مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

مناسبة: الصدقة تظلّك يوم القيامة

تحقيق: نانسي عمر

تعدّ الصدقة من أبرز وأهمّ مظاهر التكافل والتعاون في المجتمع.. ويوماً بعد يوم تزداد أهمية التصدّق مع ازدياد نسبة الحاجة والعوز لدى الناس ومع زيادة الصعوبات المعيشيّة. في المقابل، يزداد تجاوب الناس وتقديرهم لأهمية التصدّق اجتماعياً ودينياً ومعنوياً أيضاً. فهذه الصدقة، بات يقيناً لدى الناس أنها تدفع البلاء، تشفي المرضى، تقضي حوائج السائلين وتمنح الأجر الوفير لصاحبها...

*على يقين أنها تدفع البلاء!
تقول أم علاء (42 عاماً): "عدا عن الصدقة اليومية التي أصبحت جزءاً أساسياً من بداية النهار كل صباح، فأنا أتصدّق كلّما واجهتني أو أحد أفراد عائلتي أيّ مشكلة، لأنني على يقين تام بأن المشاكل ستحلّ وأن الله سيدفع عنا البلاء بفضل تلك الصدقة".
وتؤكد عايدة (39 عاماً) أنها لا يمكن أن تخرج من منزلها قبل أن تتصدّق، خاصة عندما تسافر لأن "صدقة السفر ترد البلاءات والصعوبات".

أما سمر (45 عاماً) فتشير إلى أهميّة الصدقة بالنسبة لها في رفع البلاء الذي تخافه بسبب بعض الأحلام المزعجة أو الحوادث اليومية.

وهنا يقول أبو علي (صاحب متجر): "أنا أتبع القول الشهير ابدأ نهارك بالصدقة، ففي صباح كل يوم أول ما أفعله عندما أفتح باب المتجر هو وضع مبلغ ولو صغير في الصندوق الموجود في المحل". ويكمل: "أنا حقاً أتفاءل بيوم جميل وخير كثير عندما أبدأ نهاري بالصدقة".

*عظمة الصدقة في القرآن الكريم
الإنفاق من أعظم ما أمر به الإسلام في مجال حقوق الناس ومن أهم المستحبات التي شجّع عليها. يقول الشيخ محمد الحمود (مرشد ديني في مدارس المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف): "الله تعالى شوّق ورغّب كثيراً في موضوع البذل والإنفاق بتعابير في غاية العلو والجمال، حيث قال في كتابه الكريم: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (البقرة: 261)".

وعن غايات الصدقة يقول الحمود: من غاياتها العمل على رفع مستوى معيشة الطبقة الساحقة. والله تعالى أراد لها أن تكون ذات طابع سلوكي في حياة الفرد والمجتمع، وذلك لزيادة الألفة والوحدة، فالإمام الصادق عليه السلام يقول: "المؤمن أخو المؤمن كالجسد الواحد"(1).
ويؤكد الشيخ الحمود أن "الإنفاق يساعد على تقليل الفاصلة بين طبقات المجتمع، وبعبارة أخرى الصدقة تحوّل المجتمع إلى أسرة عنوانها التكافل والتعاون والتراحم والتوادّ، وترفع البشرية إلى مستوى كريم".

*لا تبطلوا صدقاتكم بالأذى
ثم يشير الشيخ محمد الحمود إلى ضرورة أن لا يؤدي الإنفاق إلى جرح كرامة أحد أو خدش شعوره، بل أن تكون غايته ابتغاء مرضاة الله، كما جاء في الكتاب الكريم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ... (البقرة: 264).
وذكر الإمام الخميني قدس سره في "الأربعون حديثاً" - الحديث التاسع والعشرون - أن الصدقة "من المستحبات التي قلّ أن يبلُغ مرتبتها في الأجر والثواب عمل آخر، والأخبار في التصدّق حتّى على من لا يوافقنا في الدين، وعلى الحيوانات البريّة والبحريّة". وقد ورد عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "أرض القيامة نار ما خلا ظلّ المؤمن، فإنّ صدقته تظلّه"(2).

والإمام الخميني قدس سره يختصر آثار الصدقة فيقول: الصدقة تشتمل على الفضائل الدنيوية والأخروية، حيث ترافق الإنسان من اللحظة الأولى من التصدّق فتدفع الشر والبلاء عن الإنسان حتى يوم القيامة ومواقفها، إلى أن تُدخل الإنسان إلى الجنة وتُسكنه جوار الحق سبحانه(3).

ويرى الشيخ الحمود أن الإسلام أراد من الصدقة تهذيب وتزكيةَ نفس المعطي، ويضيف: "إن روح المنفق تشتدّ وتنمو إلى درجة كبيرة من خلال البذل والإنفاق، وتشعره بالسعادة وتطرد الحزن من قلبه، وتساعده على الصعود في مدارج الكمال المعنوي والتقوى. وقد روي عن الإمام السجاد عليه السلام أنه كان كلّما أعطى سائلاً كان يقبّل يده - أي يد السائل - فلما سُئل عن ذلك قال: "لأن الصدقة تقع في يد الله قبل أن تقع في يد السائل"(4)".

ويعتبر الحمود أنّ الصدقة من المبادئ التربويّة الهامّة التي ينبغي تنشئة أبنائنا عليها وغرسها في نفوسهم منذ نعومة أظافرهم. فالأبناء عادة ما يتأثرون بوالديهم باعتبارهم القدوة. ويكمل: "من هنا تقع المسؤولية على الأهل في بناء هذه القيمة وتعويدهم عليها، ويتم ذلك من خلال التصدّق أمامهم وإعطائهم المال ليقدّموه للسّائل بأنفسهم، أو ليضعوه في صندوق الصدقة".

*جمعية الإمداد..
"جمعية الإمداد الخيرية الإسلاميّة تكفّلت ومنذ بداياتها عام 1987 بإعالة كل من لا معيل لهم، من أيتام وعجزة وفقراء وعوائل محتاجة".. يقول الحاج محمد برجاوي (مدير عام جمعية إمداد الإمام الخميني قدس سره): "جمعية الإمداد نقلت فكرة صندوق الصدقة من الجمهورية الإسلامية في إيران إلى لبنان وأشاعتها بين الناس، حتى وصلت إلى هذا الانتشار الواسع على مساحة الوطن، خاصة أنها ترتبط بالولي الفقيه وتحمل اسم الإمام الخميني قدس سره، وتحت إشراف سماحة الأمين العام السيد حسن نصر الله (حفظه الله) في لبنان، وهذا ما يزيد ثقة الناس بالجمعية".

يشير برجاوي إلى أن "هناك أكثر من جهة تدّعي العمل في الشؤون الاجتماعية، وتنشر صناديقها في مناطق لبنانيّة عديدة تحت مسمّيات عدة، مؤكداً أن هذه الجهات تستغلّ موضوع الصدقة لتحصيل الأموال، علماً أنها ليست جمعيّات حقيقيّة ولا مشروعة قانوناً، لذا نؤكّد على أهمية الانتباه لهذا الأمر، وعدم وضع الصدقات في صناديق غير موثوقة المصدر".

*صناديق خاصة للبلدة أو القرية
الجمعية تعتمد معايير محددة وتتوجّه إلى الفئة الأكثر استضعافاً من الناس وإلى المناطق الأكثر حرماناً.
ويؤكد برجاوي على دور المساعدات التي يقدمها الناس في التخفيف من آلام ومعاناة الناس المحتاجين، وبما أن القليل خير من الحرمان، فإنه من الواجب علينا أن نعزّز فكرة التصدق ونشيعها بين الناس، مساهمة في مساعدة كلّ محتاج.

*ما كان لله ينمو
وعلى قاعدة "ما كان لله ينمو" يشير الحاج محمد برجاوي إلى دور الآيات والأحاديث والروايات التي أصبحت معروفة لدى الناس والتي تتحدّث عن أهمية الصدقة وفضلها، وأهمها تصدّق أمير المؤمنين عليه السلام بالخاتم، وسُنّة السيدة الزهراء عليها السلام في إيثار الآخرين على النفس، وهم الذين كانوا ﴿يُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (الإنسان: 8)، وبعد ذلك يقولون: ﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا (الإنسان: 9)، إضافة إلى أن تجارب الناس الكثيرة مع الصدقة ساهمت في ازدياد تفاعل الناس ومساهمتهم عبر صناديق الصدقات المنتشرة في كل المناطق اللبنانية، والتي بلغ عددها نحو 130000 صندوق تقريباً، حتى أن عدد الأُسر التي تقدم لها الجمعية المساعدات وصل إلى حوالي الأربعة عشر ألف عائلة.

وتشمل هذه المساعدات -بحسب برجاوي- "الحصص الغذائيّة والكسوة والمساعدات التربويّة والطبيّة الاستشفائية ومساعدات البناء وترميم السكن، إضافة إلى المساهمة في تأمين فرص العمل ومشاريع الاكتفاء الذاتي". ولهذا الغرض بنت الجمعية في مختلف المناطق اللبنانية عدداً من المدارس الأكاديمية والمعاهد المهنية ودور الأيتام ومراكز لذوي الاحتياجات الخاصة، إضافة إلى دار للمسنين، كي تتمكن من احتضان أكبر عدد ممكن من الأفراد المحتاجين على مساحة الوطن كله.

وكما في كل عام تتحضر لجنة إمداد الإمام الخميني قدس سره لأسبوع الصدقة، الذي يمتد من الثامن عشر من شهر ذي الحجة وحتى الرابع والعشرين منه، تيمّناً بذكرى تصدق أمير المؤمنين عليه السلام بالخاتم وهو يصلي في المسجد، حين نزلت فيه الآية الكريمة: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ(المائدة: 55). أسبوع الصدقة هذا، والذي بدأت لجنة إمداد الإمام الخميني قدس سره بإحيائه عام 2000م، بات -بحسب برجاوي- يلاقي صدى واسعاً لدى الناس، ويشكّل مناسبة تستفيد منها الجمعية والناس معاً - إضافة إلى الجمعيات الخيرية الأخرى - لجمع مبالغ كبيرة من المساعدات والصدقات للمحتاجين.


1- الوافي، الكاشاني، ج5، ص551.
2- م.ن، ج10، ص396.
3- الأربعون حديثاً، الحديث التاسع والعشرون، ص443.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع