام ولد في سر من رأى سنة 255هـ، وغاب عن الأنظار بأمر من الله سبحانه سنة وفاة والده الإمام الحسن بن علي العسكري، وهو يحي-ى حياة طبيعية كسائر الناس غير أن الناس يرونه ولا يعرفونه، وسوف يظهره الله سبحانه ليحقق عدله.
4- التقية:
في البداية عرض المؤلف للكلام عن مفهوم التقية فرأى أنها اتخاذ المرء لنفسه الوقاية من الشر، ومفهومها في الكتاب والسُنَّة هو: إظهار الكفر وإبطان الإيمان أو التظاهر بالباطل وإخفاء الحق. وهي تقابل النفاق الذي هو إظهار للإيمان وإبطان للكفر، وليست هي كما يدعي البعض- من فروع النفاق، وذلك لورودها في التشريع الإسلامي، ولو كانت من أقسام النفاق لكان ذلك أمراً بالقبح، ويستحيل على الحكيم أن يأمر به ﴿قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾.
بعد ذلك عرج للكلام عن غاية التقية والتي تتمثل بصيانة النفس والعرض والمال، وذلك في ظروف قاهرة لا يستطيع فيها المؤمن أن يعلن عن موقفه الحق صريحاً، خوفاً من ترتب مضار وتهلكه على ذلك من قبل القوى الغاشمة والظالمة.
فهي (أي التقية) إذا سلاح الضعيف في مقابل القوي الغاشم، سلاح من يبتلي بمن لا يحترم دمه وعرضه وماله، لا شيء إلا لأنه لا يتفق معه في بعض المبادئ والأفكار.
"فإذا كان هذا معنى التقية ومفهومها، وكانت هذه غايتها وهدفها، فهو أمر فطري يسوق الإنسان إليه قبل كل شيء عقله ولبه، وتدعوه إليه فطرته، ولأجل ذلك يستعملها كل من ابتلي بالملوك والساسة الذين لا يحترمون شيئاً سوى رأيهم وفكرتهم ومطامعهم وسلطتهم، ولا يترددون عن التنكيل بكل من يعارضهم في ذلك، من غير فرق بين المسلم شيعياً كان أم سُنيّاً وغيره، ومن هنا تظهر جدوى التقية وعمق فائدتها".
هنا انتقل المؤلف إلى الاستدلال عليها من خلال القرآن والسُنَّة فعرض للآيات القرآنية الثلاث:
1- ﴿مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾.
2- ﴿لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ﴾.
3- ﴿وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ ۖ وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ ۖ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ﴾.
فعرض لأراء المفسرين في هذه الآيات الثلاث والذين ذهبوا إلى مشروعية التقية وجوازها لصون النفس والعرض والمال من شر الأعداء سواء كانوا مسلمين وكافرين، وكذا جوازها لإنجاء المؤمن من بطش الأعداء.
بعدها انتقل إلى الكلام عن اتقاء المسلم من المسلم في ظروف خاصة، فرأى جواز ذلك واستشهد عليه بآراء مفسرين كبار كالرازي وجمال الدين القاسمي والمراغي، ثم بين بعد ذلك الأسباب التي دعت الشيعة إلى اعتماد مبدأ التقية أكثر من غيرهم من المسلمين حتى صارت ديدنهم على من التاريخ الإسلامي، فرأى أن ذلك ليس قصوراً في الشيعي بل في أخيه الذي دفعه إلى ذلك.
يقول المؤلف في هذا المجال: "نعم كان الشيعي وإلى وقت قريب يتحاشى أن يقول: "إن الله ليس له جهة، أو أنه تعالى لا يُرى يوم القيامة، وأن المرجعية العلمية والسياسية لأهل البيت بعد رحلة النبي الأكرم، أو أن حكم المتعة غير منسوخ، أن الشيعي إذا صرح بهذه الحقائق- التي استنبطت من الكتاب والسُنَّة- سوف يعرض نفسه ونفيسه للمهالك والمخاطر".
ثم مرّ بعد ذلك على الظروف العصبية التي مرت بها الشيعة والظلم الذي عانته من السلطات الأموية والعباسية من ثم العثمانية، والتي دفعتهم إلى اعتماد هذا المبدأ المنجي لهم من القتل والتشريد والتنكيل.
بعدها عرج المؤلف إلى الكلام عن حد التقية فرأى أنها تتوقف عند القضايا الشخصية الجزئية الداخلة في إطار الخوف على النفس والنفيس من الظالم الغاشم، ولا تتعداها إلى الأمور الكلية الخارجة عن هذا الإطار.
ومن هنا يتبين كذب ادعاءات من ذهب إلى القول: "بما أن التقية من مبادئ التشيع، فلا يصح الاعتماد على كل ما يقولون ويكتبون وينشرون، إذ من المحتمل جداً أن تكون هذه الكتب دعايات، والواقع عندهم غيرها".
