آية الله الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي
إذا ألقينا نظرة ولو بسيطة على القرآن الكريم فسوف نجده يعدّ الإنسان موجوداً مختاراً. وبَعْثُ الأنبياء وإنزال الكتب السماوية يصبح لغواً من دون اختيار الإنسان. فهذا الأمر بنفسه يدلّ على أنَّ الله وأنبياءه يعتبرون الإنسان مختاراً.
وتدلّ عليه أيضاً الآيات الواردة في مجال امتحان الإنسان وابتلائه:
﴿إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾(1).
﴿إنَّا إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا عملاً﴾(2).
وهناك في آيات الوعد والوعيد توجد صفات نسبها الله لأنبيائه منها أنهم مبشّرون ومنذرون:
﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ ﴾(3).
فالتبشير هو إعطاء الوعود الحسنة على الأعمال الخيّرة، والإنذار هو تخويف الناس من عواقب أعمالهم السيّئة، سواء أكانت عواقب دنيوية أم أخروية. وحتى إنّ القرآن أحياناً يعبّر ب"النذير" بدل أن يقول أرسلنا رسولاً:
﴿وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ﴾(4).
أو يقال للكافرين يوم القيامة:
﴿أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ؟﴾(5).
وجميع هذه الموارد من وعد ووعيد وبشارة وإنذار لا معنى لها إلاَّ في نطاق الموجود المختار. وهناك طائفة أخرى من الآيات الدّالة على اختيار الإنسان أيضاً، وهي آيات عهد الله وميثاقه مع عامة الناس أو فئات خاصة منهم، يقول تعالى: ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آَدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ﴾ (6).
ولو كان الإنسان مجبراً وليس له اختيار فإنّ عهد الله معه يصبح لغواً.
﴿ووَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ﴾(7).
﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ﴾(8).
وهاتان الآيتان واردتان في مجال الميثاق الخاص. فجميع هذه الآيات الواردة في مضمار الميثاق العام أو الخاص تدل على اختيار الإنسان. وبالإضافة إلى هذه الأدلة النقليَّة أو العقلية فإنَّ الإنسان يدرك بالعلم الحضوري أيضاً أنه مختار. فلا شك أنَّ الإنسان في كثير من المواقف عندما يجد نفسه على مفترق طريقين فإنه يختار أحدهما بإرادته من دون أن يُجبر من قبل جهة خارجيَّة. وقد قال بالجبر أو ما يشبهه بعضُ المنتسبين للإسلام، وسوف نشير في البحوث اللاحقة إلى عوامل هذا الاتجاه، ونجمل القول هنا بأنَّ هؤلاء قد واجهوا شبهات لم يستطيعوا حلّها فاتخذوا هذا الموقف.
* مفهوم الاختيار
لكي تتّضح أيَّة مسألة لا بدّ أولاً من تبيين المفاهيم المذكورة في عنوانها، حتى إذا كان هناك اشتراك أو تشابه فإنه يزول ليعرف المقصود بدقَّة، ولهذا فإننا نقوم بتوضيح مفهوم الاختيار قبل الدخول في صميم البحث:
إن كلمة الإختيار تستعمل في عرفنا وفي المباحث النظرية بعدّة صور وفي مجالات مختلفة:
-1 في مقابل الاضطرار:
مثلاً نقول في علم الفقه: لا يجوز للإنسان أكل لحمة الميتة باختياره، إلاَّ أنه لا مانع من أكله إذا كان مضطراً، أي إذا لم يأكل تتعرّض حياته للخطر أو يصيبه ضرر بالغ:
﴿إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ و... فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْه﴾(9).
2- في مقابل الإكراه:
وتستعمل بهذا المعنى في المجالات القانونية فنقول مثلاً: بيع المكرَه باطل، أي من شروط صحَّة البيع أن يتمّ الاختيار، هذا إذا قلنا ببطلان بيع المكره. والإكراه يحصل عند تهديد الشخص بضرر، فهو يقوم بالفعل تحت تهديد الغير، ولو لم يكن هناك تهديد فإنه لا يختاره ولا يفعله. والفرق بين الاضطرار والإكراه هو أنه في حالة الاضطرار لا وجود لتهديد الغير وإنما الشخص يضطر بنفسه للقيام بالفعل نتيجةً للظروف الخاصَّة والاستثنائية التي يعيشها.
3 - الاختيار بمعنى القصد والانتخاب:
يقسّم الفلاسفة فاعل الفعل إلى أقسام، من جملتها "الفاعل بالقصد" وهو الذي يواجه سبلاً مختلفة ويقارن بينها ثم يختار أحدها. ويسمى هذا القصد والانتخاب أحياناً ب"الاختيار والإرادة" ويختصّ بالفاعل الذي يتصوّر فعله قبل القيام به ثمّ يشتاق إليه ثم يقرّر القيام به، حتى وإن كان هذا الانتخاب قد تمَّ نتيجةً لتهديد الغير أو لظروف استثنائية.
4 - الاختيار في مقابل الجبر:
ويستعمل الاختيار أحياناً في معنى واسع وهو أن يتمّ انجاز الفعل من الفاعل عن رغبته وحبّه دون أن يتعرّض للضغط من قبل عامل خارجي. وهذا المعنى للاختيار أعمّ حتى من الفاعل بالقصد، لأنه لا يشترط هنا أن تجري مقارنة ذهنيَّة ليحصل بعدها الشوق للفعل ثم يشتدّ ذلك الشوق ثم يقرّر ويريد سواء أكان هذا التقرير والإرادة كيفاً نفسانياً أم فعلاً نفسانياً، وإنما الشرط الوحيد هنا هو أن يصدر الفعل نتيجةً لرضى الفاعل ورغبته. وبهذا المعنى الواسع يشمل بعض الأقسام الأخرى من الفاعل أيضاً كالفاعل بالعناية والفاعل بالرضا والفاعل بالتجلّي، فكل واحد من هذه فاعل مختار لكنه لا ينطبق عليه أنَّه فاعل بالقصد لأنه لم يقم خلال فعله بالتصوّر والتصديق والمقارنة.
والاختيار بهذا المعنى صادق أيضاً حتى في مورد الله والملائكة وسائر المجرَّدات، ومع أنّ التصوّر والتصديق لا معنى لهما بالنسبة إليها أو على الأقل بالنسبة لله تعالى مع أنَّ له أرفع مراتب الاختيار. فالفاعل الإرادي توجد في نفسه أحياناً عوالم مضادة أيضاً أو يتعرّض لضغط من الخارج إلاَّ أنه لا مجال لمثل هذه الأمور في الفاعل بالرضا أو بالتجلي. فلا توجد قدرة في مقابل قدرة الله حتى تضغط عليه.
وكذا أيضاً في مورد المجرّدات التامة، فهي بعد إثبات وجودها: تتمتّع بهذه الصفة وهي أنها لا تقع تحت تأثير عامل خارجي. مثلاً إذا اعتبرنا الملائكة من المجرَّدات فإنَّ تسبيحها وتقديسها يكون اختيارياً، فهي التي تريده وتحبه "طعامهم التسبيح" إلاَّ أنّ الاختيار بمعنى القصد المسبوق بالتصوّر والمقارنة ليس صادقاً بشأنها لأنه لا ذهن لها ولا تقوم بمقارنة ولا ينبعث فيها شوق، وإجمالاً لا يحدث في ذاتها أيّ تغيير، لكنها مختارة أيضاً. وبناءً على هذا نلاحظ أنَّ معنى الاختيار قد يختلف مع مفهوم الإرادة من حيث المصداق. ومن الواضح أنّ الإرادة إذا كانت بمعنى القصد والعزم فكل فاعل بالقصد فهو مختار ولكنه ليس كل فاعل مختار فهو قاصد بهذا المعنى. وإذا استطعنا إثبات الإرادة في الذات الإلهية أي بما أنها من صفات الذات فهي ليست بمعنى الكيف ولا الفعل النفساني، وإنما بمعنى الحب والرضا، وعلى كل حال فإنَّ تعريف الفاعل بالقصد لا يكون شاملاً لله تعالى. وتحسن الإشارة هنا إلى أنّ بعض المتكلمين قد ذهب إلى كون الله فاعلاً بالقصد، إلاَّ أنَّ الدقَّة الفلسفيَّة قد أثبتت أنه لا يمكن عدّ الله فاعلاً بالقصد لأنه يلزم من ذلك نسبة بعض صفات المخلوقين إليه سبحانه. إذاً الفاعل بالإرادة = بالقصد أخصّ من الفاعل المختار.
* حقيقة الاختيار
والآن لننظر ما هي حقيقة هذا الاختيار الذي هو ملاك تكليفنا والمؤدّي إلى امتياز الإنسان على سائر الحيوانات؟
لا شكَّ أنَّ لكل إنسان فعلاً إرادياً، ولا ريب أيضاً أنَّ له فعلاً جبرياً وطبيعياً ولكنه ليس موضوع بحثنا هنا. فأفعال الإنسان الإرادية تتمّ بمبادئ خاصَّة من إدراكاته ورغباته النفسية بمساعدة ما غرسه الله في كيانه من جهازي الرغبة والإدراك وسائر القوى النفسيَّة أو البدنية وحتى بمساعدة الأشياء الخارجيَّة. والذي يؤدي إلى قيمة الإنسان هو أن تكون أفعاله اختياراً لسبيل من بين عدَّة سبل. ففي أعماق الإنسان توجد ميول مختلفة وهي متزاحمة في مقام العمل عادةً. وتُشبه هذه القوى المتعددة التي تؤثّر على جسم واحد من جهات مختلفة، فقوَّة تجذبه نحو اليمين وأخرى نحو الشمال، كقطعة حديد توسَّطت بين قطعتين من المغناطيس. ففي الطبيعة عندما توجد مثل هذه القوى المختلفة الاتجاه فالذي يتحقق في الخارج هو حاصل طرحها، والأقوى نسبياً هي التي تؤثّر، ويتمّ هذا الأمر بشكل طبيعي. إلاَّ أنَّ هذا لا يجري في الإنسان بهذه الصورة وهي أنَّ القوة ذات الجذب الأكثر تؤثّر بشكل ذاتي في الإنسان بصورة يقينيَّة. نعم قد يحدث هذا في الناس الذين لا يستعملون قوَّة الاختيار والعزم عندهم ويستسلمون تماماً لغرائزهم، إنَّ للإنسان قوَّة يستطيع بواسطتها أن يقاوم الرغبات الجارفة، وهو ليس مبتلى بحالة انفعاليَّة صرفة في مقابل الجواذب الطبيعية.
وهذا هو الذي يمنح القيمة لفعل الإنسان. ومن المناسب في هذا المجال أن نشير إلى اصطلاح خاص غير مشهور ابتكره بعض المفكرين حيث خصَّ الفعل الإرادي بالإنسان في مقابل أفعال الحيوانات التي تنبع من غرائزها فهي التذاذيَّة صرفة. وحسب هذا الاصطلاح يصبح فعل الإنسان إرادياً لأنه من العقل، ولا يوصف فعل الحيوان عندئذٍ بأنه إرادي. وهو اصطلاح خاص ولا مشاحّة في الاصطلاح. وأما حسب الاصطلاح المشهور فإنَّ أفعال الحيوانات تتصف بأنها إراديَّة، ويعدّون فصل الحيوان هو "الحسَّاس المتحرّك بالإرادة". فالاختيار إذاً هو معيار القيمة للفعل الإنساني. والإنسان يتمتَّع بقوَّة يستطيع بفضلها أن يعلو على حالاته الانفعاليَّة وأن يتحكَّم في غرائزه وميوله المختلفة فيضحّي برغبة من أجل رغبة أخرى. وبهذا الترجيح يكتسب فعل الإنسان قيمة، ومثل هذه القيمة لا تصدق إلاَّ في مورد موجود يتميَّز بميول متضادَّة، أي بميول ليست قابلة للجمع في مقام العمل والإشباع، لهذا فهي تتزاحم، وكل واحد منها لا يدفع الآخر بذاته، وإنما يغدو مضادَّاً له في مجال الإشباع والعمل.
إذاً، لا ينبغي أن يتوهَّم أحد أنَّ مقصودنا هو التضادّ الديالكتيكي، بل مقصودنا أنَّ الإنسان توجد فيه قوى ودوافع متعددة لا يمكن إشباعها جميعاً في آن واحد ودفعة واحدة ولا بد من اختيار أحدهما، فليس من الممكن إرضاء الله وإرضاء الشيطان والقلب معاً. أجل قد يرغب الإنسان في فعل يرضاه الله مثل تناول وجبة الإفطار أو السحر التي هي مستحبة أي ترضي الله عزَّ وجلَّ وفي نفس الوقت تميل النفس إليها فإذا قام بهذا الفعل قاصداً القربة لله فهو عبادة. ولكنه يوجد التزاحم أحياناً كما لو كان الإنسان جائعاً وأمام طعام لذيذ إلاَّ أنه يحرم عليه تناوله، ففي مثل هذه الموارد لا يمكن الجمع بين الرغبتين ولا بد من اختيار إحداهما. فإذا كان هناك موجود يتميَّز بلون واحد من الرغبة كالملائكة التي تنحصر لذَّتها في عبادة الله، ولا تقتحم اللذة الشيطانية وجودها، فلا معنى للانتخاب بالنسبة إليها لأنها لا توجد فيها رغبة إلاَّ عبادة الله، وهي أيضاً ليست مجبرة وإنما هي مختارة وتؤدّي الفعل برغبتها لكنها لا توجد فيها رغبة أخرى. وبعبارة أخرى إنها مختارة لكنها ليست منتخبة. إذ أنَّ أمامها طريق واحد، أما الإنسان فله رغبات متضادة فعلاوة على كونه مختاراً لا بد أن ينتخب أيضاً وهذا هو منشأ القيمة(10).
فهل هذا الاختيار مختصّ بالإنسان أم تتمتّع به موجودات أخرى وإن كان بشكل أضعف وأبسط؟ يبدو من آيات القرآن الكريم إنَّ ل"الجنّ" أيضاً مثل هذا الاختيار ولهذا أصبحوا مكلفين: ﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا﴾(11).
* وكيف يكون الأمر بالنسبة للحيوانات؟
لم نجد في القرآن دليلاً على أنَّ للحيوانات اختياراً بالمعنى الذي يكون ملاكاً للتكليف. وقد ادَّعى البعض بصورة يقينيَّة أن الحيوانات لا اختيار لها ويبدو لنا أنَّ مثل هذا الادعاء قد يكون خلاف الاحتياط العلمي، ويمكننا أن نلاحظ بعض المجالات التي يصدق عليها الاختيار والانتخاب، مثلاً: إذا اقترب حيوان من حديقتكم ورفعتم العصا عليه فإنه يفرّ، وهذا الفرار يعني أنه اختار عدم الضرب على الشبع، وهو انتخاب لكنه ليس بدرجة قوة انتخاب الإنسان، ويمكن وصفه بأنه انتخاب نصف واعٍ وإن كان جميع الناس لا يقومون بأعمالهم باختيار واعٍ، فبعض الناس يكون انتخابهم مثل فرار ذلك الحيوان. وعلى كل حال فليس من الصحيح الادّعاء بصورة قاطعة أن الحيوانات لا اختيار لها وبالتالي لا تكليف عليها. ولعلَّه توجد في بعض الروايات أمور مبنيّة على أن الحيوانات أو بعضها على الأقل لها تكليف أيضاً(12). ففي رواية أنَّ الماعزة التي أصابت بقرنها ماعزة أخرى سوف يُقتصّ منها يوم القيامة.
وبعض آيات الكتاب العزيز تدل على أن للحيوانات "حشراً": ﴿وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ ﴾(13). ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُون﴾(14). وموضوع بحثنا هنا هو اختيار الإنسان. وتعريفنا لاختيار الإنسان في هذا المضمار هو أن للإنسان رغبات باطنيَّة مختلفة وهو يستطيع بنشاطه الباطني أن يرجّح إحداها على الأخريات وينتخبها، وهذا الاختيار هو ملاك التكليف. فأينما وجدنا تكليفاً فهو يدلّ على مثل هذا الاختيار، وكذا العكس أي كلما لم يكن مثل هذا الاختيار موجوداً لم يكن هناك مجال للتكليف، وإن كان يوجد هناك اختيار بمعنى آخر. وبالإضافة إلى ما مرّ من فئات من الآيات تدل بالالتزام على ثبوت الاختيار للإنسان فهناك آيات تدلّ بالصراحة والمطابقة على اختياره مثل قوله تعالى:
﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾(15). فلا يوجد كلام أصرح من هذه الآية للدلالة على الاختيار، فالله سبحانه قد أتمَّ الحجة على الناس وأوضح لهم السبل وأرسل إليهم الرسل: لئلاَّ يكون للناس على الله حجة بعد الرسل(16). وها هنا يأتي دور الناس: ﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾. ﴿لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ﴾(17).
(1) سورة الإنسان: الآية 2.
(2) سورة الكهف: الآية 7.
(3) سورة البقرة: الآية 213.
(4) سورة فاطر: الآية 24.
(5) سورة الملك: الآية 8.
(6) سورة يس: الآيتان 60 - 61.
(7) سورة البقرة: الآية 83.
(8) سورة الأحزاب: الآية 7.
(9) سورة البقرة: الآية 173.
(10) هناك بحوث حول كلمة "القيمة" لكن أغلبها لغويَّة، ومن المناسب أن نشير هنا إلى أنَّ القيمة تُطرح أساساً في مجال المبادلة، فهنا تُعطى رغبة ولذة وتُؤخذ رغبة ولذة أخرى. ويقال عرفاً: إنَّ هذا بقيمة ذاك ولهذا فهو يستحق أن نعطي هذا ونأخذ ذاك.
(11) سورة الأنعام: الآية 130.
(12) تفسير نور الثقلين، ج1، ص715 - 716.
(13) سورة التكوير: الآية 5.
(14) سورة الأنعام: الآية 38.
(15) سورة الكهف: الآية 29.
(16) سورة النساء: الآية 165.
(17) سورة الأنفال: الآية 42.