إن الجهاد كالصلاة التي أمرنا بها من فروع الدين وكما أن علينا معرفة شرائط صحة وقبول الصلاة حتى نقوم بهذا الواجب العظيم علينا أيضاً معرفة مواقع الجهاد حسب أقسامه الضرورية في عصرنا وشرائط صحته وقبوله.
فمن وفق للجهاد فهو من خاصة الأولياء وقد دخل الجنة من بابها العريض "فإن الجهاد باب من أبواب الجنة فتحه الله لخاصة أوليائه" (نهج البلاغة - خ27)
ثمّ إن أفضل ما توصل به المتوسلون إلى الله سبحانه وتعالى بعد الإيمان به وبرسوله الجهاد في سبيله فإنه ذروة الإسلام (نهج البلاغة- خ110).
* أقسام الجهاد:
الجهاد جهادان حسب الحديث الشريف: جهاد العدو وما يشمله وهو الجهاد الأصغر، وجهاد النفس وهو الجهاد الأكبر. فعندما بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سرية ورجعت قال لهم:
"مرحباً بقوم قضوا الجهاد الأصغر وبقي عليهم الجهاد الأكبر.
قيل: يا رسولَ الله وما الجهاد الأكبر؟
قال: جهاد النفس.
ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم: أفضل الجهاد من جاهد نفسه التي بين جنبيه".
وكلا هذين القسمين مكملان لبعضهما البعض فلا يجوز لإنسان أن يدعي أنه يهذب نفسه ويجاهدها ثم ينعزل عن مواقع الجهاد الأصغر المتعين عليه لأنه يكون قد ترك واجباً كبيراً وأذنب ذنباً عظيماً فلا ينفعه الجهاد الأكبر عندها شيئاً.
كما ورد عن علي عليه السلام حول ترك الجهاد "فمن تركه رغبة عنه ألبسه الله ثوب الذل..." نهج البلاغة- خ27.
وكذلك أيضاً من لم يجاهد نفسه في ميدان إخلاصها، فقد يجاهد نفسه في ساحات الجهاد الأصغر ويُقتل ولا يكون شهيداً، وذلك هو الخسران المبين. فقد ذكر في السير أن من المسلمين من كان يجاهد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويقتل في المعركة وكان يسمى قتيل الحمار لأنه كان يهدف من جهاده وقتاله الحصول على الحمار.
فإن المجاهد ما لم تكن دوافعه خالصة لله في جهاده لا يكون جهاده في سبيل الله تعالى وإنما في سبيل ما يسعى إليه... وهذا ما يبينه الحديث الآتي عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
"أول ما يسأل يوم القيامة ثلاث:
رجل أتاه الله العلم فيقول الله تعالى: ماذا صنعت فيما علمت؟ فيقول: يا رب كنت أقوم به أناء الليل والنهار.
فيقول الله عزّ وجلّ كذبت وتقول الملائكة كذبت بل أردت أن يقال فلان عالم، إلا فقد قيل ذلك.
ورجل أتاه الله عزّ وجلّ مالاً فيقول الله تعالى: ماذا صنعت؟ فيقول: يا رب كنت أتصدق به أناء الليل والنهار، فيقول الله عزّ وجلّ كذبت... وتقول الملائكة كذبت أردت أن يقال فلانٌ جواد، ألا فقد قيل ذلك.
ورجلٌ قتل في سبيل الله، فيقول الله تعالى ماذا صنعت: فيقول أمرت بالجهاد فقاتلت في سبيلك حتى قتلت، فيقول الله عزّ وجلّ كذبت، وتقول الملائكة: كذبت بل أردت أن يقال: فلان شجاع ألا فقد قيل ذلك".
نستفيد مما ذكر:
1- أن الجهاد قسمان: أصغر وأكبر.
2- أن على الإنسان أن يكون ملتزماً بكليهما ليكون مجاهداً حقيقياً.
3- أن ترك الجهاد الأصغر يمنع من الجهاد الأكبر بشكل صحيح.
4- كذلك ترك الجهاد الأكبر والالتزام بالجهاد الأصغر دونه يؤدي إلى الخسران.
5- أن الأساس في الجهاد الأكبر هو الدوافع التي تدفعنا لأي عمل خصوصاً الواجبات وهذا ما يجب علينا أن نحصله بأنفسنا... بمجاهدة الأهواء وجعل كل الأعمال خالصة لوجه الله تعالى سواءً التي يجب أن نفعلها أو التي يجب أن نتركها.
* استفتاءات حول الفقه الجهادي
- استفتاء: هل يجب أخذ الإجازة والإذن من الإمام أو مرجع التقليد للدفاع عن الإسلام والجمهورية الإسلامية؟
جواب: باسمه تعالى الدفاع عن الإسلام والجمهورية الإسلامية واجب على جميع المكلفين بكل شكل ممكن وليس مشروطاً بالإجازة.
والذي يفهم من فتاوى الإمام- رضي الله عنه- أنه عندما يهاجم عدوٌ بلاد المسلمين أو أية منطقة من مناطقهم ويخاف المسلمون على دينهم ومجتمعهم من هذا العدو عندها يجب على كل المكلفين نساءً ورجالاً الدفاع بكل ما أوتوا من قوة وبكل وسيلة متاحة لديهم ولا نحتاج حينئذٍ أن نستفتي أحداً في مواجهة العدو ومن قتل منا فهو شهيد.
وكذلك لا نحتاج في هذا الوضع إلى إذن الوالدين كما دل عليه هذا الاستفتاء.
- استفتاء: هل أن هذا الذي يريد الجهاد في سبيل الله أو الدفاع عن ديار الإسلام مع الكفاية يجب عليه أن يستأذن والديه ولو مع بُعدهم وعدم علمهم؟
وعلى فرض أن الشرع لا يجوّز الذهاب من دون إذنهم فهل سماحتكم تعطون الإذن في الذهاب فيحق لنا الذهاب إلى الجبهات؟
جواب الإمام: بسم الله الرحمن الرحيم، الدفاع عن الإسلام والمسلمين وبلادهم واجبٌ كفائي ولا يجب في مثله الاستيذان من الأبوين.
- استفتاء: إذا احتل العدو الصهيوني الكافر منطقةً من بلدٍ إسلامي وعلم المسلمون الذين يسكنون في تلك المنطقة بأنهم إذا قاوموا فسيواجهون المصاعب والمتاعب من قبيل السجون ومداهمة البيوت والتفتيش وأمثال ذلك.
هل يجب عليهم أن يقوموا بوجه العدو ويدافعوا عن أنفسهم؟
ولو كان لديهم يقين بأنهم لو دافعوا فسيؤدي ذلك إلى استشهادهم فهل يجب عليهم مساعدة المجاهدين المسلمين الذين يقومون بعملياتٍ عسكرية مادياً ومعنوياً.
جواب الإمام: الدفاع واجب ويجب على المسلمين مساعدتهم.
- استفتاء: في أية صورة تكون المشاركة في جبهة الإسلام واجبة على الجميع؟
جواب الإمام: باسمه تعالى، في الصورة التي يتعرض فيها الإسلام أو بلد إسلامي لهجوم ولا تكون القوات الموجودة في الجبهة بالمقدار الكافي.
- استفتاء: إذا شك الإنسان في أن المجاهدين بالحد الكافي أم لا فهل يكون الاشتراك في الجبهة واجباً عليه أم لا؟
جواب الإمام: باسمه تعالى، ما دام لم يحصل الاطمئنان بوجود القوات بشكلٍ كافٍ فالاشتراك واجبٌ.
- نفهم مما مضى:
1- في حال الدفاع عن الإسلام والمجتمع الإسلامي لا يجب أخذ إذن الولي الفقيه.
2- لا يجب أخذ إجازة الوالدين في هذه الحالة.
3- لا يسقط الوجوب مع خوف القتل والسجن والمداهمات وغيرها.
4- يجب على المسلمين الآخرين مساعدة المجاهدين مادياً ومعنوياً.
5- عندما يكون المقدار الموجود على الجبهات أو الذي يقوم بالعمليَّات وما إلى ذلك غير كافٍ يجب على كل مكلف بشكل عيني سدّ الفراغ.
6- إذا شك شخصٌ في أن المقدار كافٍ أم لا يجب عليه الدفاع والمشاركة في ذلك.
من خطبة لأمير المؤمنين علي عليه السلام يذكر فيها ملك الموت:
هل تحسُّ به إذا دخل منزلاً؟ أم هل تراه إذا توفى أحداً؟ بل كيف يتوفى الجنين في بطن أمه؟ أيَلِج عليه من بعض جوارحها؟ أمِ الروح أجابته بإذن ربها؟ أم هو ساكن معه في أحشائها؟ فكيف يصف إلهه من يعجز عن صفة مخلوق مثله؟!