أما عن التقية المحرمة، فقد رأى المؤلف أن التقية كما تجب في بعض الأحيان، فإنها تحرم في أحيان أخرى، وذلك فيما إذا ترتب عليها مفسدة أعظم كهدم الدين وخفاء الحقيقة على الأجيال الآتية، وتسلط الأعداء على شؤون المسلمين وحرماتهم ومعابدهم. ولأجل ذلك رفض الكثير من أكابر الشيعة العمل بها وقدموا أرواحهم قرابين من أجل إظهار الحق وإعلاء كلمة الله تعالى.
5- البداء عند الشيعة الإمامية:
قبل خوضه في مسألة البداء، قدم المؤلف لموضوعه بمقدمات بين من خلالها ثلاث مبادئ مسلمة في عقائد الشيعة هي:
أ- علم الله سبحانه بكل الأشياء ماضيها وحاضرها ومستقبلها وعدم عزوب شيء عن علمه، ولو كان مثقال ذرة، ودلت على ذلك الآيات الشريفة والأحاديث النبوية، والروايات المروية عن أهل البيت عليهم السلام .
ب- إن الله سبحانه كل يوم في شأن.
ج- أن لأفعال العباد تأثيراً في حسن العاقبة وسوئها، ونزول الرحمة والبركة أو العقاب والنقمة، وهذا أيضاً ما دلت عليه آيات كثيرة منها: ﴿اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا. يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا. وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا﴾ (نوح/10/12).
كما دلت عليه روايات شريفة منها قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : باكروا الصدقة فمن باكر بها لم يتخطاها البلاء.
ومن هنا عرج إلى بيان أن الكلام في البداء يقع في مقامين:
1- البداء في مقام الثبوت: أي تغيير المصير بالأعمال الصالحة أو الطالحة.
2- البداء في مقام الإثبات: أي الأخبار عن تحقق الشيء علماً بالمقتضي مع خفاء المانع.
وقد عرض المؤلف حين الكلام عن المقام الأول للبداء (أي البداء في مقام الثبوت) إلى بيان حقيقة البداء الذي يعني- وخلافاً لما يذهب إليه اليهود والنصارى من فراغ الله سبحانه من أمر الخلق والتدبير- قيام الله سبحانه وتعالى أمور عباده وتدبيره إياها، وقيوميته على كل شيء، وبسط يديه على كل شيء، فيمحو ويثبت ما يشاء، ويزيد في الرزق والعمر وينقص منها. وينزل الرحمة والبركة، كما ينزل البلاء والنقمة حسب مشيئته الحكيمة.
قال تعالى:﴿بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ (فاطر/1) وقال: ﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ير﴾ (فاطر/11).
وبناءً على هذا فالبداء ما يشترك فيه كل المسلمين على مذاهبهم المختلفة وما من أحد ينكره بهذا المعنى.
ولتأكيد ذلك، شرع المؤلف في بيان ما ذهب إليه المفسرون في تفسير الآية الكريم: "يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب" والذين ذهبوا جميعهم إلى القول بإمكان تغيير المصير بالأعمال الصالحة والطالحة. وقد قال المؤلف في هذا المجال:
"وهذه الجمل والكلم الدرية المضيئة عن الصحابة، والتابعين لهم بإحسان، والمفسرين، تعرب عن الرأي العام بين المسلمين في مجال إمكان تغيير المصير بالأعمال الصالحة والطالحة، ومنها الدعاء والسؤال، وأنه ليس كل تقدير حتمياً لا يغير ولا يبدل وأن لله سبحانه لوحين: لوح المحو والإثبات، ولوح "أم الكتاب".
والذي لا يتطرق التغيير إليه هو الثاني دون الأول، وأن القول بسيادة القدر على اختيار الإنسان في مجال الطاعة والمعصية قول بالجبر الباطل بالعقل والضرورة ومحكمات الكتاب، ومن جنح إليه لزمه القول بلغوية إرسال الرسل وإنزال الكتاب ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ﴾ (ص/27).
هنا تناول المؤلف الكلام عن الأثر التربوي للاعتقاد بالبداء فرأى أن الاعتقاد به يبعث الرجاء في قلب من يريد أن يتطهر، وينمي نواة الخير الكامنة في نفسه، حيث أن تشريع البداء كتشريع قبول التوبة والشفاعة وتكفير الصغائر بالاجتناب عن الكبائر كلها لأجل بعث الرجاء وإيقاد نوره في قلوب العصاة والعتاة، حتى لا ييأسوا من روح الله ولا يتولوا بتصور أنهم من الأشقياء وأهل النار قدراً وأنه لا فائدة من السعي والعمل.
وبهذا يظهر أن البداء من المعارف العليا التي اتفقت عليه كلمة المسلمين وإن غفل عن معناه الجمهور.
ومن هنا أيضاً تظهر فضيلة البداء وأهميته في الروايات، حيث روى زرارة عن أحدهما (الإمامين الباقر أو الصادق عليه السلام ): ما عبد الله عزّ وجلّ بشيء مثل البداء.
أما عن البداء في مقام الإثبات، فقد ذهب المؤلف إلى أن المراد به هو وقوع التغيير في بعض مظاهر علم الله سبحانه، وذلك في حال إعواز الشرط أو تحقق المانع من وقوع الأحكام الثابتة في لوح المحو والإثبات، كأن يكتب الموت في لوح المحو والإثبات على شخص نظراً إلى مقتضياته في الوقت المعين المتصل بالمقتضيات إلا أنه ربما يمحى هذا الحكم ويؤجل ويكتب لهذا الشخص بدله توفر الصحة، وذلك لفقدان شرط التقدير الأول أو طروء مانع من تأثير المقتضي.
"فقد يتصل النبي أو الولي بلوح المحو والإثبات، فيقف على المقتضي من دون أن يقف على شرطه أو مانعه فيخبر عن وقوع شيء ما، ولكنه ربما لا يتحقق لأجل عدم تحقق شرطه أو عدم تحقق وجود مانعه، وذلك هو البداء في عالم الإثبات".
ولم يرد في الأخبار من هذا القسم من البداء إلا موارد لا تتجاوز عن عدد الأصابع. وقد ذكر موارد لمثل هذا النوع، من البداء، أتى بها القرآن الكريم نذكر نحن منها قصة يونس عليه السلام الذي أنذر قومه بالعذاب بعد ثلاثة أيام في حال عدم إيمانهم، وما كان قوله تخرصاً أو تخويفاً، بل كان يخبر عن حقيقة يعلم بها، إلا أن العذاب لم يقع كما هو معروف وهذا يفسر بأنه عليه السلام وقف على المقتضي ولم يقف على المانع وهو أنهم سيتوبون عند رؤية العذاب توبة صادقة يعلمها الله ترفع عنهم العذاب الذي وعدوا به قال تعالى: ﴿فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ﴾.
فعندما يظهر عدم التحقق يطلق عليه البداء، والمراد به أنه بدا من الله لنبيه وللناس ما خفي عليهم، على غرار قوله سبحانه: "وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون" فالبداء إذا نسب إلى الله سبحانه فهو بداء منه وإذا نسب إلى الناس فهو بداء لهم.
6- الرجعة في الكتاب والسُنَّة:
تحت هذا العنوان عرض المؤلف للكلام عن الرجعة بمعنى رجوع طائفة من الناس بعد الموت إلى الحياة الدنيا قبل قيام الساعة. وقد ورد هذا المضمون في الآيات المباركة والأحاديث الشريفة، والرجعة وإن كانت من الأمور التي يشنع بها على الشيعة إلا أن أول من قال بها هو الخليفة عمر بن الخطاب حينما أعلن عندما شاعت رحلة النبي صلى الله عليه وآله وسلم: بأنه ما مات وليعودن فيقطعن أيدي وأرجل أقوام.
وقد عرض المؤلف لملابسات القول في الرجعة وللمراد منها وبين الأشخاص الذين يرجعون إلى الحياة الدنيا إضافة إلى ذكر ملاحظات على الرجعة كان يجدر الإشارة إليها.
7- زواج المتعة:
في هذا القسم عرض المؤلف لمعنى زواج المتعة فبيَّن مشروعيته في الإسلام: في عصر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وفي عهد الخليفة أبي بكر، ومن ثم تحريم عمر له.
وبعد ذلك عرض لشبهات وردت حول هذا النوع من الزواج، ورد عليها رداً قاطعاً، ومن ثم أتى على ذكر لفيف من وجوه الصحابة والتابعين الذين أنكروا تحريمه كعلي بن أبي طالب عليه السلام وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن مسعود، وعمران بن حصين.
8- مسح الأرجل في الوضوء:
هنا عرض المؤلف إلى الكلام عن الخلاف القائم حول هذه المسألة ومن ثم استدل على وجوب المسح من خلال القرآن الكريم والأحاديث الواردة عن المعصومين المبينة لوضوء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكذا أقوال بعض الصحابة والتابعين في هذا المجال.
هذا وقد ذكر المؤلف الوجوه التي استدل من خلالها القائلون بوجوب الغسل وردها مهفتاً لها.
9 و 10- وأخيراً في هاتين المسألتين عرض المؤلف للكلام عن الشيعة ونظرتهم إلى الصحابة ومن ثم تناول الكلام عن فلسفة السجود على الأرض، وأجاب على كل ما لوحظ عليها من ملاحظات.