نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

أول الكلام: طِبْتُم فادخُلوها خالدين

السيد علي عباس الموسوي

جُبِلَ الناس على الاختلاف. والاختلاف ظاهرة طبيعية تعود إلى الحريّة المودعة من الله عزَّ وجلّ والاختيار الذي أراده للإنسان، وبه فضّله على سائر من خلق.

والاختلاف يبدأ من الفِكر وأنماطه والنظرة التي يحملها الإنسان حول ما يحيط به، فقد ترى الشيء جميلاً ويراه الآخر قبيحاً. وينتقل إلى السلوك، فرؤية الشيء تعكس نمطَ حياةٍ وأسلوبَ عيش، فما تراه حسناً سوف تقدم على القيام به وتحثّ الآخرين عليه، وما تراه قبيحاً سوف تنهى عنه وتذمّ من يفعله، وهكذا حال الآخرين، ومن ثم تختلف النتائج على مستوى الفرد وعلى مستوى الجماعة.
وقد واتر الله الأنبياء والرسل عليهم السلام، ليكفل هداية الإنسان وإرشاده إلى النظرة الصحيحة، والسلوك الصحيح الذي يضمن له النتائج المطلوبة.

وعوداً على عنصر الاختيار، لم يجعلِ الله عزَّ وجلّ الهداية جبرية، أي لم يجبر الناس أن يكونوا مؤمنين؛ وترك لهم حرية أن يُطيعوا رُسُله ويتَّبعوا صراطه المستقيم، أو أن يختاروا الطريق الآخر الذي حذّرهم منه ووصف لهم مخاطِره وآثاره الوخيمة.

وكما أنّ للهداية أسبابها، كذلك لها نتائجها التي تُثمر نفعاً ومصلحة للإنسان على مختلف المستويات، وكما دعا الله عزَّ وجلّ إلى التمسّك بأسبابها، رغّب الناس في ثمارها التي يمكن أن تفتح باب الشوق الشديد لدى الإنسان الذي يدفع إلى الالتزام بها وتحمّل المكاره والمصاعب ومخالفة رغبات النفس الأخرى لأجل الوصول إليها.

ومن الثمار الجلية التي تحدث القرآن الكريم عنها تلك الجنّة التي يورثها الله عزَّ وجلّ للذين آمنوا، وما فيها من نِعَم تفوق التصوّر البشري المحدود الآن بحدود عالم المادة.
لكن هذه الجنّة التي تمثّل الوعد الإلهي للسائرين في خطّ طاعة الله، تشكّل مفردة من نِعَم أخرى يهبها الله لأهل طاعته، ولكن الناس تغفل عنها كثيراً أو لا تشكل أهميّة وأولويّة بالنسبة لها.
وأهم هذه النِّعَم ما يرتبط منها بانعكاس الطاعة على كمال النفس الإنسانية، وهو الغنى الذاتي الذي يرتبط برقيّ هذه النفس الإنسانيَّة وعلوّ درجتها.

تتحوّل النفس في ظلّ طاعة الله عزَّ وجلّ إلى عنصر آخر لا يرى في نعيم الجنة فقط ما يحثّه على الطاعة، بل يسمو عن كلّ حاجة لينظر إلى الطاعة على أنّها تحقيق لرغبة المحبوب والمعشوق، وعندما ينتظر الثمرة يكون نظره إلى فضل الله ورضوانه لا إلى ما في الجنة من ملذّات وإن كانت مشروعة وهبة إلهيَّة له جزاءً على الطاعة.
عندها، ينظر الإنسان إلى صدق الوعد الإلهي، فيراه نعيماً أرقى من كل نعيم الجنة، وكل ذلك لأنه كان من العاملين، أي الملتزمين خطّ الطاعة في هذه الدنيا.

ذلك هو المعنى الذي يشير إليه القرآن الكريم بوصفه النفس التي تصل إلى ذلك بأنها نفس طيبة، وهي الخطاب الذي تجعله الملائكة عنواناً لحوارها الأوّل مع الإنسان عند دخوله الجنة حيث تقول: ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ * وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِين (الزمر: 73 - 74).

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.


 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع