مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

خط الإمام: التعرف على الإسلام وإقامة الحكومة الإلهية



"في اليوم الذي أعلن فيه سياسة اللاشرقية ولا غربية، كان عدد الذين يؤمنون بإمكانية إيجاد حكومة لا تعتمد على الشرق والغرب قليلاً جداً".
القائد الخامنئي حفظه المولى
 

* الدعوة إلى التعرف على الإسلام
قد يبدو لنا أن توجيه مثل هكذا دعوة لا ضرورة لها، لأن التعرف على الإسلام هو من الواضحات والضرورات والمسلّمات والبديهيات التي لا تحتاج إلى التركيز عليها، ولكن نظراً إلى أن الإمام كان قد طرح مثل هذه الفكرة منذ عشرين أو ثلاثين سنة، فهذا يعني أن الإسلام كان غريباً حتى في الحوزات وبيوت العلماء.
 

فالإسلام الشامل والقادر واللائق لقيادة الحياة يبدو أنه كان غريباً، لذلك دعا الإمام الشعب المسلم في إيران والشعوب الإسلامية في العالم إلى التعرف على الإسلام باعتباره الوحيد المجدي في مواجهة الأفكار والطروحات التي كانت سائدة آنذاك. ومنها أفكار القومية والشيوعية والتأثر بالفكر الغربي وحضارته يقول الإمام:
 

"منذ البداية إلى اليوم، كان الإسلام غريباً لا يعرفه أحد. ذاك العارف يرى أن معرفة الإسلام هي معرفة تلك المعاني العرفانية والغيبية، وذلك الإنسان وأولئك الناس ممن يعيش في هذا الزمان وممن يكتبون في المجلات وغيرها يرون أن معرفة الإسلام هي معرفة كيفية حكومته وتربيته وظواهره وعدالته".
 

"...وفي الوقت الذي نفهم فيه أنهم يريدون تطبيق الإسلام حسب الماركسية فإنَّ هذا سوف يشكل خطراً على الإسلام، إذن يجب أن تتنبهوا جميعاً لهذا الخطر وأن تنصرفوا بجدية لرفع هذا الخطر فإن الهزيمة من العدو ليس لها أهمية، وخطورة الهزيمة من الداخل".
 

فعلى مستوى الفكر القومي، فقد سادت إيران في عهد رضا خان نعرات قومية أدت إلى تغيير التاريخ وإعادة الأسماء الإيرانية لنتداول بشكل واسع في الشارع الإيراني، وشُنت حرب على الأسماء الإسلامية والمصطلحات العربية والتي اعتبرت من آثار الغزو الإسلامي على حد تعبيرهم، وأصبح هناك دعوة إلى التمسك بالعادات والتقاليد والآداب الفارسية، وعُمد إلى اللغة الفارسية فحذفوا منها الكلمات العربية واستبدلوها بكلمات فارسية أصيلة من اللغة القديمة، أو المخترعة حديثاً. أما على مستوى الفكر الشيوعي، فقد كان انتصار الشيوعية حديثاً في الاتحاد السوفياتي. وبما أن إيران بلد مجاور، كان من الطبيعي أن يتأثر شعبها بالمد الأحمر، لا سيما أولئك المتغرّبين في ثقافتهم وفكرهم والذين كانوا يمسكون بوسائل الإعلام، مما سهل لهذا الفكر أن ينتشر داخل إيران. والذي ساعد أيضاً على تغلغل المدّ الشيوعي هو المأساة الاجتماعية والاقتصادية التي كان يعيشها الشعب الإيراني في ظل الملوك وفي ظل الاحتلال الإنكليزي. هذه المآسي ولدت حالة إحباط ويأس لدى الشعب، ووجدت تلك الأفكار أرضية صالحة باعتبار ما تطرحه من شعارات العدالة والمساواة.
 

من هذا الواقع، نفهم هدف الإمام من التركيز - وبقوة - على معرفة الإسلام حيث عمد إلى توجيه طلابه والعلماء المتأثرين بنهجه للعمل على توضيح معالم الإسلام للأمة. وكان حضور العلماء لا بالمؤلفات والكتب، بل في المساجد والحسينيات، وفي القرى والمدن، وفي الجامعات والمنتديات الثقافية والعلمية.

وخاضوا مواجهة فكرية حقيقية بين الإسلام وبين مجموعة التيارات الفكرية الأخرى. ولقد دعا الإمام للتعرف على هذا الدين، حتى بعد انتصار الثورة واعتبر أن هذه الدعوة كانت الهدف الرئيسي في حركة الأنبياء، وذلك عبر تبليغ الفكر الإلهي والرسالة الإلهية ونشرهما. فالعلماء المثقفون والمفكرون وكل القادة مسؤولون أن يعرفوا الناس على الإسلام. يقول الإمام قدس سره:
"لقد كانت بعثة الأنبياء من أجل أن يُعرِّفوا هؤلاء البشر أموراً ومراتب للإنسانية لم يكونوا مطلعين عليها ومن أجل أن يشرحوا لهم كيفية التربية".

* الإسلام مشروع ثورة:
لقد مارس الإمام جهداً كبيراً ليقنع الشعب المسلم في إيران أن الإسلام مشروع ثورة، لأنه كان عالقاً في أذهان هذا الشعب بنتيجة المدّ الشيوعي مقولة "الدين أفيون الشعوب". وقد عزز هذا القول وعاظ السلاطين وعلماء البلاط الذين كانوا يستغلون الدين لتغطية حكم السلاطين والملوك. في ذلك الوقت، طرح الإمام فكرة أن "الإسلام مشروع ثورة، ومشروع تحطيم الطواغيت. وكما سبق فإن هذا الكلام يبدو، الآن عادياً، لكن قبل ثلاثين سنة كان خروجاً عن الدين، ودفع الإمام ثمنه تكفيراً وإهانات وشتائم. يقول قدس سره.
 

"إنَّ الثورة في سبيل الله هي التي حققت الغلبة لفرد واحد هو خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم على كل العادات والعقائد الجاهلية، وألقت الأصنام خارج بيت الله ووضعت مكانها التوحيد والتقوى وأوصلت تلك الذات المقدسة إلى قاب قوسين أو أدنى".
 

وهذا الثمن كان من الحوزات العلمية، حيث كان يتردد في أوساطها استحالة الجمع بين الإسلام والثورة، بين الإسلام والدلوة، وفي ذلك يقول:
"يجب أن أقول إن الحكومة التي هي فرع من الولاية المطلقة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنما هي واحدة من الأحكام الأولية للإسلام، ومقدمة على كل الأحكام الفرعية حتى الصلاة والصوم والحج".
 

يجب أن أقول أن الحكومة التي هي فرع من الولاية المطلقة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنما هي واحدة من الأحكام الأولية للإسلام ومقدمة على كل الأحكام الفرعية حتى الصلاة والصوم والحج.
واعتبر الإمام قدس سره أن أية حركة ثورية لا يكون مشروعها مشروعاً إسلامياً، سوف تنقل الناس من ظلم إلى ظلم. وكان يرفض لأي ثائر أن يقاتل أو يثور تحت راية غير إسلامية، ويرى أنَّ الذي حصل في إيران هو ثورة إسلامية مئة بالمئة، ورفض أن تعتبر هذه الثورة شركة بين الإسلاميين وغيرهم.


كان يعتبر غير الإسلاميين طارئين على الثورة، والتحاقهم بها للمشاركة في المكاسب. وهذا الكلام قبل الانتصار. ففي بعض خطبه وبياناته هاجم الإمام حزب توده والمنافقين. واعتبر التحاق هذه الفئات بالثورة قد حصل نتيجة علمهم بأنها كانت سائرة في طريق النصر. "أنا أعلن بصراحة أني متنفر ومتأذ من هذه المجموعات الخائنة من الشيوعيين والماركسيين والمنحرفين عن مذهب التشيع وعن دين أهل بيت العصمة عليهم الصلاة والسلام وبأي اسم وبأي شكل كانوا واعتبرهم خونة للوطن وللإسلام وللمذهب".

* الإسلام نظام الحياة:
لم يكن أحد قبل ثلاثين سنة يصدق بأن الإسلام قادر على تنظيم الحياة وبناء الدولة حتى في وسط الحوزات، والفكرة التي كانت سائدة في أوساط العلماء هي أن بناء الدولة وقيامها لن يتحقق إلا على يد صاحب الأمر عجل الله فرجه الشريف، ووصل الأمر بهم إلى أن دولة صاحب الأمر ليس فيها تكنولوجيا وتقنية وتطور، والدولة الموعودة هي دولة على طراز ما قبل ألف ومئتي سنة. في هذا الجو طرح الإمام فكرة أن الإسلام قادر على قيادة الحياة وبناء الدولة بكل تطوراتها وأنظمتها السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية: وهذه من الأفكار الأصيلة والأساسية، خصوصاً في مرحلة ما قبل انتصار الثورة، في فكر الإمام الراحل. يقول قدس سره.

ولقد كانت جميع الحروب التي خاضها رسول الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم بهدف إزالة الموانع من طريق هذا المقصد الإلهي والمقصد الأعلى الذي كان عنده وهو تثبيت الحكومة الإسلامية، حكومة الله، حكومة القرآن". "الهدف الرئيسي لنهضة الإمام:
إن الهدف الرئيسي لحركة الإمام ونهضته - قبل انتصار الثورة وبعدها - الذي كان يتحدث به مع المعنيين وكل أفراد الأمة، هو رضى الله عز وجل، وأداء حق العبودية لله سبحانه وتعالى. ولو نزعنا هذا الهدف لم يبق أي فرق بين نهج ثورتنا وبين أية ثورة أخرى، وأداء حق العبودية للمولى عز وجل هو الطريق للحصول على الكمال والسعادة والخلود. قال الإمام المقدس:
"ليسعوا في سبيل استمرار هذه الثورة التي تحقق رضى الله ورضى صاحب الزمان وليحافظوا على مشغل الهداية هذا منيراً أكثر فأكثر، وليطمئنوا بأنّ النصر بالاعتماد على الله تعالى سوف يكون حليف هذه الأمة".
"لا شك في أن سر بقاء الثورة الإسلامية هو نفسه سر النصر، والشعب يعرف سر النصر وسوف تقرأ الأجيال الآتية أن ركنيه الأصيلين هما الدافع الإلهي والهدف السامي للحكومة الإسلامية.. إذا أردتم أن يستقر الإسلام والحكومة الإلهية وأن تقطع أيدي المستعمرين والمستغلّين الداخليين والخارجيين عن بلدكم فلا تضيعوا هذا الدافع الإلهي...".
 

*إسقاط حكومة الطواغيت وإقامة الحكومة الإلهية:
لأجل تحقيق الهدف الكبير - أداء العبودية لله عز وجلّ - يرى الإمام أنه لا بدّ من العمل باتجاهين: سلبي وإيجابي.
أ - الاتجاه السلبي: ويتمثل بإسقاط الطواغيت والأنظمة ومحاربة الظالمين وقطع الأيادي الأجنبية عن بلاد المسلمين.

ب - الاتجاه الإيجابي: ويتمثل بإقامة الحكومة الإسلامية، وللإمام قدس سره في هذا المجال تعبيرات دقيقة ومهمة، فهو لم يختبئ وراء عبارات غائمة ومطاطة، حيث أنه لا يحتاج مثلاً إلى أن يقول بالديمقراطية العددية أو بدولة العدالة أو ما شاكل ذلك، بل كان يقول دائماً: "نحن نريد تحقيق العدل والعدل لا يتحقق إلاَّ بالإسلام، فالمطلوب إقامة حكومة العدل الإسلامي".
 

ولو عدنا إلى خطابات الإمام وبياناته وكلماته لا نجد كلمة العدل وحدها بل يتبعها دائماً لفظ "الإسلامي". هذه التعبيرات وأمثالها كانت موجودة في كل مراحل الثورة، حتى عندما كان يطالب بإسقاط الشاه كان يقول للناس: البديل هو حكم الإسلام وحكومة العدل الإسلامي، لدرجة أن عبارة واسطلاح "الجمهورية الإسلامية"  لم يتطرق الإمام إليها إلاَّ عندما كان في فرنسا، بعد قدومه من النجف الأشرف، حيث تكلم عن هذا المصطلح كشكل من أشكال النظام، وإلاَّ فتعبيراته منذ مجزرة الفيضية عام 1963 وحتى الوصية الأخيرة مضمونها واحدة، هو إقامة الحكومة الإسلامية. قال الإمام قدس سره.
"إنني أعطي رأيي للجمهورية الإسلامية من دون زيادة أو نقصان وأوصد الباب بشجاعة دون كل المحاولات التي تحاول دسّ الديموقراطية أو الشعبية أو الاشتراكية أو غير ذلك من المفاهيم والمصطلحات على جوهر هذه الدولة ومحتواها".

* مشروع الإمام قبل انتصار الثورة:
لقد عمل الإمام طوال خمس عشرة سنة على مشروع إسقاط الشاه وإقامة الحكومة الإسلامية، وبالرغم من طرح العديد من مشاريع التسوية كان موقف الإمام حاسماً: لا بدّ من إسقاط الشاه وطرد الأمريكان من البلد وإقامة الحكومة الإسلامية. لم يرض الإمام باتصاف الحلول حتى ولو جاءت من شريعة مداري، أو أن يُطبق الدستور الموجود، فأي حكم مخالف للشريعة الإسلامية يعتبر لاغياً، ولم يقبل قدس سره بالعرض الذي يقضي أن يكون هو الفقيه الحاكم، ويبقى الشاه رمزاً من رموز الملكية في إيران، ورفض ذلك بشدة. قال قدس سره:
"الشيء الذي يريده الشعب هو الجمهورية الإسلامية لا جمهورية فقط، ولا جمهورية ديمقراطية، ولا الجمهورية الديمقراطية الإسلامية، بل الجمهورية الإسلامية. إنَّ ما أطلبه من الشعب أن يكون واعياً. لا تضيعوا دماء شبابكم: ولا تخافوا من كلمة الديمقراطية، إنها نظام غرب ونحن لا نقبل الحضارة الغربية ولا نقبل مفاسدها".

* الفرق بين الحكومة والجمهورية:

رأينا تركيز الإمام قدس سره على مصطلح الحكومة الإسلامية، أما مصطلح الجمهورية الإسلامية فكان تعبيراً مستحدثاً فيما بعد انتصار الثورة، وقلنا بأن الإمام كان دقيقاً في اختيار الكلمات والمصطلحات، لذلك فتعبير الحكومة الإسلامية هو تعبير عن النظام السياسي الذي سوف يحكم البلد "المضمون "، لكن هذا النظام قد يأخذ أشكالاً متعددة، ومنها الشكل الجمهوري. لذلك نفهم لماذا أنَّ الإمام قدس سره لم يعط أهمية لشكل النظام ما دام أصله سيقوم على أساس الإسلام وأحكامه.

ومن هنا، قد يكون شكل النظام من خلال تعيين الولاة والمستشارين، أي شكل الولاية أو الإمارة، فالشكل لا يحدد شرعية الحكم والنظام. وبناء عليه، فإن الإمام قد ركز على شعار الحكومة الإسلامية وخاطب الشعوب به، ولم يتحدث عن الشكل الذي قد يستخدم في هذا البلد أو ذاك، فهو متروك للظروف والخصوصيات والمصلحة.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع