السيد علي عباس الموسوي
يرسم الإنسان على المستوى الفردي مستقبل حياته ويسير حثيثاً للوصول إلى تلك الصورة التي رسمها بريشة العقل، والقلب، والآمال والطموحات. ويستشرف الإنسان، دائماً، مستقبلاً فيه النجاح والفلاح. ويبدأ في كلّ مرحلة بالبحث عن الطرق التي تصل به إليه. وهذا لا يعني عدم الخطأ في رسم صورة المستقبل أو في تحديد آليّات وطرق الوصول إليه.
وكذلك الحال في المجتمع الإنساني أو ما يسمّى بالإنسان الكبير، فإن المجتمع، وطبقاً لمعتقداته وعاداته وآماله وأفكاره، يقوم برسم المستقبل للجماعة واستكشاف طرق الوصول إليه.
وأمام عامل الانتظار يكون التحدّي بين مختلف الاتجاهات الفرديّة والاجتماعيّة، فالتحدي يقع بين الأفراد في صحة تلك اللوحة المرسومة للمستقبل الموعود أو في طرق الوصول إليها، وكذلك بين المجتمعات.
وعندما يسير المجتمع في ركاب قائد ويسلّم إليه زمام نفسه؛ فذلك لأنه يرى فيه الأهلية ليصل بهذا المجتمع إلى أهدافه المنشودة.
والإخفاق في اختيار شخصيّة القائد الاجتماعي سيؤدي، حتماً، إلى خللٍ في المسير إلى الهدف وإلى الغاية. فقد تجد مجتمعاً سليماً، يحمل أهدافاً نبيلة، ولكنه ابتلي بخيار خاطئ في القائد، انحرف به عن مسير الوصول إلى تلك الأهدف.
ومنطق التحدي في الوصول إلى الهدف أو عدم الوصول إليه هو ما سار عليه الأنبياء، الذين عانوا المصاعب في سَعيهم للسير بمجتمعاتهم إلى الغايات المطلوبة.
فعندما نادى الأنبياء عليهم السلام بدعوة السماء واستخدموا منطق العقل في تعريف الحقائق للناس، لم يُهملوا منطق التحدي في المستقبل المنتظر. فدعوة الأنبياء قامت على أساس العمل للمستقبل، لأن الحقيقة تقول إن الحياة الدنيا معبر وطريق للحياة الآخرة وإن على الإنسان أن يرسم معالم حياته الأخروية، فمسيرة الأنبياء هي مسيرة استشراف المستقبل المرسوم بوضوح، والعمل على ضمان الوصول إليه.
وفي المقابل، كان تحدي أولئك المكذبين للأنبياء بالتشكيك في الحياة الآخرة، أو بالتشكيك في أن يكتب النصر والتوفيق للأنبياء في هذه الحياة الدنيا بأن يصلوا بمجتمع، ولو صغير، إلى خط الهداية الإلهية.
وكلما ازداد الموقف غموضاً من إمكان الوصول إلى المستقبل المنشود، كلما ازداد منسوب التحدي. فالأمة، حتى يومنا هذا، في معرض الابتلاء بالعديد من المواقف التي تحتاج إلى مجتمع واعٍ للوحة مستقبله المرسومة بريشة المعتَقَد والأمل؛ وإلى قائد يسير به في الطريق الصحيح.
ويكفي أن ندرك أن كل ما يصيب الأمة في عصر الغيبة من شدائد، إنما هو في سبيل توفير الظروف لقيام الجماعة الصالحة بالتمهيد لظهور من سيضع تلك الصورة المشرقة للمجتمع والتي رسمتها ريشة المنطق القرآني، بأحرفٍ من نور.
وفي كل موقف، يتعرض له المؤمنون ويواجهون التحدي بصدق وإخلاص يكون منطقهم الأساس هو منطق القرآن، الواثق بالنتيجة، وبالمستقبل، فيكون خطابهم بما خاطب به القرآن أعداء الأنبياء وهو قوله تعالى: ﴿وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ﴾ (ص: 88).
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.