* سورة الحمد
لم يحصل اهتمام بتفسير سورة من سور القرآن الكريم مثلما حصل لسورة الحمد فقد حظيت بتركيز شديد وعناية عالية من قِبل المفسرين ولا غرو في ذلك فقد ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام عن رسول الله حديث طويل أخذنا فيه مقدار الحاجة قال رسول الله صلّى الله عليه وآله أن الله تعالى قال لي يا محمد ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم فأفرد الامتنان علي بفاتحة الكتاب واجعلها بإزاء القرآن وإنّ فاتحة الكتاب أشرف ما في كنوز العرش.."
وروي عن أبي ابن كعب قال: "قرأت على رسول الله فاتحة الكتاب فقال والذي نفسي بيده ما أنزل الله في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في القرآن مثلها هي أم الكتاب وهي السبع المثاني، وهي مقسومة بين الله وعبده ولعبده ما سأل" وعن الصادق عليه السلام: "لو قرأت الحمد على ميت سبعين مرة ثمّ ردت فيه الروح ما كان عجيباً". وهناك الكثير من الروايات التي تذكر الشأن العظيم لهذه السورة.
* بين المستفيد والقرآن
القرآن الكريم، بنظر نفسه وهو عين نظر أهل المعرفة، بل إنّ مشربهم ومطعمهم إنّما هو من مائدة الصحيفة الإلهية "القرآن"، وكما يقول تعالى في الكلمات الكريمة 29 من سورة ص: ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ﴾ باطنه عميق لا تفنى عجائبه ولا تنقضي غرائبه" "نهج البلاغة" غاية نزوله تدبر القلوب لأعماقه. وكما نذكر ذلك تعالى في آية كريمة: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ "محمد/24 ".
إنّ الآيات التي تتحدّث عن شرائط الاستفادة من هذا الكتاب الأوحدي الذي هو في الحقيقة مربي الأولياء أكثر من أن تحصر وأنّ من هذه الشروط وأوفاها شرط طهارة القلوب كما يذكر تبارك وتعالى في اللطيفة القرآنية: ﴿إنّه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسّه إلاّ المطهرون﴾. ولعلّ من أجمل وأرق ما ذكر في تفسير هذه الآية كلام للعارف الخميني قدس سره الشريف: "فكما أنّ غير المطهّر الظاهري "بحسب الأحكام الفقهية " ممنوع عن ظاهر هذا الكتاب ومسّه كذلك ممنوع عن معارفه ومواعظه وباطنه وسره من كان قلبه ملوثاً بأرجاس التعلقات الدنيوية".
وغاية الإشارة فيما ذكرناه هو دفع الوهم ورفع الحجب ليفتح باب معارف القرآن الكريم أمام الناس وهذا هو هدف التفسير.
* الاستعاذة:
قال تعالى: ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ﴾. ليس المراد من الاستفادة هنا الاستفادة اللسانية فحسب.
إذ أن مثل ذلك قد فعله أناس مراراً وتكراراً واعتادوا عليه ومع ذلك لم يتخلّصوا من تسويلات الشيطان بل لعلّ بعضهم مع كثرة استعاذاته كان طائعاً وولياً له. إذ ما نفع هذه الاستعاذة اللسانية من دون صدق التوجّه القلبي والاتكال الحقيقي على الله سبحانه وتعالى.
وإذا خامر قلب المستعيذ أثناء الاستعاذة أنس بالبقاء على طاعة الشيطان ومقارنة الآثام، ولم ينقطع في طلب الاستعاذة فقد أساء أدب الاستعاذة، حيث جمع إرادتين إرادة الاتكال على الله، وإرادة تولي إبليس اللعين. وكيف تجتمع في آنٍ معاً رغبتان: رغبة الاستعادة من إبليس ورغبة أخرى نقيضة في تولّي إبليس – أنّ ذلك محال. لذلك قد يبقى أحدنا دهره يستعيذ منه بينما يزداد اعتزازً به، وإعراضه عن ذكر الله. أمّا أولئك الذين أخلصوا لله فإنّهم بقدر إخلاصهم في اتكالهم وتنعمهم بطاعة الحق تعالى ينالون من حقيقة الاستعاذة وفعليتها.
فالاستعاذة أمر نفساني وغاية تكرار الاستعاذة اللسانية تلقين النفس بها حتّى يتحصل لها بهذا التكرار شيئاً من حقيقة هذه الاستعاذة.