صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين آخر الكلام | الضيفُ السعيد الافتتاحية| الأمـومـــة... العمل الأرقى  الشيخ البهائيّ مهندسٌ مبدعٌ في العبادةِ... جمالٌ مع الخامنئي | نحو مجتمع قرآنيّ* اثنا عشر خليفة آخرهم المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف* أخلاقنا | اذكروا اللّه عند كلّ نعمة* مناسبة | الصيامُ تثبيتٌ للإخلاص

الأبعاد العظيمة للجهاد الأصغر


منذ أن هبط آدم عليه السلام إلى الأرض وتكوّنت المجتمعات البشرية كان الجهاد عنواناً للحركة الاجتماعية ذلك لأنّ الحياة الدنيا تشهد بطبيعتها صراعاً بين الخير والشر والهدى والضلال. وحيث تكون الغرائز الوهمية حاكمة فإنّ طريق الهداية سوف يتعرض للمنع والقطع. وهذا التاريخ يشهد بكتابه المليء بالأمثلة على هذا الصراع الذي لن ينتهي إلى أجلٍ قريب.

فالجهاد هو أحد السمات البارزة لعهود الاجتماع الإنساني، افترضه الله على عباده لأجل إقامة حدوده وأحكامه، وجعله طريقاً إليه، يرفع في الأولياء من سلكه، ويضع في الأذلاّء من تركه.
فما هي الأبعاد التي تقف وراء تشريعه، وما هي أهم أسرار أحكامه؟

* الجهاد تكليف إلهي
قبل أي شيء لا بدّ أن نلتفت إلى أنّ الجهاد هو أحد الفرائض الإلهية التي لا يشكّ فيه أحد من المسلمين، لثبوته في الذكر الحكيم وسنة سيد المرسلين صلى اله عليه وآله وسلم وإنّما الشك أو التأويل هو في انطباقه على عصر من العصور أو قوم من الأقوام. بمعنى أنّ الذين أنكروا في بعض الحالات هذا التكليف الإلهي، لم ينكروه من أساسه لوضوح الإشارة إليه في القرآن الكريم:
﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ "البقرة/16 "
﴿وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ "البقرة / 190 ".
وعشرات الآيات الأخرى التي تؤكّد على هذا المطلب.
 

وكذلك تاريخ الإسلام الحافل بالجهاد والقتال في سبيل الله، ولكن يدور الحديث عادة فيما يتعلّق بالجهاد حول مشروعيته أو وجوبه أو حرمته في زمن محدّد أو على قوم من الأقوام. ونحن رعاية للاختصار ونظراً لهدف هذه المقالة نحيل القارئ على ما يمكنه من معرفة الحالات التي يحرم أو يوجب فيها القتال. وأهمها:

1- معرفة ولاية الفقيه ودوره في حياة الأمة.

2- قراءة أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الرسائل العملية للفقهاء العظام.

3- قراءة الكتب المتخصّصة مثل كتابي الشهيد مطهري قدس سره: الجهاد وحالاته المشروعة وكتاب الهجرة والجهاد.

فإذا عرفنا أنّ الجهاد تكليف إلهي فإنّنا ندرسه من هذه الزاوية التي تلقي كلّ الضوء على أبعاده وأسراره. وفي الحقيقة فإنّ أي عمل إذا لم ينطلق من هذه الدائرة فإنّه ساقط ولا قيمة له. لأنّ الله تعالى يعلم بما يصلح عباده وعلى هذا الأساس شرع لهم ما فيه كمالهم ونهاهم عمّا يرديهم وما فيه نقصانهم. ولو بحث الباحثون وجال المحقّقون سنوات وسنوات لاكتشاف فائدة وراء حرام لما عثروا إلاّ على الضرر والخسران: ﴿سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًاً. "الفتح/23 ".

فعندما يسلك الإنسان في طريق العبودية والتكليف ويعبّر من خلال طاعته لله عن عجزه وفقره فإنّه يحطّم الحجاب الأكبر والمانع الأول الذي يحجبه عن لقاء الله والقرب منه.
هل يوجد سعادة أعلى من سعادة لقاء الله؟!
وهل هناك كمال أعظم من القرب منه؟!
"إنّ الشيء الوحيد الذي تصبو إليه فطرتنا هو الله سبحانه الذي يفيض على عباده بكل كمال ممكن".
فالجهاد طريق الأولياء من جهة أنّه تكليف إلهي، هو من أشرف التكاليف وأعظمها: "إنّ الجهاد باب من أبواب الجنة فتحه الله لخاصّة أوليائه.."

ويمتاز الجهاد عن كثير من الطاعات بخصائص جعلته في مقدمة الطاعات، بل كان معياراً تقاس به، وأهمّ هذه الخصائص:

1- الشمولية، فهو يشمل جميع أبعاد حياة الإنسان الاجتماعية.

2- التضحية، وعلى أساسها تعرف قيمة الإنسان ومعدنه في الحياة الدنيا.

3- السرعة، فإنّ سالك طريق الجهاد سريع الوصول قليل الموانع.

* الجهاد باب معرفة الله
من دعاء للإمام أبي عبد الله الحسين عليه السلام:
"إلهي عرفت أنّ مرادك مني إن تتعرف إلي في كلّ شيء حتّى لا أجهلك في شيء" فأهل الله يستلهمون من هذه النصوص الموقفظ حكمة إلهية هي بمنزلة المقصد والغاية يقول إمام العارفين الخميني قدس سره:
"إنّ هدف بعثة الأنبياء هو تعليم الأسماء الإلهية وإيصال الإنسان إلى معرفة الله تعالى".

وقد كان تشريع الجهاد لأجل إيصال الإنسان إلى هذا المقام الشامخ، حيث يكون مشاهداً للأسماء الإلهية من خلال الدخول في معترك الصراع.
 

قال الله تعالى: ﴿أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِين "العنكبوت/29 ".
ففي ساحات الجهاد عندما يعيش الإنسان حالات الانقطاع إلى الله من خلال انقطاع جميع الأسباب الأخرى، وعندما ييأس من كلّ قدرة أو قوة إلاّ قوة الله يصل إلى مقام التوحيد ممّا يشاهده ويتعرّف عليه في أيام الجهاد:

﴿وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى" ويستحيل أن نجد مجاهداً قد سلك طريقه بإخلاص ولم يشاهد هذه الحقيقة الإلهية.

* الجهاد باعث اليقظة والتكامل
عندما يدخل الفرد في عمق المواجهة مع أعداء الله فإنّن يستنفر جميع قواه لأجل تحقيق النصر والثبات في المعركة وفي ظل هذا الاستنفار المستمر يتعرف الإنسان على كثير من الطاقات الكامنة فيه ويتحرّك باتجاه تنميتها.

فما أكثر ما شاهدنا في هذا البلد العزيز من شباب كانوا يعيشون مع أهلهم حياة الدعة والبلادة والدلال، وعندما فتح الله عليهم باب رحمته بقبولهم في ساحات جهاده نجدهم وقد أصبحوا رجالاً أقوياء يتحمّلون مسؤوليات كبرى. وهذا هو حال الأمة أيضاً.

كانت هذه ثلاثة أبعاد أساسية على المستوى الفردي تجتمع تحت لواء واحد هو طاعة الله التي هي طريق التكامل والعروج إلى لقاء الله.
ويشترك البعد الثالث بين المستوى الفردي والمستوى الاجتماعي الذي سنتحدّث عنه الآن.

* الأبعاد الاجتماعية للجهاد في سبيل الله
البعد الأول: إقامة الحكومة الإسلامية
كثيرون يقصرون النظر على الأبعاد الاجتماعية للجهاد الذي يمكن اختصاره تحت عنوان الطاعة أيضاً.
فهل يمكن أن نعزل أي نشاط أو عمل يؤديه الإنسان عن دائرة الشريعة، ولو عزلناه فهل يبقى ذا قيمة ترجى؟!

أمّا الفصل بين البعد الفردي للجهاد والأبعاد الاجتماعية له فهو من أجل فهم النتائج المطلوبة على مستوى المجتمع الذي له قداسة مميزة تحفظ الأفراد وتصونهم ويكون منطلقاً لنشر الإسلام وتعاليمه.
وليس هناك أصالة للمجتمع الإنساني بمعزل عن الفرد ولا يذيب المجتمع أفراده تحت أيّة حجة إلاّ الحفاظ عليهم وهدايته.

إنّ إقامة الحكومة الإسلامية كنظام سياسي عسكري اقتصادي تعتبر هدفاً أساسياً من أهداف الجهاد في سبيل الله قال الله تعالى: ﴿لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُون﴾.

البعد الثاني
: بسط العدل
يقول الله تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ "المائدة/44 ".
فنشر العدل وتثبيت أركانه من أهم أهداف الحكومة الإسلامية لتحقيق التوازن الاجتماعي والنفسي الذي يمنع كلّ انحراف وظلم.
 

وكذلك فإنّ الجهاد في سبيل الله يمثّل تحركاً نحو تعبيد الطريق لتسير عليها آفاق الدعوة السليمة من خلال القضاء على جميع الموانع التي تتعمد إيقاف مسيرة الفكر الهادئ والهداية الإلهية.
ومن هنا كان الجهاد ركناً أساسياً من أركان الدين الإسلامي الذي يحمل في جوهره رسالة الهداية العالمية إلى يوم الدين قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: "لكلّ أمّة سياحة وسياحة أمّتي الجهاد في سبيل الله".

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع