وئام أحمد(*)
كثيرة هي المواضيع التي شغلت السينما العالمية، وأخذت حيزاً كبيراً من الأفلام السينمائية الرائدة، ولكن يبقى موضوع الدين أو مقاربته بشتى الوسائل الممكنة هو الموضوع الأبرز.
ربما يعود ذلك إلى أن السينما، التي يُعتبر وجودها حديثاً مقاربة مع وجود الدين في الحياة الإنسانية، تَعتبر أنّ الدين هو الشريان الحيوي الذي يغذي كافّة الشعوب على اختلاف انتماءاتها ومعتقداتها، فعملت على الترويج لذلك آخذة من هذه المعتقدات، ولكن على طريقتها الحديثة. عندما نودّ أن نتكلم عن السينما العالمية، علينا أن نفكّر أيضاً بالدول الراعية لهذه الأفلام والشركات المنتجة التي تخدمها بالإضافة إلى الأشخاص الذين يشكّلون الأدوات التي تنفّذ هذا الأمر؛ لأنّ السينما، كما نعرف، منذ وجدت ما زالت هي السحر الذي أصبحت تمارسه هذه الدول على كافة الناس في العالم من أجل صناعة رأي عام، كما بث الأفكار والآراء المضلّلة التي تتوافق وسياساتها الاستعمارية.
*الغرب وأسطورة "الأساطير اليونانيّة"
لن نخوض في موضوع السينما الدينية، أو الاقتباس الذي حصل من الكتب السماوية، بغضّ النظر عن الطريقة التي تمّ الاقتباس بها أو مدى صحّة هذا الاقتباس وموضوعيّته. ما يعنينا هنا، هو الإضاءة - ولو بشكل عام - على الكيفية التي قامت فيها السينما العالمية بمقاربة بعض المفاهيم الدينية.
لقد عمل الغرب، على مر السنوات، على حشو عقول الناس بما يسمى "الأساطير اليونانية"، وكيف أن الآلهة كانت تتدخل في حياة البشر، وما يستتبع ذلك من إشباع لرغباتهم في اعتبار البشر على أنّهم مصدر للتسلية واختبار قدراتهم الخارقة.
إضافة إلى ذلك، تمّ العمل على الدمج ما بين الأساطير اليونانية، والحياة التي عاشها ملوك اليونان في تلك الفترة، في خلط فعلي بين هذه المرحلة الزمنيّة وتخطّيها بمراحل لاحقة. ما نود قوله: إن الغرب قد اخترع لنا أكذوبة كبيرة، وهي الأساطير اليونانية وطلب منا تصديقها. ولأجل تحقيق ذلك، قام باستعمال السينما كوسيلة للإقناع بالإضافة إلى تزوير كافة الحقائق التي تدل على وجود آثار لهذه الأكاذيب، كوجود مغاور تعتبر بوابة عبور إلى عوالم أخرى.
*ملوك آلهة!!
أبرز هذه الأفلام سلسلة "هرقل البطل الخارق" الذي يتمرد على والده "زيوس" ولا يقبل منه الألوهية، ويصبح ملاحقاً من زوجة والده "حيرا" التي تعتبره خطراً على ملكها وسلطانها مع أنها ملكة الآلهة. وتَبِع ذلك سلسلة "زينا المرأة المحاربة". وجاءت مسلسلات كثيرة تروّج لهذه الأفكار التي تدخل بنظرهم في حيّز الدين، لأن زيوس هو ملك السماء، وإخوته هم ملوك البحار والجحيم وغيرهما...
من هنا، كان اللقاء بين السينما والدين؛ لأن الحياة اليونانية الإلهية، بنظرهم، كانت قبل ظهور السيد المسيح وباقي الأديان الأخرى التي مسحت كل وجود لهذه الأساطير الخرافية. لكن، يبقى شغف الناس بحبّ الاطلاع والمعرفة للوصول إلى أسئلة تعتبر أجوبتها بديهية، هو الذي حثّ السينما العالميّة على تغيير دوري لمقاربة هذا الموضوع في أفلامها وجعلها تلقى رواجاً كبيراً.
*مفاهيمنا في أفلامهم
بعد ذلك، عمدت السينما العالمية إلى محاولة مقاربة الأديان السماوية من خلال الأفلام التي تتكلم عن حياة الأنبياء والمبشرين بطريقة اقتباسية موجهة، لا يتسع المجال للحديث عنها، وانتقلت بعدها للحديث عن قيم بشرت بها هذه الأديان، ورسّختها في أذهان المؤمينن انطلاقاً من عقيدة ثابتة، ونذكر هنا بعضها: كمفهوم الشهادة بكافة جوانبه، مساعدة الناس، الإيثار، حب الإنسان والأرض، ... وأضيف أنها دخلت في مفاهيم تعلّمناها من أهل البيت عليهم السلام، كما دروس كربلاء الخالدة... كلها كان الغرب يراها جيداً ويعرف كيف يستفيد منها لكي يستطيع اختراق كل دفاعاتنا العقائدية وتشويهها ما أمكن، كما تضليل الشعوب الضعيفة بشعارات تعتبر رنّانة وموافقة لقناعاتهم، ولكنّها تحمل بين طياتها أفكاراً سوداء مسممة.
*فيلم "الخالدون"
سنتحدث في هذه المقالة عن أبرز فيلم يقارب ما ذكرناه سابقاً عن الأساطير اليونانية، بالإضافة إلى ما تضمّنه من أفكار ومفاهيم دينية جديدة وهو فيلم "الخالدون" للمخرج ترسيم سينغ وهو من إنتاج عام 2011.
الفيلم كغيره من الأفلام السينمائية التي تتحدث عن قصص آلهة اليونان، ويركز على إحدى قصص زيوس الإنسانية ونزواته مع البشر حيث يقيم علاقة غير شرعية مع إنسانة بشريّة وينجب منها صبياً. ولكن القصة ليست هنا، بل هي فيما سيفعله هذا الصبي بعدها، عندما يقوم بمحاولة القضاء على الشرّ والقتلة.
الشاهد الأول في الفيلم، هو عندما يقوم زيوس بالتنكر ليكون قرب ولده ويشرف بشكل سرّي على تدريبه ليستطيع القيام بمهامّه المستقبلية (ولتصنع على عيني..)، ثم في محاولة هذا الشاب الدفاع عن أهل قريته ووالدته والعناية بها بشكل خاص وملفت (لا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً واخفض لهما جناح الذل من الرحمة..).
*مصادفة مقصودة!
ننتقل إلى ما يدخل في خفايا هذا الفيلم، فعنوان الفيلم هو الخالدون، وهو يعني مجموعة من إخوة زيوس الخالدين وعددهم 12، وقد سجنهم لتمردهم عليه في سجن مكعب (شبيه بالكعبة الشريفة)، وعندما تشتد المعارك بين ابن زيوس وذلك الشرير الذي يود تحريرهم للسيطرة عليهم وما يستتبع ذلك من تدخل لزيوس وأولاده الثلاثة، يقوم هذا الشرير باستعمال السلاح الفعال وهو قوس الآلهة لتدمير السجن فيقوم بشق جداره (على غرار ما حصل من شق جدار الكعبة..). ربما نعتبر ذلك كله مصادفة وغير مقصودة، ولكن عندما يقتل أولاد زيوس كل بطريقة مختلفة (والمثل يضرب ولا يقاس) يمكن القول: إن هذا مستوحى من حياة أئمة أهل البيت عليهم السلام، فابنة زيوس تطعن برمح في خاصرتها وتضرب بالحائط، والابن الآخر تقطع كفاه ومن ثم رأسه، والآخر يضرب على رأسه.. كل ذلك في طريقة دراماتيكية توحي للمشاهد أنه أمام معركة إنسانية بكل ما للكلمة من معنى، لأن كل هذه الصور يعرفها المشاهد وخاصة الشيعي، وبطريقة لا إرادية يقوم بمقاربتها في عقله ولكن دون أن يلتفت لمدلولاتها.
ما أردنا أن نشير إليه هو أن الغرب قد وعى حقيقةً كبيرةً وهي أن أسهل وأضمن طريقة للدخول إلى عقول الناس هي من خلال صلب تديّنهم والمعتقدات التي يؤمنون بها، لأن هذه الأخيرة مترسخة في أذهانهم بطريقة إنسانيّة وهو يستطيع من خلال تشويه بعض من هذه الحقائق أن يخلط بين الحقيقة والتزييف ولأنّ أساليبه مقنعة ستختلط الحقيقة بالتزوير ويحقق بذلك هدفه.
هذا الفيلم، هو حلقة صغيرة من سلسلة أفلام كانت وما تزال بنظرنا أفلاماً مشوقة وجميلة من حيث الإخراج والمؤثرات البصرية ولكنها الأخطر والأكثر قدرة على الدخول إلى عقولنا دون استئذان خاصة مع دخول الأفلام ثلاثية الأبعاد إلى عالم السينما الذي أصبح في متناول أيدينا..
(*) مدير قسم الدراما في جمعية رسالات.