السيد علي عباس الموسوي
أغدق الله عزّ وجل على الإنسان نِعمه ظاهرةً وباطنة، فمن النّعم ما يدركه الإنسان ويحيط به؛ لأنّه يتلمّس في حياته ثماره، ومن النّعم ما يبقى مجهولاً لا يدرك أهميّته إلى أن يفقده ويزول عنه.
ومن النعم الإلهية التي تستوجب شكراً خاصاً، نعمة التكليف الإلهي المنزل على هذا الإنسان عن طريق الأنبياء والرسل، فلولا هذه التكاليف الإلهية لم يتمكن الإنسان من معرفة السبيل الموصل له، إلّا ما أدركه بعقله وفطرته من وجوب طاعة خالقه وربّه ووجوب شكره.
والتكاليف الإلهية تتنوّع، وتتعدد؛ فمنها ما لا يشعر الإنسان بثقله، بل قد يتوافق مع رغباته وميوله وإنسانيته، كالتكليف بطاعة الوالدين أو صلة الأرحام أو غيرهما حتى بعض العبادات كالصلاة والصيام وما فيها من إشباع حاجات النفس إلى المعنويات التي هي جزء أساس مكوّن للروح الإنسانية.
ولكن من التكاليف ما لا يتوافق مع رغبات هذه النفس. ولهذا، قد يواجه هذا التكليف بالرفض التام أو بتبريرات واهية لعدم أداء هذا التكليف، وهذا كله انطلاقاً من الخطأ في الحسابات، أي حسابات الربح والخسارة. فيتصور الإنسان أن ما يخسره في هذا التكليف أكثر مما يحصل عليه.
ومن هنا، فإنّ الدور الأساس في مواجهة هذه الحالة يتمثّل في تصحيح المعرفة، أي تصحيح هذا الخطأ الإدراكي، والإحاطة الصحيحة والتامة بالصورة الواقعيّة والمتمثلة بأنّ الربح كله هو في أداء التكليف الإلهي وأنّ كل ما يبذله الإنسان في سبيل ذلك لا يوازي في أهميّته وقيمته ما لأداء التكليف من قيمة وثواب ونفع عائد إلى الإنسان.
وأعظم هذه الأمور، تكليف الجهاد في سبيل الله، والذي وصفه الله عز وجل في كتابه بقوله: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ﴾. كما بيّن أن الإنسان قد يكره شيئاً ولكن يكون فيه الخير العظيم ﴿وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ (البقرة : 216).
ومن العوامل الأخرى التي تجعل الإنسان يتخلّف عن أداء التكليف الإلهي بالجهاد، ما يرتبط بعدم الوثوق بالنتيجة التي سوف يصل إليها على المستوى الدنيوي، فقد لا يكون واثقاً بالنصر، أو لا يكون واثقاً بإمكان الغلبة العسكريّة على العدو، أو يكون متوهّماً لعظمة قوة العدو. وهذا كله من الخطأ الإدراكي والمعرفي في الموازنة بين امتثال التكليف الإلهي وبين النتائج المترتّبة على ذلك، فإنّ الإنسان الذي يرى نفسه محلاً للتكاليف الإلهية عليه أن يجهد لإطاعة التكليف والاعتماد والتوكل على الله فيما يرتبط بالنتائج. والاهتمام بالنتائج المرجوّة من الجهاد في سبيل الله وإن كان مهماً، ولكنه لا ينبغي أن يتحوّل إلى عامل مثبط له، عن أداء تكليفه والقيام بواجبه.
يحثّنا المنطق الإلهي على ضرورة العمل بالتكليف وأن أمراً بسيطاً وصغيراً قد يجعله الله عزَّ وجل باباً لخير كثير، بل باباً للغلبة والنصرة، وأنّ على الإنسان، وفي سبيل تحقيق النصر، أن يتخلص من الوهم الآخذ به إلى المكان الخطأ. ففي قصّة بني إسرائيل عبرة، فقد تخلّفوا عن الجهاد مع نبيهم، وعلّلوا ذلك بحجج واهية. وقد شرح القرآن خطأ منطقهم على لسان رجلين منهم وفي أنهم لو امتثلوا التكليف الإلهي لكانت خطوة واحدة منهم كفيلة بالغلبة ولكنهم تَخلّفوا فهُزموا، قال تعالى: ﴿قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ (المائدة: 23).
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.