نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

عقائدنا: ما هو البداء؟


الشيخ حسن فوّاز

ورد عن المعصوم عليه السلام: "ما عُبد الله بشيء مثل البداء"(1).

البداء من المفاهيم التي يُقصد منها الإشارة إلى إطلاق سلطنة الله تعالى، بلا قيود أو حدود. وهي عقيدة قرآنيّة ذُكرت في الكتاب العزيز ردّاً على اليهود القائلين: ﴿يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ﴾ (المائدة: 64)؛ فإنّهم لم يقصدوا أنّها مغلولة حقيقةً، بل قصدوا -وكما بيّنته الأخبار المستفيضة(2)- أنّ الله عزّ وجلّ قد فرغ من الأمر بوضعه الأقدار، فلا يُزيد ولا يُنقص، وهذا المعنى هو تحديدٌ وتقييدٌ لقدرته تعالى، وأنّ ما كتبه وقدّره لا يمكن تبديله. تردُّ الآية الكريمة في شقّها التالي زعم اليهود، مبيّنةً الأصل الأول من أصول القول بالبداء، وهو سلطة الله المطلقة: ﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء﴾ (المائدة: 64)، وأمّا التبديل وهو الأصل الآخر فهو بيده تعالى، وهو المستفاد أيضاً من مثل قوله: ﴿يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾ (الرعد: 39)، وذلك أنّ إعمالَ السلطة والقدرة الإلهيّة من جانب الباري سبحانه، وتقديره شيئاً آخر، لا يتمّ دون حكمة ومصلحة، وإنّ قسماً من هذا التغيير يرتبط بعمل الإنسان؛ ولنضرب لذلك مثلاً أنّ إنساناً لم يراعِ حقوق والديه، فإنّ هذا سيكون له تأثير على مصيره، ثمّ إذا غيّر سلوكه مع والديه، واهتمّ برعايتهما، فإنّه بذلك يهيّئ الأرضيّة لتغيير مصيره فيكون مشمولاً بالآية المباركة.

وقد بيّن الشيخ المفيد رحمه الله أنّ موارد البداء تقارب نسخ الأحكام الشرعيّة، حيث يثبت حكم ما، ثمّ يأتي حكمٌ آخر ويرفع السابق؛ فكذلك البداء حيث يحصل الإفقار بعد الإغناء، والإمراض بعد الإعفاء، والإماتة بعد الإحياء، والزيادة في الأجل والرزق والنقصان منها (3). وعلى هذا الأساس، يعبد المؤمن ربّه وهو يتوقّع منه حصول الشفاء مهما بدا المرض شديداً، وحصول اليُسر والفرج مهما بدا الأمر عسيراً ضيقاً؛ فيتوجّه إليه ويتوكّل عليه ولا يستعين إلَّا به؛ لأنّ في عقيدته التوحيديّة إيمانٌ بأنّه مختار على الإطلاق في عامّة الأفعال والتصرّفات في الكون، مستمرّ التصرّف في الأمور كلّها؛ ولهذا، لم يُعبد الله ولم يعظّم بشيء مثل البداء؛ فمدار استجابة الدعاء والرغبة إليه سبحانه والرهبة منه، وتفويض الأمور إليه، والتعلّق بين الخوف والرجاء، والتصدّق، وصلة الرحم، والأعمال الصالحة، وأمثالها كلّها على البداء(4).

فائدة: يتّضح بذلك عدم استلزام هذا المعنى نسبة الجهل إليه تعالى، في ما يبدو للعباد أنّه تبديل وتغيير، ففي معتبرة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "ما بدا لله في شيء إلّا كان في علمه قبل أن يبدو له"(5).

(1) الشيخ الكليني، الكافي، ج 1، ص 146.
(2) يراجع: العياشي، تفسير العياشي، ج 1، ص 330.
(3) الشيخ المفيد، أوائل المقالات، ص 80.
(4) يراجع: السيّد عبد الله شبّر، مصابيح الأنوار، ج 1، ص 42.
(5) الشيخ الكليني، مصدر سابق، ج 1، ص 148.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات: