وئام أحمد(*)
بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران، بدأت عجلة الإنتاج السينمائي في الازدهار. وقد كانت البداية مع أفلام الدفاع المقدس أو ما عرف بأفلام الجبهة. ولكنها بعد انتهاء الحرب المفروضة اتجهت نحو مخاطبة مختلف شرائح المجتمع من خلال نوعيّة الموضوعات التي ركّزت عليها. وقد كانت المواضيع الدينية هي أبرزها. ولأن الجمهورية الإسلامية في إيران هي دولة إسلامية، فقد كانت قمة أولوياتها هي تقديم الصورة الأمثل للشخصيّات الدينية كما وردت في القرآن الكريم، لأنه لا يوجد مصدر تاريخي قَصصي يحمل المصداقيّة والموضوعيّة أكثر من القرآن الكريم لأنه الوحيد بين الكتب السماوية الذي لم يتعرض للتحريف، بالإضافة الى ما تناقلته الأجيال عن تراث أهل البيت عليهم السلام والسنّة النبوية الشريفة.
*السينما المصرية والأفلام الدينية
بالإضافة إلى السينما الإيرانية، والتي تعتبر من الأبرز حالياً، كانت هناك أفلام دينية أخرى. فالسينما المصرية أنتجت عدداً من الأفلام الدينية لا يزيد على 10 أفلام، منها أفلام تندرج تحت بند الأفلام التاريخية، منها 4 أفلام تتحدث عن ميلاد الإسلام في شبه الجزيرة العربية. وكان أبرز هذه الأفلام وأشهرها فيلم "من عظماء الإسلام" الذي يتناول قصة حياة الخلفاء الأربعة، أخرجه نيازى مصطفى، ولعبت الممثلة كريمة مختار دور "الراوية" في الفيلم، وشارك فيه مجموعة كبيرة من الممثلين.
*فيلم "هجرة الرسول"
يأتى فيلم "هجرة الرسول" كثاني أشهر الأفلام الدينيّة في السينما المصرية، وتم إنتاجه عام 1964. يستعرض الفيلم الحياة في شبه الجزيرة العربية، ويوضح الفوضى التي كانت تعيش فيها القبائل العربية. ويتناول الفيلم بداية ميلاد الإسلام في مكة، ومن بعده هجرة الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة المنورة، وأخرجه إبراهيم عمارة.
*فيلم "فجر الإسلام"
يأتي بعد ذلك فيلم "فجر الإسلام" الذي يستعرض قصة حياة الحارث، زعيم إحدى القبائل العربية التي تعيش على سَلْب ونهب القوافل التجارية، والذي يرسل ابنه للثأر لعمه الذي قتله أحد الأشخاص، فذهب ابنه إلى مكة وعاد مسلماً. ويدور بينهما صراع ينتهي باعتناق القبيلة بالكامل للإسلام، بعد إيمانهم بتعاليم الدين السمح. وتم إنتاج الفيلم عام 1971، أخرجه صلاح أبو سيف، وشارك في تأليفه، أيضاً، مع المؤلف المعروف عبد الحميد جودة السحار.
*"الرسالة" آخر أفلام السينما المصرية
ويأتي أخيراً فيلم "الرسالة" للمخرج الأردني الراحل مصطفى العقاد، والذي شارك أيضاً في تأليفه مع محمد علي ماهر. ويوضح الفيلم قصة ميلاد الإسلام، ومدى المعاناة والاضطهاد والتعذيب الذي تعرّض له المسلمون من كفار قريش. الفيلم تمّ إنتاجه عام 1977، وكان يواجه مشكلة مع الرقابة التي منعت عرضه فترة قصيرة بسبب تجسيد الممثل القدير عبد الله غيث لشخصية سيدنا حمزة، إلى أن سمحت الرقابة بعرضه مؤخراً، حيث قام ببطولته الأخوان عبد الله وحمدي غيث، ومجموعة من الممثلين العرب.
ومنذ ذلك الوقت لم يتم إنتاج أي أعمال دينيّة جديدة، وما زالت القنوات الفضائية تبث هذه الأفلام نفسها في كل مناسبة دينية.
لم تنصف السينما العربية الدين؛ لأن ما هو موجود في الأرشيف العربي ليس بالكثير أبداً، وإن كانت قد تناولت الحقبات التاريخيّة في أفلامها ومسلسلاتها، لكنها لم تتناول سيرة أيّ نبي إلّا من خلال تناول موضوع الإسلام بشكل عام. ولم تَسلم هذه الأفلام من بعض التحريف والاقتباس غير الأمين لسيرة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم لأن المصادر التي اعتمدت عليها فيها الكثير من الإشكاليّات والمغالطات.
*إبداعات السينما الإيرانية
في عودتنا للسينما الإيرانية نرى أنها زاخرة بالأفلام والمسلسلات الدينيّة، وقد أبدعت في تقديم صورة الشخصيّات التي تحمل الكثير من التقدير والاحترام في أذهان الناس.
كانت بداية هذه المسلسلات مع سلسلة الأئمة والتي تناولت سيرة: الإمام علي عليه السلام، الإمام الحسن عليه السلام، التفاني والإيثار (الذي تناول سيرة عاشوراء). ومن ثم انتقلت السينما لتقدم صورة ناصعة عن حياة الإمام الرضا عليه السلام في "غريب طوس"، وقصة "أهل الكهف"، و"مريم المقدسة" لفرج الله سلحشور.
إنّ كل هذه المسلسلات والتي حُولت فيما بعد إلى أفلام قد نالت إقبالاً كبيراً حيث إنّ عرضها على قنوات كثيرة عالميّة جعلها تصل لمختلف شرائح المجتمعات، ما جعل السينما الإيرانية تتحفّز أكثر للمضيّ قدماً في هذا المضمار وتقديم ما هو أفضل، وقد ظهر ذلك في مسلسل "المختار الثقفي" الذي تناول الفترة التي أعقبت واقعة عاشوراء ونشوء ثورة التوابين الذين عملوا على الانتقام من قتلة الإمام الحسين عليه السلام. ويعتبر مسلسل "المختار" نقلة نوعية في السينما الإيرانية من مختلف النواحي الإخراجية والتصويرية حيث إنه قد عرض بسبب الإقبال عليه من المشاهدين لمرات عديدة.
*حياة الأنبياء في السينما الإيرانية
لو أردنا التحدث عن حياة الأنبياء مجدداً لوجدنا أن فيلم "الملك سليمان"، هو النموذج الأمثل الذي يمكننا من خلاله تقديم صورة عن ذلك، لأنّ هذا الفيلم يشكّل ثورة في مختلف المقاييس. فقد استغرقت الأعمال البحثيّة والتاريخيّة للفيلم سنوات عدّة أشرف عليها مجموعة من المتخصصين، ورجال الدين من أجل ضبط السرد التاريخي للقصة. كما أنّ المؤثّرات البصريّة للفيلم قد نُفّذت وفق أهم المعايير العالمية. وكانت الموسيقى التصويرية من إنتاج الأوركسترا الصينية حيث شارك فيها قرابة مئة عازف وعازفة.
*الفيلم المنتظر عن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم
آخر الإبداعات الإيرانية في عالم الأفلام الدينية سيكون مع المخرج الفذّ "مجيد مجيدي" في فيلمه المنتظر عن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، والذي جاء رداً على كل الأفلام التي تناولت سيرة النبي الأكرم بطريقة محرّفة ومسيئة. ومن المنتظر أن يُعرض قريباً في دور السينما.
يبقى أن نقول إن السينما الإيرانية قد أنصفت الدين وحفِظته من التحريف في الوقت الذي ابتعد فيه غيرها عن موضوع الدين واتجه نحو الأفلام التي تحقّق الربح السريع بغض النظر عما يقدّمه من ابتذال في القيم وإساءة للصورة العربيّة الإسلامية.
(*) مدير قسم الدراما في الجمعية اللبنانية للفنون (رسالات).