صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين آخر الكلام | الضيفُ السعيد الافتتاحية| الأمـومـــة... العمل الأرقى  الشيخ البهائيّ مهندسٌ مبدعٌ في العبادةِ... جمالٌ مع الخامنئي | نحو مجتمع قرآنيّ* اثنا عشر خليفة آخرهم المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف* أخلاقنا | اذكروا اللّه عند كلّ نعمة* مناسبة | الصيامُ تثبيتٌ للإخلاص

مقام الإمام في القرآن

* ما هي حقيقة معنى الإمامة؟
وهل مقام الإمامة أفضل من مقام النبوة؟
* وما هي خصائص الإمام الملازمة له؟
هذه الأسئلة، ومسائل أخرى، سنتناولها في هذه الحلقة من مباحث العقيدة من خلال استنطلق الآيات القرآنية الواردة في هذا المجال.
قال رسول الله صلى الله عليه و آله:
" من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية".


* حقيقة الإمامة
الإمامة في اللغة من الفعل أمَّ بمعنى تقدّم. يقال أمَّ القوم أي تقدّمهم.
فالإمام هو الذي يتقدم القوم ويقودهم.
أما في الاصطلاح العقائدي، فقد اختلف الناس كثيراً في معنى الإمامة. فأهل السنة والجماعة يعتبرون أن الإمامة هي الزعامة والرئاسة العامة. وبالتالي فالإمام هو الزعيم والرئيس الحاكم الذي يدير البلاد ويدبر شؤون العباد ويرعى مصالحهم.والإمامة عند مذهب أهل البيت عليهم السلام أبعد من ذلك، فهي تعني القدوة والولاية. فالإمام هو المقتدى الذي يقتدي به الناس، ويتبعونه في أقواله وأفعاله. ويدل على ذلك أن القرآن الكريم يقرن الإمامة دائماً بالهداية، كما في قوله تعالى: ﴿وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وأقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين الأنبياء/73. وكما في قوله تعالى: ﴿وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون السجدة/24.
 

فهذه الآيات الشريفة وأمثالها تثبت التلازم بين الإمام والهداية بالأمر الإلهي. وهنا نقطتان تجدر الإشارة إليهما:
الأولى: الأمور التي تتعلّق بها الهداية بالنسبة للإنسان هي القلوب والأعمال. فالقلوب هي محل العلوم والمعارف الربانية (العلم نور يقذفه الله في قلب من يشاء من عباده)، والأعمال أما نوع من الجهاد السلوكي الذي يفتح سبل الهداية ﴿والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا أو أنها نوع من الضلال والغواية ﴿ومن يعصِ الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً.

والثانية: إن عالم الأمر الإلهي هو عالم الولاية المطلقة الذي لا يتخلف فيه شيء عن إرادة الله ومشيئته ﴿إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون.
ولذلك فالهداية الملازمة للإمامة والمقرونة دائماً بالأمر الإلهي، كما لاحظنا في الآيتين السابقتين، تفيد نحواً من الولاية للإمام على قلوب الناس وأعمالهم من أجل هدايتهم إلى الله تعالى. وهذه الولاية بالتأكيد مجعولة من قبل الله تعالى وليس في عرض الولاية الإلهية.

وهكذا، فعلى الناس أن يتخذوا الإمام مقتدى يقتدون به في القول والفعل، ويسيرون بسيرته، لأن الولاية التامة له، وهو المهيمن على السبيلين، سبيل السعادة وسبيل الشقاء. فعن أمير المؤمنين عليه السلام أن قال: ﴿إنما الأئمة قوّام الله على خلقه وعرفاؤه على عباده، ولا يدخل الجنة إلا من عرفهم وعرفوه، ولا يدخل النار إلا من أنكرهم وأنكروه.

* الإمامة أفضل أم النبوة؟
يقول تعالى في الآية 124 من سورة البقرة: ﴿وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهنّ، قال إني جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين.
تفيد هذه الآية الكريمة أن مقام الإمامة أسمى وأشرف من مقام النبوة، وذلك لأن إبراهيم عليه الصلاة و السلام نال رتبة النوبة قبل الإمامة. وهذا يعني أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام كان لائقاً للنبوة، إلا أنه لم يكن لائقاً للإمامة بعد، فلما أتم الابتلاءات الإلهية بنجاح، صار بعد ذلك لائقاً للإمامة فقال تعالى: ﴿إني جاعلك للناس إماماً.
 

والمقصود من النبوة تحمّل النبأ من الله تعالى، فالنبي هو الذي يحمل نبأ أو أنباءً من الله تعالى تصله من خلال الوحي. وقد تبين فيما مضى أن الإمام هو المقتدى الذي يقتدي به الناس ويتأسون بسيرته.
وأما أن إبراهيم عليه الصلاة و السلام كان نبياً قبل أن يكون إماماً فيظهر من الآية مباشرة، فالآية تفيد أن إبراهيم عليه الصلاة و السلام كان يوحى إليه، حيث أن الله تحدث معه مباشرة ﴿قال إني جاعلك للناس إماماً. والذي يوحى إليه فهو نبي، ولكنه لم يكن إماماً بعد. فجعل الله له الإمامة بعد إتماما الامتحان الإلهي.
 

ثم إن أعظم الابتلاءات الإلهية لإبراهيم عليه الصلاة و السلام ذبحه لولده إسماعيل عليه الصلاة و السلام لقوله تعالى: ﴿إن هذا لهو البلاء المبين. وفديناه بذبح عظيم الصافات/106- 107 ومن المعلوم أن هذه الحادثة حصلت في عهد الشيخوخة لقوله تعالى: ﴿الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق...} إبراهيم/39، وعليه فإتمام الإمتحان والبلاء الإلهي وبالتالي منصب الإمامة لم يحصل له إلا في الكبر. ومن المعلوم أنه كان نبياً قبل ذلك بكثير.
روى عن الصادق عليه السلام أنه قال: "إن الله عز وجل اتخذ إبراهيم عبداً قبل أن يتخذه نبياً، وإن الله اتخذه نبياً قبل أن يتخذه رسولاً، وإن الله اتخذه رسولاً قبل أن يتخذه خليلاً، وإن الله اتخذه خليلاً قبل أن يتخذه إماماً، فلما جمع له الأشياء قال: ﴿إني جاعلك للناس إماماً.

* خصائص الإمامة
تختص الإمامة بخصائص ومميزات متعددة بعضها مستفاد مما مرّ والبعض الآخر يستخلص من آيات قرآنية أخرى نشير إليها بقدر ما يسمح لنا المقام، فمن هذه الخصائص:

1- الإمامة عهد إلهي، وهي من شؤون الله عز وجل الخاصة، يجعلها لمن يشاء ويحجبها عمّن يشاء، ولا يحق للناس، بل لا يستطيعون، أن يجعلوها لأحد. قال تعالى: ﴿إني جاعلك للناس إماماً وقال أيضاً ﴿لا ينال عهدي الظالمين.

2- وجوب عصمة الإمام، لأن الله تعالى نفى أن تجري في الظالمين، والظلم مطلق المعصية والانحراف عن صراط العبودية. فعن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: " ألا وإن الظلم ثلاثة: فظلم لا يغفر، وظلم لا يترك، وظلم مغفور لا يطلب. فأما الظلم الذي لا يغر فالشرك بالله، قال الله تعالى: ﴿إن الله لا يغفر أن يشرك به، وأما الظلم الذي يغفر فظلم العبد نفسه عند بعض الهنات، وأما الظلم الذي لا يترك فظلم العباد بعضهم بعضاً" . والإمام يجب أن يكون منزهاً عن مطلق الظلم، وبالتالي فهو منزه عن المعصية، أي أنه معصوم.

3- الحضور والرقابة على أعمال العباد، في لا تخفى عليه ولا تحجب عنه، وهذا فرع لولايه على القلوب والأعمال. ويؤيد ذلك قوله تعالى: ﴿وقل أعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون (التوبة/105). فهي تؤكد أن الله والرسول والمؤمنين مطلعون على الأعمال، وهي لا تخفى عليهم، والمقصود من المؤمنين هم الأئمة وأولو الأمر الحقيقيون لقوله تعالى ﴿إنما وليكم لله ورسوله والذين آمنوا. وورد هذا المعنى في الزيارة أيضاً أشهد إنك ترى مقامي وتسمع كلامي وتردّ سلامي.

4- وجوب علم الإمام بما يحتاج إليه الناس في معاشهم ومعادهم، لأن الإمامة مقترنة دائماً بالهداية ولا يكون الإمام هادياً إلا إذا كان مهتدياً، وبالتالي عالماً بما يصلح أحوال الناس في الدنيا والآخرة.
قال تعالى: ﴿وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا السجدة/ 24.

5ـ وجوب كون الإمام مؤيداً من الله، لقوله تعالى: ﴿وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وأقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين الأنبياء/73، فالوحي الإلهي يعني أن الإمام مؤيد بروح القدس والطهارة، ومسدد بقوة ربانية تدعوه إلى فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وعبادة الله سبحانه دون سواه.

6- عدم خلو الأرض وفيها الناس، من إمام حق، لقوله تعالى ﴿يوم ندعو كل أناس بإمامهم. فلكل أناس إمام خاص يتقدمهم يوم القيامة ويكون شاهداً عليهم. وليس الحديث الشريف المذكور في مطلع هذه الحلقة عن ذلك ببعيد، وهو قول الرسول صلى االله عليه وآله وسلم : " من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية" .

7- وجوب كون الإمام أفضل أهل زمانه في الفضائل النفسية. لقوله تعالى: ﴿أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع من لا يهدي إلا أن يهدي ما لكم كيف تحكمون (يونس/35)، ومعلوم أن الفضائل النفسية كمال وحق، والهداية إليها إمامة، فلو كان أحد أفضل من الإمام، وجب عليه أن يهتدي به في تلك الفضيلة. وبذلك فهو تابع لا إمام.

روي عن الرضا عليه السلام أنه قال:
وإن العبد إذا اختاره الله عز وجل لأمور عباده شرح صدره لذلك وأودع قلبه ينابيع الحكمة وألهمه العلم إلهاماً. فما يقي بعد بجواب، ولا يحيد في عن الصواب. فهو معصوم مؤيد. موفق مسدَّد. قد أمن الخطايا والزلل والعثار، يخصه الله بذلك ليكون حجته على عباده، وشاهده على خلقه وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
 

وعن الباقر عليه السلام قال:
" لو أن الإمام رفع من الأرض ساعة لماجت بأهلها البحر بأهله" .

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع