مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

تفسير سورة الحمد


كما وعدنا سابقاً فإنّ هذه الحلقة ستكون الرابعة والأخيرة. والحق أنّه كان في البال أن نتوسع كثيراً في التفسير، فالفاتحة هي أم الكتاب، والإمام الخميني قدس سره يقول في حقها: لو لم نعرف تمام المعرفة إلاّ الفاتحة لكفى، لكنّنا نجهل حتّى الفاتحة. ولكن صوارف كثيرة حالت دون التوسع، وصدق أمير المؤمنين عليه السلام حينما قال:
عرفت الله بفسخ العزائم ونقض الهمم.


* "الحلقة الأخيرة" :إياك نعبد وإياك نستعين
لقد علمنا فيما سبق أنّ المحامد والثناءات جميعها مختصّة بالحق تعالى إذ أنّ بسط الوجود كلّه منه والمنائح والمنن بتمامها منه دون سواه ومآل كل شيء إليه وعوده عليه. وإنّ المبدأ والمنتهى واختلاف الأمور تحت سطوة سلطان ملكيته وفردانيته جلّ وتعالى شأنه.
فإذا تجلّى لقلب العبد توحيد الذات والصفات والأفعال فإنّ عبادته ستنحصر للحق وللإستعانة به وحده، فيرى بعين القلب أنّ حق الخضوع إنّما هو لذاته المقدّسة طوعاً أو كرهاً، ولا يرى لأحد قدرة سواه حتّى يستند في الإستعانة إليه لذلك يعلن العبد: لا أعبد إلاّ إياك يا رب العالمين، ويا مالك أزمة أمورهم.. ولا أتكل إلاّ عليك وحدك دون سواك.
قال تعالى في سورة البقرة آية 65: ﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ ﴾.

لذلك فهو يقف بين يديه سبحانه، ليعلن حصر الاستعانة به حصراً حقيقياً، ويرى أنّ أيّ إعانة من أحد إنّما هي صورة لإعانة الحق. وقال تعالى في سورة الحج آية 73: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ. فالعبادة والاستعانة لله وبه من متفرعات الحمد لله، وما لم يطهر قلب العبد فإنّ قوله إيّاك نعبد وإياك نستعين عار عن الحقيقة، وإذا طهر قلب العبد فإنّه ينصرف عن الموجودات ويتعلّق بعز قد الحق بمقدار طهارته.

يقول الإمام العارف الخميني قدس سره حول صيغة الجماعة في إياك نعبد وإياك نستعين: "فإذا أحضر السالك قواه الملكية والملكوتية في المحضر وقام القلب الذي هو إمامها بسمة الإمامة فقد قامت الصلاة وإنّ المؤمن وحده جماعة.. فقول نعبد ونستعين وإهدنا كلّها ولأجل هذا الجمع الحاضر في محضر القدس، وقد أشير إلى هذا في الروايات، والأدعية.."

فمن كان لسان حاله ومقاله مشحوناً بمدح أهل الدنيا كيف يقول الحمد لله، وإنّ من كان وجهه قلبه إلى الطبيعة ولم يشمّ رائحة الألوهية وكان اعتماده واتكاله على الخلق فبأي لسان يقول إياك نعبد وإياك نستعين.
لذلك يرى الإمام أنّ العبد في أثناء الصلاة عليه إمّا أن يكون صادق القول بالعبودية والاستعانة وإما أن يقرأ ذلك الادعاء بالخجل والاستحياء، لأنّ النص القرآني لا يراد منه لقلقة لسان كما أنّ النص الإنشائي في إياك نعبد وإياك نستعين مقصود بذاته، على العبد تحصيل فعلية هذا التصريح.

* إهدنا الصراط المستقيم
صراط الذين أنعمت عليهم
غير المغضوب عليهم
ولا الضالين

إنّ مقام الصراط المستقيم هو مقام البرزخية بين حجاب الحق عن الخلق وبين حجاب الخلق عن الحق فلا الكثرات تحجب عن التوحيد ولا التوحيد يحجب عن الكثرات ولعل هذا هو الخط الوسط الذي ذكر في الحديث الشريف حيث رسم رسول الله خطاً مستقيماً ورسم في أطرافه خطوطاً وقال صلّى الله عليه وآله: "هذا الخط الوسط المستقيم لي".

وربما كان هذا هو المراد من قوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ. في سورة البقرة آية 143. وإن النفس البشرية مفطورة بجبلتها على سلوك أقرب الطرق للوصول إلى الله تعالى.

 وهذا الطريق طريق الفطرة أيضاً وهو طريق وسطي مستقيم يقع بين الحجب المادية البدنية والمعنوية الملكوتية، ولعلّ بعض الآيات تشير إلى ذلك بقوله تعالى: ﴿ما من دابة إلاّ هو آخذ بناصيتها إنّ ربي على صراط مستقيم.

أمّا من جهة أخرى فإنّ أصحاب هذا الصراط هم المتحقّقون بالاستقامة الوسطية لهذا الصراط، وقد ورد في أقوال العترة عليهم السلام الكثير مما يشير إلى ذلك، ومنها ما ورد عن الإمام الباقر عليه السلام قوله: "نحن الأمة الوسط.." وغيره عنهم عليهم السلام من قبيل: "نحن الصراط المستقيم".

فالصراط المستقيم هو طريق الرسول والأئمة صلّى الله عليهم أجمعين، فمن زاغ عن هذا الطريق الذي هو الإسلام فقد فرط أو أفرط. فالذي فرط فقد باء بغضب من الله ومن أفرط فقد ضلّ عن سواء السبيل وحاد عن جادة الوصول.
فالصراط المستقيم مقام الكاملين الواصلين، والتوسل بأصحابه سبيل السالكين، حيث هم الوسيلة بطريق الولاية والمحبة لهم، وهم المسلك إلى رضوانه جلّ وعز.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع