أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

تربية: لا تفاضلوا بين أبنائكم

تحقيق: فاطمة الجوهري غندورة

لطالما طرح موضوع "التمييز بين الأبناء" على بساط البحث، فكانت فيه آراء كثيرة لما يحمله هذا الموضوع من أهميّة وآثار على قوام الأسرة، وبالتالي على بنية المجتمع. فالغاية الأساس هي الوصول والارتقاء بالفرد إلى حياة كريمة، متوازنة، قائمة على العدالة والمساواة من النواة الأولى "الأسرة" وصولاً للأعمّ الأشمل، المجتمع. وللإحاطة بهذا الموضوع بشفافية مطلقة كانت لنا اللقاءات التالية..

*يحبّهم أكثر
تقول لميا (33 عاماً وهي الابنة من الزوجة الأولى): "الكل يلاحظ التمييز الظاهر من قبل أبي اتجاه إخوتنا من زوجته الثانية، فهو يمضي غالب وقته معهم بينما يأتي لزيارتنا بشكل رسمي، كما أن تعامله معهم كأبناء يختلف عن تعامله معنا".

ويحدّثنا عامر (13 عاماً) عن تمييز والده ووالدته لأخته الكبيرة كونها "تنال درجات ممتازة في امتحاناتها المدرسية". ولا يخفي أنه يشعر أحياناً بالكره والحسد لها.

وتقول زهراء (24 عاماً): "إنّ تمييز أهلي بيننا كفتيات وبين إخوتنا الصبيان ظاهر بوضوح وأرجع ذلك لما يحمله مجتمعنا من قيم لا تمتّ للإسلام ولنبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم بأيّ صلة. وإن أبرز من يقوم بالتمييز بين الفتيان والفتيات هو الأم المربيّة الأولى فلو أنها تعدل بين ابنتها وابنها لتغيّرت المعادلة في المجتمع بأكمله وأصبح اعتبار الفتاة كالصبي تماماً".

*أشعر بحسدهم
أما نور فتقول: "إني أشعر بغِيرة وحسد إخوتي مني، وأحياناً أحسّ بكراهيتهم لي، وكل ذلك يعود لما يمارسه أهلي من تصرفات اتجاهي فأنا المفضّلة لديهم، يـأخذون برأيي، يقدّمون لي الهدايا دائماً، ويحتفلون بأعياد ميلادي بينما لا يكترثون بأعياد ميلاد إخوتي. كل ذلك أسعدني بادئ الأمر لكنه يزعجني الآن كثيراً، نظراً لما أحدَثَه من هوّة وبُعد بيني وبين إخوتي لدرجة أنهم يجتمعون ضدي يلعبون مع بعضهم بعضاً دوني وأحياناً يقولون لي: اذهبي يا مدللة.. يا حبيبة ماما...".

*بالفعل هو موجود
استهلت الدكتورة نانسي الموسوي "أستاذة في الجامعة اللبنانية كلية التربية" حديثها معنا بالتأكيد على "وجود هذه الحالات في المجتمع، وأن الأهل بالفعل، يقومون بتصرفات تنمّ عن تمييزٍ بين أبنائهم. فنراهم يميلون إلى أحد الأبناء دون سواه، سواء بقصد أو عن غير قصد، وقد يستمر ذلك لفترة غير محدّدة".

وتضيف: "قد يقدّم الأهل تبريرات عديدة لتصرفاتهم، التي تكون مبرّرة لهم، ولكنها ليست كذلك بالنسبة للأبناء.

والتمييز يمكن أن يظهر من خلال العبارات والألفاظ التي يستعملها الأهل عند الحديث مع أحد الأبناء أو الحديث عنه أمام الآخرين، أو من طريقة التعامل، وأيضاً في تأمين له كل ما يطلبه، أو في توزيع الهدايا والأغراض أو حتى في مقدار الحب والاهتمام".

*الأقرب والأحب
ولدى سؤالنا الدكتورة الموسوي عن الأسباب الكامنة وراء تمييز الأهل بين الأبناء، أفادت أن التمييز في بعض الحالات قد يكون:

1 - سبباً أو نتيجة منطقية أو ردّ فعل لوضع قائم، كإصابة أحد الأبناء بمرض بحيث يكون من الطبيعي زيادة مستوى اهتمام الأهل به دون الباقين من أفراد العائلة.

2 - نتيجةَ تقاليد وأعراف تتبنّاها الأسرة كتفضيل الذّكور على الإناث، أو الشبه بين أحد الأبناء وأحد الوالدين بحيث يرفعه ذلك إلى مرتبة المفضّل لدى الوالد (ة).

3 - عائداً إلى الجهل بأساليب التربية المناسبة، فيُستعمل التمييز بين الأبناء كأحد أساليب الاستفزاز لهم لحثّهم على بذل المزيد من الجهد أو المضيّ قدماً. كالقول مثلاً: أنظر إلى ما يفعل أخوك، تعلّم منه إلخ...

4 - بسبب إدخال الأهل للأبناء في دائرة صراعاتهم بحيث يصبح تفضيل (أو إهمال) أحد الأبناء على الآخرين وسيلة ضغط يمارسها أحد الوالدَيْن على الآخر.

5 - بسبب لعب الأبناء أنفسهم دوراً في كونهم الأكثر تفضيلاً عند الأهل، كطاعة الأهل، محبّتهم وإكرامهم، العناية بهم، ما يجعلهم الأقرب والأحبّ إلى الأهل.

*قميص يوسف
وعن تأثير هذا التمييز على الأبناء بيّنت الدكتورة الموسوي اختلاف حدة هذه الآثار باختلاف قوّة ووتيرة ممارسات الأهل وأفعالهم الاستفزازية من جهة، والمرحلة العمرية للأبناء من جهة ثانية. إذ تظهر آثاره بالألفاظ وطريقة التعامل، إلى أمنيات الإخوة بغياب المفضّل في المحبة والمكانة عند الأهل، وقد تصل أحياناً إلى الرغبة في التخلص منه.

كما أنّ الإحساس بعدم تحصيل المكانة لدى الأهل يؤثّر سلباً على تقدير الذات لدى الأبناء "غير المفضّلين". وقد يترك هذا الوضع بصماته على تحصيلهم الدراسي، نظرتهم إلى الآخرين، شعورهم بالغبن والرغبة بالانتقام، سعيهم للحصول على انتباه الآخرين، وغيرها من الآثار النفسية والاجتماعية.

*البحث عن البديل
وعن انعكاس هذا التمييز على علاقة الأولاد بالوالدين ذكرت الدكتورة نانسي "أن الأهل هم من يحدّدون نوعيّة العلاقة التي تربطهم بأبنائهم، بمعنى آخر يعيد الأبناء إنتاج أنماط العلاقات السائدة في الأسرة ويتشرّبون ما يسري فيها من أفكار ومشاعر وأحاسيس واتجاهات وقيم. فشعور الأبناء بعدم الأمان والتقبّل والتقدير من قبل الأهل، يدفعهم إلى عيش الغربة داخل المنزل وإلى محاولة البحث عن البديل عنهم، بالإضافة إلى تحمّل ثقل الشعور بالذنب نتيجة مشاعر الكراهية ورفض الأهل لهم، بشكل أساسي".

*العدل بين الأبناء
وعن الحلول أو الأساليب الوقائية للحؤول دون هذا التمييز أكّدت الدكتورة الموسوي على عدد من النقاط:

1 - الحرص على المساواة والعدل بين الأبناء في جميع المواقف، وحتى في التافه منها بنظر الأهل.

2 - الحرص على تبرير مواقف تفضيلية من قِبل الأهل تجاه أحد الأبناء وحصرها في حدود الموقف نفسه، وليس كتفضيل مطلق للشخص على غيره.

3 - التعبير المستمر لجميع الأبناء عن الحبّ والتقدير.

4 - الحرص على عدم إظهار مشاعر التفضيل تجاه أحد الأبناء، حتى لو وجدت.

5 - الحرص على عدم المقارنة بين الأبناء بحجة الحث، والتشجيع على التحسّن والتقدّم.

6 - إتاحة الفرصة لكل فرد من أفراد العائلة لإثبات ذاته بطريقة تتناسب مع قدراته.

7 - تقدير نجاحات، مميزات، خصائص، مهارات، وقدرات كل فرد من أفراد العائلة دون تمييز.

*قوا أنفسكم.. ناراً
بعد أن تناولنا الجانب الاجتماعي في موضوع التمييز بين الأبناء، كان لا بدّ أن نستوضح الرأي الديني الشرعي، فالتقينا بسماحة الشيخ علي طه مفتي منطقة الهرمل وقضائها.

استهل سماحته حديثه مبيناً "أنّ عمليّة التمييز بين الأبناء تعدّ ذنباً وجرماً يرتكبه الأهل بحق أولادهم، وهم بذلك يؤسسون لحياة أسريّة مضطربة، وقد نهى الله تعالى عن ذلك في كتابه العزيز، وأمر بوقاية الأنفس والأهل من نار الآخرة، وعدم إشعال نار الحقد والكراهية بين الأبناء نتيجة التمييز فيما بينهم هو أحد الصُّور".

قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (التحريم: 6).

*معنى التفضيل
وأكّد سماحته أن الإسلام فضّل الفتاة على الصبي في أمور كثيرة انطلاقاً من كونها مخلوقاً عاطفياً، حسّاساً. وبيّن أنّ هذا التفضيل لا يعدّ تمييزاً بالمعنى السلبي، بل هو تكريم وتأكيد على إرساء التوازن في النظرة والقيمة الاجتماعيّة والإنسانيّة.

وقد جاء في الحديث الشريف: "خيرُ أولادكم البنات"(1).

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ الله تبارك وتعالى على الإناث أرأف منه على الذكور، وما من رجلٍ يُدخل فرحة على امرأة بينه وبينها حرمة إلا فرّحه الله يوم القيامة"(2).

وقال الإمام علي عليه السلام : "كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا بُشّر بجارية، قال: ريحانة أشمّها ورزقها على الله" (3).

*الإناث قبل الذكور
وقد يأخذك العجب من الدقة في توجيه التعامل الذي له مردود نفسي إيجابي على الفتاة عندما يأمر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الرجل "الأب" بأن يبدأ بالإناث قبل الذكور، عند توزيع الهدايا أو الأطعمة أو العطايا. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من دخل السوق فاشترى تحفة فحملها إلى عياله كان كحامل صدقة إلى قومٍ محاويج، وليبدأ بالإناث قبل الذكور فإنّه من فرّح ابنة فكأنّما أعتق رقبة من ولد إسماعيل ومن أقرّ عين ابن صبي فكأنّما بكى من خشية الله"(4). ولتأكيد هذه الحقيقة التربويّة النفسيّة كان النّهي النبوي عن إيثار الصبي على البنت فقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من كان له أنثى فلم يهنها ولم يُؤثر (يفضّل ويميّز) ولده عليها أدخله الله الجنة"(5).


1- بحار الأنوار، المجلسي، ج101، ص91.
2- الوافي، الكاشاني، ج23، ص1297.
3- بحار الأنوار، م. س، ص97.
4- الأمالي، الصدوق، ص673.
5- مستدرك الوسائل، الطبرسي، ص15، ص118.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع