ظافر قطيع
كان للشعر والشعراء في حياة العرب مكانة كبيرة. وما كانت قبيلة من القبائل تخلو من شاعر مجيد ينشر فضائلها ومكارمها ويهجو أعداءها. وقد عَرفت مكّة في الجاهلية سوق عكاظ الذي كان بمثابة المهرجان الشّعري الكبير، فكانت القصائد التي تحوز إعجاب العرب تُكتب بماء الذهب، وتعلّق على جدران الكعبة؛ وهو ما عرف في الأدب العربي بالمعلّقات.
*حرب قريش للنبيّ شعراً
كانت قريش شأنها شأن باقي القبائل العربية، تزخَر بالشّعراء الذين كانوا أشبه برجالات الإعلام في زماننا الحاضر.
وكان للشعر دور في حرب قريش للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم حيث كان يقوم بعض شعرائها بهجاء النبي وأصحابه في محاولة منهم للتشويش على الدعوة الوليدة. ومن هؤلاء المشركين عبد الله بن الزبعري، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وعمرو بن العاص وضرار بن الخطاب. فقال قائل لعليّ بن أبي طالب عليه السلام: "اهجُ عنّا القوم الذي يهجوننا، فقال: إنْ أذن لي رسول الله فعلت. فقالوا: يا رسول الله ائذن له، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إنّ علياً ليس عنده ما يراد في ذلك منه.
ثم قال: ما يمنع القوم الذين نصروا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بسلاحهم أن ينصروه بألسنتهم [في إشارة إلى الأنصار]؟ فقال حسان: أنا لها، وأخذ بطرف لسانه"(1).
انتُدب لهجوِ المشركين، زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثلاثة من الأنصار: حسّان بن ثابت، وكعب بن مالك، وعبد الله بن رواحة. وقد روى أصحاب الصّحاح والسّنن أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول لحسان بن ثابت: اهجهم - يعني المشركين - وروح القدس معك. وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لحسان: "اللهم أيّده بروح القدس، لمناضلته عن المسلمين"(2).
*شاعر الأنصار
هو حسّان بن ثابت بن المنذر بن حرام من بني مالك بن النجار الأنصاري، وأمه الفُرَيعة بنت خالد بن خنيس من بني كعب بن ساعدة الأنصارية.
كان حسان بن ثابت شاعر الأنصار في الجاهلية، وقد أجمعت العرب على أنّ أشعر أهل المدر [من يسكنون الحواضر]، أهل يثرب. وكان حسّان بن ثابت فحلاً من فُحول الشُّعراء في الجاهلية. عاش من عمره، في الجاهلية، ستين سنة التقى خلالها النابغة الذُّبياني والشاعر الأعشى وأنشد من شعره أمامهما وكلاهما أثنى عليه. وقد قال الأصمعي: شعر حسّان في الجاهلية من أجود الشعر(3).
*حياته مـع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
عاش حسان بن ثابت ستين سنة في الجاهلية ومثلها في الإسلام، وقد جعل من شعره الوسيلة الأقوى والسلاح الأمضى الذي يدافع به عن الإسلام. ولئن كان بعض الكتب يروي أن حساناً كان رجلاً جباناً يخشى الحروب، وأنه لم يشهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أيّاً من مواقفه لجبنه، فإنّ بعض أهل العلم قد أنكر ذلك وقالوا لو كان حقاً لهجي به. إذ إنه لم يكن من المقبول أن تكون في الرجل نقيصة ولا يتناوله بها أعداؤه، والجبن نقيصة وأيّما نقيصة. والحق أنه لم يكن قادراً على القتال منذ ضربهُ صفوان بن المعطّل بالسيف.
ويصف حسان بن ثابت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيقول:
متى يَبْدُ في الداجي البهيم جبينه |
يَلُحْ مثل مصباح الدّجى المتوقّدِ |
فمن كان أو مَنْ قد يكون كأحمد |
نظامٌ لحق أو نكالٌ لملحدِ |
كان حسان بن ثابت موضع تقدير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لذبّه بلسانه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في هجائه للمشركين؛ وقد أعطاه رسول الله سيرين وهي أمة قبطية وأخت مارية القبطيّة التي كانت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فولدت له عبد الرحمن بن حسان.
*شعره دفاعاً عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم
وقد كان شعره في دفاعه عن النبي عندما عارض مَن هجا النبي:
هجوتَ محمداً فأجبتُ عنه |
وعند الله في ذاك الجزاءُ |
فإنّ أبي ووالدتي وعرضي |
لعرض محمد منكم وقاءُ |
ولما جاء وفد بني تميم في العام التاسع للهجرة ودخلوا المسجد - وفيهم نزلت سورة الحجرات - قالوا: يا محمد جئناك لنفاخرك فأْذن لشاعرنا وخطيبنا فأَذِن رسول الله لشاعرهم وخطيبهم وكان شاعرهم الزبرقان بن بدر فافتخر بقصيدة مطلعها:
نحن الكرام فلا حيٌّ يعادلنا |
منا الملوك وفينا تنصبُ البِيَعُ |
فبعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى حسان بن ثابت وقال له: قم يا حسان فأجب الرجل.
فارتجل حسان بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قصيدة يعارض فيها الزبرقان ومنها:
إنّ الذوائب من فهرٍ وإخوتهم | قد بيَّنوا سنّة للناس تُتّبع |
يرضى بها كل من كانت سريرته | تقوى الإله وكلّ الخير يُصطنع |
إنْ كان في الناس سبّاقون بعدهم | فكلّ سبقٍ لأدنى سبْقهم تبع |
أكرم بقوم رسول الله شيعتهم | إذا تفرّقت الأهواء والشّيع (4) |
فقال التميميون عند ذلك: وربكم إن خطيب القوم أخطب من خطيبنا وإن شاعرهم أشعر من شاعرنا وما انتصفنا ولا قاربنا(5).
*في رثاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
ولما توفّي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رثاه حسان بن ثابت بقصائد عدّة وبعضهم يراها من خير ما رثي به النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومنها:
والله ما حملت أنثى ولا وضعت |
مثل النبي رسول الأمة الهادي |
ولا مشى فوق ظهر الأرض من أحد |
أوفى بذمة جار أو بميعاد |
من الذي كان نوراً يستضاء به |
مبارك الأمر ذا حزم وإرشاد |
مصدقاً للنبيين الألى سلفوا |
وأبذل الناس للمعروف للجادي |
خير البرية إني كنت من نَهَرٍ |
جار فأصبحت مثل المفرد الصادي(6) |
*وفاته
لقد كان حسان بن ثابت شاعر الإسلام وقد قيل له: ألان شعرك أو هرم في الإسلام يا أبا الحسام؟ فقال للقائل: يابن أخي إن الإسلام يحجز عن الكذب وإن الشعر يزيّنه الكذب. ولقد وقف شعره على نصرة كلمة الله والدفاع عن رسوله صلى الله عليه وآله وسلم كما أراد الله له في سورة الشعراء إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا﴾.
1- الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ابن عبد البرّ، ج1، ص342.
2- صحيح البخاري، ج1، الحديث 123.وصحيح مسلم، ج4، الحديث رقم 1932.
3- الاستيعاب، م. س، ج1، ص343.
4- تاريخ الطبري، ج2، ص117 - 118.
5- الاستيعاب، م. س، ج1، ص350.
6- الطبقات الكبرى، ابن سعد، ج2، ص322.